صحافة دولية

كيف تمارس شركات تكنولوجية إسرائيلية نشاطها بالسعودية؟ (1)

يبيع شمويل بار خدماته في مجال تحليل المنشورات الخاصة بـ"الإرهاب" - أرشيقية
في تقرير مطول، وتنشره "عربي21" مترجما على ثلاثة أجزاء، تناولت وكالة بلومبرغ الإخبارية نشاط شركات تكنولوجية إسرائيلية في السعودية، وتحدث التقرير، الذي أعده كل من جوناثان فيرزيغر وبيتر والدمان، بشكل خاص عن المهمة التي تقوم بها شركة مختصة بمسح شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى "الإرهابيين" المحتملين.

وفيما يلي نص الجزء الأول من التقرير الذي ترجمته "عربي21":

كيف تمارس شركات تكنولوجية إسرائيلية نشاطها بالسعودية؟ (1)

الصفقات الجيدة (والإنكار المقبول) في جوار حسن 

على مدى ثلاثين عاماً من العمل داخل المخابرات الإسرائيلية، غمس شمويل بار نفسه في التفسيرات الدينية للإرهاب. وباستخدام تقنيات تحليل النصوص الأدبية الذي يعرفه علماء الدراسات القرآنية ونقاد الكتاب المقدس، توصل إلى التعرف على اللغة المميزة والعبارات الدينية التي يستخدمها الانتحاريون في أشرطة الوداع التي يسجلونها قبل القيام بعملياتهم. كثيراً ما ظهرت عبارة "إن النصر مع الصبر" في وصايا الاستشهاديين من مجندي حماس. أما منتسبو القاعدة فيفضلون دعاء "اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا".
 
أشعث الشعر، وفي الثانية والستين من عمره، خرج شمويل بار من الخدمة الحكومية في عام 2003 في خضم انتشار الإرهاب العالمي، إلا أن يده وقعت في تلك الأجواء الملبدة بالويل والثبور على فرصة لإقامة مشروع تجاري مربح، حيث أسس شركة اسمها "إنتوفيو"، عملها الغوص في الأعماق المظلمة للشبكة العنكبوتية، فيما يمكن أن يعتبر النسخة الإسرائيلية من "بالانتير"، المقاول الأمني في سيليكون فالي. ومن خلال تسخير المهارات الإسرائيلية المبتدئة في هيرتزليا، تمكن من تكييف قدراته السمعية التحليلية لغوياً؛ للخروج بخوارزميات (قواعد رياضية) قادرة على غربلة السيول المتدفقة بلا توقف عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحري التهديدات الإرهابية. وانتهي به المطاف لأن يبيع خدماته للشرطة ولحرس الحدود وأجهزة المخابرات عبر أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
 
وقبل عامين اثنين وصلته رسالة إيميل من حيث لم يحتسب. يقول بار إن الرسالة جاءت من طرف أحد كبار المتنفذين من علية القوم في المملكة العربية السعودية، يدعوه لحوار عبر سكايب لمناقشة مشروع يرغبون في عرضه عليه. فقد سمع السعوديون عن التقنية المتوفرة لديه ورغبوا في الاستعانة به للتعرف على الإرهابيين المحتملين لديهم. إلا أنه قيل له إنه بحاجة لأن يؤسس شركة وسيطة في الخارج لحجب  الهوية الإسرائيلية لشركة إنتوفيو. فقال لهم بار هذه ليست مشكلة. وفعلاً مضى يبحث لهم متصيداً الجهاديين السعوديين مستخدماً برنامج كومبيوتر (سوفتوير) اسمه  إنتوسكان، بإمكانه أن يعالج أربعة ملايين منشور فيسبوك وتويتر في اليوم الواحد. فيما بعد جرى توسيع المشروع ليشتمل على تحري الرأي العام بشأن الموقف من العائلة السعودية الحاكمة.
 
يقول بار، وما زالت تتملكه الدهشة لهذا التحول غير المتوقع في حياته التي قضى جلها في مواجهة مع أعداء إسرائيل: "لم أكن أتوقع ذلك ولم أسع إليه. بل هم الذين أتوا إليّ".
 
يقول بار إنه يلتقي بحرية هذه الأيام مع السعوديين ومع غيرهم من عرب الخليج في مؤتمرات تعقد في الخارج، وكذلك في بعض المناسبات الخاصة، حيث تزدهر التجارة والتعاون التكنولوجي والاستخباراتي بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، حتى وإن كان من النادر أن تسمع الشخصيات والشركات المشاركة في هذا النشاط تتحدث عنه علانية. وعندما بادر أحد مراكز الأبحاث والتفكير في لندن مؤخراً إلى سحب الدعوة الموجهة إلى بار ليتحدث في إحدى الجلسات، معللاً ذلك بأن مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى سيحضر وسيتكلم في نفس الجلسة، وليس من المناسب أن يظهرا معاً أمام الملأ، قال بار للمنظمين إنه كان في الواقع قد خطط هو والشخصية السعودية لتناول طعام الغداء معاً في مطعم مغربي قريب قبل الدخول إلى المؤتمر معاً. ويرى بار أن المنظمين كان يتصرفون "كما لو كانوا سعوديين أكثر من السعوديين".
 
