كتاب عربي 21

الأمم المتحدة في ميزان ريما خلف

1300x600
معلوم من ميثاق الأمم المتحدة أن المنظمة الأممية لا تحترم الديمقراطية، وهي في الغالب مؤسسة خاصة للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. التمسك بالمبادئ الديمقراطية يتطلب المساواة بين الدول، والعدالة في توزيع المهام والمسؤوليات، والأمم المتحدة أبعد ما يكون عن ميزان العدل والمساواة. هناك خمس دول فقط تستطيع الاعتراض على مشاريع قرارات وتحول دون أن تتحول إلى قرارات وذلك وفق أمزجة ذاتية لهذه الدول. أما باقي الدول والتي يصل عددها إلى 189 لا تملك إلا المساهمة في قرارات هامشية تتخذها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وغالبا لا تجد طريقها نحو التنفيذ. لا يتم تنفيذ القرارات التي تتخذها الجمعية العامة إلا إذا كانت برضى الدول الخمس دائمة العضوية وبرغبتها للتنفيذ. تتخذ الجمعية العامة قرارات، ومنها تحصل على موافقة الدول الخمس لكنها لا تجد طريقا نحو التنفيذ لأن رغبة هذه الدول أو بعضها غير متوفرة.

إذا كان لنا تتبع مزاج مجلس الأمن الدولي نجد أن موافقة الدول الخمس ليست شرطا لتنفيذ قرارات معينة، وليس شرطا أن يتم اتخاذ قرار في بعض الأحيان. فمثلا تصرفت أمريكا عسكريا ضد العراق دون أن يكون هناك قرار دولي باستعمال القوة لإسقاط صدام حسين. الدول الأربع الأخرى لم تستطع إيقاف الولايات المتحدة، وبعضها ساهم في الحرب مثل بريطانيا وفرنسا. أما روسيا التي كانت قد ورثت تركة ثقيلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اكتفت بللتعبير عن عدم الرضا.  وفي الحالة العربية،  عملت أمريكا بجد واجتهاد من أجل اتخاذ قرار في الجمعية العامة لتقسيم فلسطين. لقد ناورت كثيرا وضغطت بقوة على العديد من الدول من أجل التصويت لصالح التقسيم. ولم توافق أمريكا على طرح المسألة للتصويت إلا بعدما ضمنت أغلبية الثلثين في الجمعية العامة، في حين أن الدول الأخرى لعبت دورا هامشيا. واتخذت الجمعية العامة قرارا مائعا بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم لكنه لم ينفذ لأن دولة مثل أمريكا ليست مهتمة، بل تعارض عودة اللاجئين. واتخذ مجلس الأمن قرارا حمل رقم 425 قضى بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان دون قيد أو شرط، لكن المجلس فشل في التنفيذ ولم تقم أمريكا بأي إجراء ضد إسرائيل لترغمها على الانسحاب. المعنى أن الأقوى له نصيب أكبر في كيفية توجيه الأمم المتحدة. روسيا لها بعض الدور الذي لا يوازي دور الولايات المتحدة، والصين تحتفظ بنفس المكانة.

نحن في المنطقة العربية نعي تماما الدور السام الذي لعبته الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم ضد العرب، ونعي تحيز الولايات المتحدة المطلق لصالح العدوان الصهيوني والاحتلال، ونعي أيضا أننا لسنا على مستوى المسؤولية في الدفاع عن أنفسنا في المنظمة الدولية. سبق للجمعية العامة أن اتخذت قرارا يدرج الصهيونية ضمن قائمة المنظمات العنصرية، لكن هذا الإدراج تم شطبه بعد أن قررت دول عربية الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها. وقد جاء قرار الشطب بناء على رغبة إسرائيلية-أمريكية، ولم يتحدّ العرب الأمر.

تعامل الأمم المتحدة مع منظمة الأسكوا بقيادة السيدة ريما خلف لم يتناقض مع سيرتها البشعة بحق العرب عموما والشعب الفلسطيني خصوصا. أعدت السيدة ريما تقريرا علميا موثقا توثيقا دقيقا ووفق المعايير والمقتضيات العلمية الحديثة، وقام بعمليات البحث والتدقيق اثنان من المحترفين في البحث العلمية والالتزام بالمنهجية العلمية. وبالرغم من ذلك، لم يعجب التقري


أمين عام الأمم المتحدة، وطلب سحبه، لكن ريما وقفت عند عملها واحترمت نفسها وقررت الاستقالة كمديرة تنفيذية للأسكوا. وقع الأمين العام تحت ضغط الصهاينة والولايات المتحدة، وهددت الولايات المتحدة بالتوقف عن دفع المستحقات المالية للأمم المتحدة. لم يدافع الأمين العام عن الحقيقة، ولا عن البحث العلمي وفضل أن يبقى أداة بيد الولايات المتحدة. لقد اصطف مع العنصريين ولم يراع المبادئ والقيم الأخلاقية، ولم يكترث بالقيم العالمية التي يزعم العالم أنه يتبناها الآن مثل مناهضة العنصرية والدفاع عن حقوق الشعوب الأصلية، والعمل على القضاء على الفقر والجهل والتمسك بالمبادئ الديمقراطية. لقد أدار ظهره للقيم الإنسانية من أجل أن يبقى أمينا عاما وما يرافق ذلك من امتيازات ورواتب عالية.

لم يكن غريبا تصرف أمين عام الأمم المتحدة لأنه أصلا لا يستطيع أن يتبوأ المنصب إلا من خلال الدول دائمة العضوية وعلى رأسها الولايات المتحدة. هو يرتضي لنفسه منذ البداية أن يكون مجرد أداة، وأن يبقى تحت ضغط مصالح هذه الدول، وبالتالي لا يوجد لديه الاستعداد للتضحية بمصالحه من أجل الإنسان. والأمين الحالي لا يختلف عن أمناء آخرين كانوا يتعمدون تجاهل القانون الدولي مخافة غضب المنتهكين. ولهذا لن يتصرف أمين عام الأمم المتحدة وفق قناعاته الإنسانية والمبادئ الإنسانية الكونية ما لم يتم تعديل ميثاق الأمم المتحدة بطريقة تضمن المساواة والعدالة على الساحة الدولية.