أفكَار

الفكر الإسلامي بين خياري الثورة والإصلاح

مستشار الرئيس محمد مرسي: الثورة المصرية أثبتت استحالة الإصلاح في ظل أنظمة قمعية فاشية- جيتي
احتدم الجدل الفكري في السنوات الأخيرة حول خيارات التغيير السياسي في البلاد العربية، في ضوء تعسر ثورات الربيع العربي، أو الانقلاب عليها.

وفي أوساط الحركة الإسلامية التي تمثل الثقل الأكبر للمعارضة السياسية في العديد من الدول العربية؛ تباينت وجهات النظر بين من يدعو إلى ثورة جذرية تقتلع النظام القديم وتؤسس نظاما جديدا، وبين من يدعو إلى الإصلاح تحت سقف النظام في حدود المساحة الممكنة.

تعذر الإصلاح

وقال أحمد عبدالعزيز، المستشار الإعلامي للرئيس المصري الشرعي محمد مرسي، إن "السنوات الست الماضية أثبتت عمليا في أكثر من قطر عربي؛ استحالة الإصلاح في ظل أنظمة قمعية فاشية لا ترى إلا مصالحها الضيقة مهما كان الثمن الذي يتحمله الوطن والمواطن".

وأضاف لـ"عربي21" أن "الشعوب العربية ليست مؤهلة لا لثورة ولا لإصلاح، وإن الثوار والإصلاحيين يأتون في طليعة غير المؤهلين، إذ إن كلا الفريقين بحاجة إلى الثورة على نفسه، وإصلاح أحواله أولا قبل الحديث عن ثورة أو إصلاح" وفق رؤيته.

واستشهد عبد العزيز بمثال التجربة المصرية، وقال: "لقد قامت الثورات فلم تحافظ الطلائع الثورية عليها، وحاولت جماعة الإخوان المسلمين الإصلاح عبر تجربتها الطويلة؛ فلم تصل إلى مبتغاها".

من جهته؛ رأى الكاتب والباحث الفلسطيني علي البغدادي، أن "الظروف كانت ملائمة لنجاح الخيار الثوري في بدايات الربيع العربي، إلا أن النخب لم تكن على مستوى الوعي؛ فأسكنت هذه الهبة".

وقال لـ"عربي21" إن "الإصلاح الثوري يقتضي حالة جماهيرية ساخطة، وقضية كبرى تجمع الأمة، وشرخا في النخبة الحاكمة، وظروفا دولية وإقليمية مواتية، وفكرا ثوريا"، مشيرا إلى أن "معظم هذه الظروف كانت قائمة، إذ كانت الثورات متسلسلة في أكثر من بلد، وكانت مصحوبة بزخم قوي، ووضع إقليمي مرتبك، ووضع دولي ضبابي".

وتابع البغدادي: "لو امتلكت القيادات فكرا ثوريا في تلك المرحلة؛ لاستطاعت تحقيق قفزة إلى الأمام، ولكن الفكر السائد كان إصلاحيا لا ثوريا، ولذلك خمدت الثورات".

وعن الخيارات المتاحة في المرحلة الراهنة؛ قال إن "الخيار الإصلاحي يصبح أفضل المتاح في مرحلة الثورة المضادة والوضع الإقليمي المعاكس"، مستشهدا بالحالتين التونسية والمغربية.

وحول فرص نجاح الخيار الإصلاحي في ظل نموذج الاستبداد الفج الذي تمارسه أنظمة عربية؛ أوضح البغدادي أن "اللحظة الراهنة صعبة، إلا أن المستقبل قد يشهد تغييرا في ضوء عدد من المعطيات المتمثلة في السيولة الإقليمية، واحتمال التغير في دول الجوار، وتراكم الإحباط عند الشعب، ووعي النخبة، وإحساس النظام بالخطر".

لم تعط الفرصة

من جانبه؛ قال الباحث الأردني في الفكر الإسلامي، إبراهيم العسعس، إنه "لا توجد تجربة كاملة تؤكد أفضلية خيار الثورة أو الإصلاح"، مؤكدا أن "أيا من الخيارين لم يأخذ فرصته، ولم يتجه في مساراته الصحيحة؛ لنصدر حكما عليه بالنجاح أو الفشل".

وأضاف أن "العمل الإسلامي في شكله التقليدي، سواء تمثل في صورة جماعة أم حزب، قد استنفد ما يستطيع أن يقدمه"، ذاهبا إلى أن "الأحزاب فقدت قدرتها على إضافة المزيد".

وعن رؤيته للحل؛ أكد العسعس أن "المخرج ليس بإنشاء جماعة جديدة، وإنما ينبغي أن يعود العمل الإسلامي إلى الأمة، عبر إنشاء تيار لا ينفصل فيه العاملون للإسلام عن جسم الأمة الأساسي، وتكون الحركة فيه من خلال الشعب عن طريق رموز تنتجها الأمة".

فلسفة الإصلاح

أما المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي؛ فقدم رؤية فلسفية للإصلاح المنشود في العالم العربي، تستند إلى قدرة الإنسان على التدخل في تغيير اتجاه التاريخ.

وقال المرزوقي لـ"عربي21" إن "وعي الإنسان بالقوانين الطبيعية؛ يمكنه من استعمالها، وإنه خلافا لقوانين الطبيعة التي تسيرها القوة الغلابة؛ فإن الظاهرة الإنسانية التاريخية يمكن توجيهها عبر المعرفة بقوانين الطبيعة والتاريخ".

ويرى المرزوقي أنه "يمكن إحلال خيار الإصلاح بدل التطور الطبيعي لصراع القوى"، وأن "الاستبدال في التاريخ يكون بالعمل على علم".

وأصّل المرزوقي لفكرة الإصلاح بمثال سوريا، قائلا إن "الوعي بأضرار الثورات هو الذي يصنع الإيمان بمنهج الإصلاح؛ لأن الثورات ستعود إلى الإصلاح حتما بعد أن تفشل في التغيير الذي يقود إلى حروب أهلية بدل الإصلاح، ويبعد الثورات عما كانت تسعى إليه من الحرية والكرامة" وفق رأيه.