لم يحل السلام في الشرق الأوسط بعد، وما نحن بصدده لا يعني أن السيوف قد طرقت لتتحول إلى شفرات محاريث، وإنما نحن أمام توافق منطقي في المصالح القائمة على مخاوف مشتركة بما في ذلك القنبلة الإيرانية والإرهاب الجهادي والانتفاضات الشعبية وانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. تتوفر لدى شركة إنتوفيو رخص تصدير إسرائيلية وتحظى الشركة بالدعم الكامل من الحكومة الإسرائيلية لمساعدة أي بلد في العالم يواجه الخطر بسبب التهديدات الإيرانية أو تهديدات الجماعات الإسلامية المتشددة. وفي ذلك يقول بار: "إذا كان البلد المعني غير معاد لإسرائيل فسوف نبذل ما في وسعنا لمساعدته". الأقطار الوحيدة التي يحظر عليه التعامل معها هي: سوريا ولبنان وإيران والعراق.
 
من الجدير بالذكر أن السعوديين وغيرهم من الدول العربية الثرية بالنفط يسعدهم جداً أن يدفعوا مقابل ما يقدم لهم من مساعدة. يقول بار: "المقاطعة العربية؟ لا وجود لها على الإطلاق".
 
بات التعاون في مجال أمن الإنترنت بشكل خاص تربة خصبة وتجارة رائجة. عندما تمكن الهاكرز في عام 2012 من اختراق نظام الحاسوب التابع لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو، تم الاتصال برجال الأعمال الإسرائيليين وطُلب منهم المساعدة في إيجاد حل للمشكلة، "وبعضهم بات الآن يشارك في العمل بصفة مستمرة" من خلال شركات أوفشور، حسبما يقول إريل مارغاليت، أحد المستثمرين في هذا المجال، وعضو الكنيست الإسرائيلي في نفس الوقت. بل علينا أن نتوقع المزيد، بحسب ما وعد به رودي جولياني في مقابلة أجريت معه في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير في إسرائيل، حيث التقى برئيس الوزراء بنجامين نتنياهو نيابة عن الرئيس دونالد ترامب. ولقد ذهب عمدة نيويورك السابق، الذي يعمل الآن مستشاراً لدى ترامب في قضايا الإنترنت إلى القول: "أرى أن مجالات التعاون ستتوسع لتتجاوز قطاع الإنترنت".
 
امتنع المسؤولون السعوديون عن الإدلاء بأي تصريح رسمي بشأن ما قد يكون بينهم وبين الإسرائيليين من علاقات. ولم ترد ردود على رسائل الإيميل التي وجهها محررو هذا التقرير إلى وزارة الداخلية السعودية وإلى السفارة السعودية في واشنطن. إلا أن مصدراً في الرياض أصر على الحفاظ على هويته طي الكتمان بعث بتصريح عبر الإيميل نفى فيه أي ارتباطات تجارية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. جاء في التصريح ما يلي:
 
"فيما يتعلق بتكنولوجيا أنظمة الدفاع، لم يحصل إطلاقاً أن تعاملت المملكة العربية السعودية مع إسرائيل في هذا الحقل أو في أي حقل آخر. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنطق يخبرنا بأنه حتى يتسنى للملكة العربية السعودية الحصول على أي أنظمة دفاعية فلا بد أن تشتريها بموجب اتفاقيات تجارية مبرمة مع بلدان صديقة تقوم بصناعة هذه الأنظمة، وبناء على شهادات تصدير تجارية رسمية وموافق عليها من قبل حكوماتها. كما أنه من المؤكد بأن إسرائيل ليست من ضمن الأقطار التي لديها علاقات تجارية مع المملكة".
 
بسبب المقاطعة العربية لإسرائيل، والتي ما تزال سارية المفعول اسمياً منذ تأسيس الدولة اليهودية في عام 1948، أصبح من الضرورة أن تبقى جميع التعاملات التجارية بين إسرائيل ومعظم الدول العربية طي الكتمان، وأن تتم من خلال وسطاء يتواجدون في أقطار أخرى. ومع ذلك فقد بات من العسير إخفاء حجم ونوع ومدى النشاط الإسرائيلي الذي يمارس في ستة من الأقطار الخليجية على الأقل. ومن ذلك ما قام به أحد رجال الأعمال الإسرائيليين من إنشاء شركات في أوروبا وداخل الولايات المتحدة الأمريكية لتكون واجهة لمشروع تركيب ما قيمته ستة مليارات دولار من التجهيزات الأمنية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة؛ قام على تنفيذه مهندسون إسرائيليون. وهي نفس الشركات التي توجهت من بعد إلى المملكة العربية السعودية لتنفيذ مشروع لحل مشكلة الازدحام داخل مكة. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الشركات الإسرائيلية الأخرى التي تعمل في منطقة الخليج من خلال شركات وهمية في مجال تحلية المياه وحماية البنى التحتية، وأمن الإنترنت وجمع المعلومات الاستخباراتية.
 
