قضايا وآراء

منظمة التحرير الفلسطينية وواقعية البديل

1300x600
قبيل انطلاق الثورة السورية بأشهر، كان ثمة طرح لدى الفصائل الفلسطينية الموجودة حينها في دمشق بتشكيل إطار فلسطيني جديد يكون بديلا من منظمة التحرير الفلسطينية، بعد تحولها إلى هيكل بلا مضمون، يتم باسمها تقديم التنازل تلو الآخر، بل تحولت إلى أداة يصادَر باسمها القرار الفلسطيني، ويُحصر بيد مجموعة منتفعة ذاتيا سياسيا واقتصاديا.

هذه الفصائل عندما طورت الطرح لتحرك عملي على الأرض، تلقت حينها تطمينات من بعض دول الإقليم بمنح التحرك الغطاء اللازم للعمل، حال الحصول على التمثيل المطلوب فلسطينيا في الداخل والشتات، ووقتها تجاوز الحديث التوافق على كيان جديد إلى التأسيس لمشروع سياسي متكامل خارج التزامات أوسلو، يضم الجميع الفلسطيني، تحت مظلة الحقوق الفلسطينية الثابتة، والمقاومة، وحق العودة، ورفض اتفاقيات التسوية وتبعاتها.

وعندما سألت قياديا فلسطينيا بارزا حينها عن كيفية التعامل مع حركة فتح التي بالتأكيد سترفض هذا التحرك، قال إن ثمة توافقا بين العاملين ضمن هذا التحرك على أن من شذّ عن هذه المظلة سيكون هو من عزل نفسه بنفسه.

ومع انطلاق الثورة السورية وما رافقها من تغيرات في المواقف والاصطفافات تراجعت هذه الفكرة، لاسيما مع تراجع حضور القضية الفلسطينية برمتها، في ظل الهزات التي ضربت وما زالت تضرب المنطقة، بدءا من تداعيات الأزمة السورية وتعقيداتها، مرورا بإفرازات الثورات المضادة في أكثر من بلد، وصولا إلى تطورات الحرب على داعش في العراق وغيرها.

وأصبح جليا أن القضية الفلسطينية أضحت اليوم في آخر الأولويات، ليس بالنسبة إلى دول وكيانات سياسية فحسب، بل حتى شعوب المنطقة المثقلة بهمها اليومي، وتحديدا في "دول الطوق" التي أصبح أبناؤها ما بين مشرد لاجئ في وطنه أو مواطن يعيش تحت القمع، ويكتفي بالسعي للحصول عل كفاف يومه.

الآن ومع تصاعد الحديث عن المستقبل السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، بل مستقبل النظام السياسي الفلسطيني والقضية الفلسطينية، تظهر الحاجة ملحّة إلى طرح هذه الفكرة مجددا، لاسيما في ظل الاصطفافات القديمة- الجديدة في الإقليم، التي لا تخفي دعم القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان لقيادة المرحلة القادمة.

بل إن العمل يجري على قدم وساق لإحداث نقلة كبيرة في النظام الفلسطيني تتوافق مع التغيرات الجارية في الإقليم، فالمطلوب قيادة فلسطينية مستعدة للتنازل أكثر فأكثر من القيادة الحالية، وما هو مقبلة عليه المنطقة يتطلب حضورا فلسطينيا صامتا يمرر كل الحلول التي تروق لإسرائيل دون تعكير صفوها.

كما أن الدور الذي يمكن لدحلان تأديته -بدعم إقليمي- لا يمكن اختزاله بقضية خلافة عباس في منصب الرئاسة، فهذه قضية شكلية رمزية يمكن في النهاية التوافق عليها داخل البيت الفتحاوي، الخطير في الأمر يكمن في التجهيز لقيادة مرحلة بكاملها، يكون دحلان هو المشرف عليها وهو أمر غير مستغرب من رجل، تدور علامات استفهام كثيرة حول الدور الإقليمي والدولي الذي يؤديه. 

البديل وطنيا من الناحية النظرية موجود، وكل فصيل فلسطيني لديه المقدرة على الإدلاء بدلوه للوصول إلى إطار وطني متكامل، وما المبادرة التي طرحها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح إلا مثال، حيث لاقت شبه إجماع فلسطيني باستثناء حركة فتح بالطبع، فأين تكمن المشكلة إذن؟!

المشكلة تكمن في أن الطبقة السياسية الفلسطينية تبدو حتى الآن عاجزة عن الفعل، وتكتفي بالتنظير للمشروع الوطني وانتظار فعل الآخر للتعامل معه، بينما الأطراف الأخرى (الاحتلال والقوى الإقليمية الداعمة لخيار التسوية) تجاوزت مرحلة القول إلى الفعل مباشرة، وأقدمت على خطوات عملية.
ما لم تقدم الفصائل الفلسطينية على خطوات عملية في هذا الإطار، فإنها ستبقى تدور في حلقة مفرغة تنتظر وقوع ما تحذر منه دائما في خطاباتها ومؤتمراتها، وستبقى أسيرة لكيان هزيل اسمه منظمة التحرير الفلسطينية أو سلطة هي في الأساس أداة من أدوات الاحتلال.

ما تشهده المنطقة من تغيرات متسارعة ليس بالضرورة أن يكون له فقط التأثير السلبي بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، بل ربما يشكل فرصة سانحة لن تتكرر لطبقة سياسية بات واضحا أن ثقة الشعب الفلسطيني بدورها وأدائها تتآكل، وذلك باستغلال الإرباك الذي يسود دوائر صنع القرار لدى القوى الإقليمية والدولية، وبالطبع بالاستناد إلى شعب ما زال صامدا على أرضه ويقاوم بصدور عارية ممارسات الاحتلال واعتداءاته اليومية، ويمارس يوميا مقاومة فردية بأيدي شباب لن ينتظروا طويلا لاستبدال الواقع السياسي بواقع آخر يرتقي لمستوى تضحياتهم.