كتاب عربي 21

لماذا يبارك الإسلاميون سلطوية أردوغان؟

1300x600
يحتار المرء فى تفسير تأييد الإسلاميين المطلق لما يفعله الرئيس التركى أردوغان الذى لا ينكر أحد دوره الهام فى بناء تركيا الحديثة ونقلها نقلة حضارية واقتصادية كبيرة لكنه للأسف تلبسته روح السلطوية والتشبث بكرسي الحكم للدرجة التى جعلته يُقدم على تغيير نظام الحكم بالكامل فى تركيا من نظام برلمانى إلى نظام رئاسي. 

عبر الاستفتاء الشعبى الذى سيتم فى أبريل من العام الجارى يقود أردوغان عملية تغيير نظام الحكم ومنح الرئيس سلطات غير محدودة في خطوة يعتبرها الكثيرون ردة عن الديموقراطية حتى لو جاءت بشكل ديموقراطى متمثلا فى الأغلبية البرلمانية التى يحتلها حزب العدالة والتنمية ومعه أصوات مؤيدة من حزب الحركة القومية اليميني، تم تمرير التعديلات الدستورية فى البرلمان تمهيدا لطرحها لاستفتاء شعبى تم تجييش الإعلام فيه لحشد المواطنين الأتراك للموافقة مع استغلال واقعة الانقلاب العسكرى الفاشل للتأكيد على أهمية التعديلات الدستورية التى تبدو وثيقتها كوثيقة إصلاح دستورى لكنها فى النهاية تمهد لأردوغان البقاء فى السلطة حتى عام 2029، حيث سيتم تطبيقها بعدعامين من الآن.

بقراءة سريعة لنصوص التعديلات سنجد أن هناك خلطا واضحا لبنود إصلاحية جيدة وتقدمية وبنود تفوح منها رائحة السلطوية القادمة التى ستشهدها التجربة السياسية فى تركيا وهذه أبرز نقاط التعديلات:

- خفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاما.

- تجري الانتخابات العامة والرئاسية في نفس اليوم كل 5 سنوات.

- عدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه.

- ولاية رئيس الدولة 5 سنوات، ولا يحق للشخص أن يتولى منصب الرئاسة أكثر من مرتين..

- رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم.

- يعرض الرئيس القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رآها ضرورية.

- يحق للرئيس اصدار مراسيم (قوانين) في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية، لكن لا يحق له إصدار مراسيم في المسائل التي ينظمها القانون بشكل واضح.

- يعتبر المرسوم الرئاسي ملغى في حال أصدر البرلمان قانونا يتناول نفس الموضوع.

- يحق للبرلمان طلب فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، ولا يحق للرئيس في هذه الحالة الدعوة إلى انتخابات عامة.

- يحق للرئيس تعيين نائب له أو أكثر.

- تسقط العضوية البرلمانية عن النواب الذين يتم تعيينهم في منصب نواب الرئيس أو وزراء.

- إنهاء صلاحية البرلمان فى مراقبة ومحاسبة الوزراء.

- يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ في حال توفر الشروط المحددة في القانون.

- تلغى المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية.

- يحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.

- يلغى مجلس الوزراء (يلغى منصب رئيس الوزراء)، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع الدستور.

********* 

هذه التعديلات ستتيح لأردوغان البقاء فى السلطة لأطول فترة ممكنة، يقول الباحث عبد الله الطحاوي (الغريب أن النظام البرلماني يعتبر الأقرب للروحية السياسية للإسلام وأن التوحد والانفراد فى السلطة والبقاء بها فترة طويلة هو باب شر لا يمكن التفاؤل بعواقبه) لذلك غير مفهوم موقف الإسلاميين من مباركة ما يفعله أردوغان الذى يتصرف كخليفة وسلطان يريد الاستمرار فى الحكم مدى الحياة بغطاء دستورى، ولا يمكن أيضا فهم التناقض فى اختلاف توصيف ما يحدث فى بلادنا العربية من عبث بالدساتير وإدانة ذلك ورفضه بينما مباركته طالما أن من يفعله رئيس إسلامى ينتمى للإسلام السياسي!

كان يمكن إحسان الظن بالتعديلات الدستورية الأردوغانية لو كان أردوغان أعلن أنه سيعتزل العمل السياسى ويترك مقعد الرئاسة بعد عامين ولن يستفيد من التعديلات الدستورية التى خطها هو وحزبه لا ليبقى عشرة أعوام أخرى فى الحكم ليقترب من المدة التى حكم فيها مبارك مصر على سبيل المثال!

من سيردون على هذا الطرح ويبررون أن بقاء أردوغان فى السلطة عبر صناديق انتخابات نزيهة وبإرادة شعبية مردود عليهم بأن هذا يتنافى مع فكرة تداول السلطة وتأليه الأشخاص، كذلك لا يمكن تقبل أن تقوم بتفصيل معادلة سياسية على مقاسك ثم تقول إن هذه إرادة الجماهير. 

تركيا لا تسير للأفضل كما يظن البعض فقد تحول الحلم القومى التركى إلى حلم أردوغان، وحتى إذا تم تمرير التعديلات الدستورية باستفتاء شعبى – وهذا متوقع – فستشهد تركيا صراعا سياسيا بين أردوغان ورفاقه أنفسهم لأنه سيزداد تغولا ضد حرية الرأى والتعبير وسيضع نفسه فى مكانة فوق كل من حوله ولن يقبل أى رأى معارض، وظهرت تجليات لهذا فى إزاحته لرفاقه داود أوغلو وعبدالله غول رغم دورهم البارز في مسيرته السياسية. 

رسالة للإسلاميين؛ لا تصنعوا الدكتاتور بأيديكم وتباركوا خطواته طالما رفع شعارات دينية تأسر القلوب وتهز العواطف لتنساق بالتأييد على ما سيعود على التجربة الديموقراطية فى تركيا بالسوء والإفساد، فلنختر معايير واحدة للحكم على التجارب السياسية والمشاريع السلطوية ولا يصح أن نبارك تحول قائد سياسى ناجح لمشروع سلطوى لمجرد أنه يهتف الله أكبر ولله الحمد!