يقول شابتاي شافيت: "كل الشركات الكبيرة تمارس نشاطاً هناك، وكذلك بعض الشركات الصغيرة أيضاً". ويذكر أن شابتاي شافيت كان يدير الموساد في الفترة من عام 1989 وحتى عام 1996، وهو الآن رئيس مؤسسة أمنية إسرائيلية اسمها "أثينا جي إس 3". لم يرغب شافيت في الإدلاء بأي تفاصيل بشأن من يعمل ماذا، مبرراً ذلك بقوله: "لا تريد أن تقطع الغصن الذي تجلس عليه".
 
وحينما يتعلق الأمر بمبيعات السلاح يصبح التكتم خصلة في غاية الأهمية. خذ على سبيل المثال، مصنع السلاح في نيوهامبشير لشركة اسمها "إلبيت سيستيمز أوف أمريكا"، والتي هي في الواقع فرع لشركة "إلبيت سيستيمز"، أكبر مقاول في مجال الصناعات الدفاعية مملوك للقطاع الخاص في إسرائيل. يقول العاملون في الفرع الأمريكي إن ثمة إجراء لا بد من اتباعه حينما يزور المصنع زبائن من الكويت أو من قطر أو من المملكة العربية السعودية. وهذا الإجراء يشتمل، بأمر من الإدارة، على نزع كل اللوحات التي تحمل اسم إلبيت، وكذلك الخرائط الإسرائيلية والكتابات العبرية. كما يتم أيضاً بشكل مؤقت إخفاء أسماء الموظفين إذا كانت أسماؤهم تشير بوضوح إلى هويتهم اليهودية، حسبما يؤكد ريتشارد وولف، الذي عمل في المصنع لمدة 15 عاماً، حتى سنة 2013، في تصميم العدسات التي تستخدم في مختلف الأجهزة البصرية التي ينتجها المصنع. كما يتم مسح العلامات الإسرائيلية من بعض القطع التي ينتجها، بحسب ما صرح بذلك عامل سابق آخر من عمال المصنع. إلا أن "إلبيت سيستيمز أوف أمريكا" صرحت في بيان صادر عنها بأنه ليس من سياسة الشركة إخفاء اسم إلبيت أو التكتم عن أي ارتباطات للشركة بإسرائيل.
 
وكانت مبيعات إلبيت إلى المملكة العربية السعودية قد لفتت بعض الانتباه قبل عامين، حينما توفي بشكل غامض المواطن الأمريكي كريس كرامر، أحد الفنيين من مصنع نيوهامبشاير، بينما كان يقوم بصيانة نظام للصواريخ داخل المملكة العربية السعودية. تفيد المعلومات التي دوّنها كرامر عن رحلته في صفحته على موقع فيسبوك، وقال إنه أُرسل ليساعد الجيش السعودي في إجراء سلسلة من التدريبات على إطلاق النار الحي من نظام إلبيت لتوجيه الصواريخ من طراز تاو، حيث كان هذا النظام قد أجري له تحديث مؤخراً. كان كرامر قد عمل مع إلبيت لاثني عشر عاماً، وساعد هو نفسه في تطوير النظام المذكور. إلا أنه ما لبث أن وجد ميتاً تحت غرفته في الطابق الثالث من الفندق الذي كان يقيم فيه داخل مدينة تبوك، قبل يوم واحد من الموعد المقرر لعودته إلى بلاده. قالت الشرطة السعودية إن الوفاة كانت بسبب الانتحار، إلا أن عائلة كرامر اعترضت على ذلك ولم تقبل بهذا التفسير.

وفي بيان صدر في إسرائيل، لم تحدد إلبيت ما الذي كان يعمله كرامر في المملكة العربية السعودية، واكتفت بالقول إنه كان يعمل على "منتج أمريكي" لا تدخل فيه التكنولوجيا الإسرائيلية. وجاء في البيان الذي ورد بالإيميل من المصدر السعودي:
 
"فيما يتعلق بوفاة المواطن الأمريكي، توجد للمسألة أبعاد جنائية وقضائية، ولا تتدخل الحكومة السعودية في هذه القضايا، بل تكلف بها الأجهزة الجنائية والقضائية لتنظر فيها، وتقرر حسبما تنص عليه القوانين التي تنطبق على هذه الأنواع من القضايا".