مقالات مختارة

كسرُ أمريكا لإيران مستحيل... والعكس؟

1300x600
يبدو لدول "محور الممانعة" أن الرئيس ترامب ستكون له بصمته على سياسة بلاده. لكن يبدو لها في الوقت نفسه أنها لن تستطيع الاعتماد على حليفتها روسيا وعلاقة رئيسها الجيدة به من أجل تنفيذ مشروعها الشرق الأوسطي. هذا ما يعتقده قريبون منها في بيروت. وربما كان، للضربة الصاروخيّة لمطار الشعيرات السوري دور في وصولها إلى استنتاج كهذا. 

لكن كان عليها أن تعرف، أن الأمريكيّين لن يقبلوا الخضوع لابتزاز من "الممانعين" أو من حليفهم الروسي، وأنهم رغم أخطائهم التي استغلّها بوتين بكثير من المهارة لن يقبلوا أن يكونوا الطرف الضعيف في تحالف، وأن يسعى عضواه الروسي والإيراني إلى تنفيذ أجندتهم على حساب أمريكا. كما كان على دول "الممانعة" أن تعرف أن "المؤسّسة" في أمريكا عميقة وأن "رجال" ترامب وخصوصا العسكريّين المتقاعدين الكبار اشتغلوا على "الخطر الإيراني" في المنطقة. 

وهم لا يحتاجون إلّا إلى مراجعة "الخطط" الكثيرة واقتراح بضعة منها على رئيسهم بعد تحديثها كي يختار ما ينفّذه منها، و"الضربة الصاروخيّة" مثال على ذلك. وكان عليها أن تعرف أن روسيا حليفتها لن تنجرّ إلى صدام عسكري مع أمريكا بسببها، وأن تدقّق في المواقف الروسيّة المُعلنة بعد الضربة. طبعا لا يعني ذلك أن موسكو "ستطنّش" على ما حصل. 

لكنّه يعني أنها قد لا تعني حرفيّا ما قالت. فهي أعلنت تعليق الاتفاق الموقّع مع أمريكا لتلافي الاصطدام الجوي في سوريا. ثم أعلنت بعد يومين أنها قد تعيد العمل فيه بعد التواصل مع واشنطن. بينما قال المسؤولون الأمريكيّون: لقد اتصلنا بنظرائنا الروس وسألنا عن التعليق المذكور وكان الجواب أن العمل به لا يزال مستمرا.

في أي حال، يبقى كل هذا الكلام تحليلا على أهميّته. لذلك لا بدّ من الاستناد إلى معلومات لمعرفة أثَر الضربة الصاروخيّة الأخيرة لسوريا، ونجاح أمريكا في إقامة "مانع تواصل" جغرافي بين إيران وسوريا عبر العراق على اللّاعلاقة الأمريكيّة – الإيرانيّة المرشّحة ربما إلى مزيد من التشدّد والتوتّر، بعدما كان مؤملا أن تتحسّن في أعقاب توقيع الاتفاق النووي الشهير.

ماذا يقول القريبون في بيروت من دول "الممانعة" أنفسهم حول هذا الأمر؟

يشيرون أولا إلى قلق ما عندها من دخول سوريا مرحلة التقسيم الواقعي، بحيث تبقى "سوريا المُفيدة" مع نظام الأسد لحين التوصّل إلى تسوية. ذلك أن احتفاظه بها كلّها قد لا يكون مُتاحا في حال الفيديراليّة أو التقسيم. فضلا عن أن استعادته وعصبيّته حكم سوريا لم يعد ممكنا رغم التفسير الأمنياتي لكلام ترامب وعدد من كبار مساعديه والرهان الخاطئ عليه. علما أن ذلك قد يكون مقصودا. 

ويشيرون ثانيا إلى أن "سوريا غير المفيدة" قد تكون "كانتونا" في انتظار التسوية السياسية أو جزءا من دولة سُنّية يكون العراق السُنّي أو قسم مهم منه بما في ذلك الموصل جزأه الثاني. وهي غنيّة بالثروات رغم ضآلة عدد سكّانها، لكن هؤلاء سيتكاثرون جرّاء "توطين" قسم كبير من النازحين السوريّين فيها وخصوصا من دول الجوار. ويُقال إن الاستعدادات لإقامة عشرات آلاف المنازل "الجاهزة" (Préfabriqué) مستمرّة. ويشيرون ثالثا إلى أن أكراد سوريا سيكون لهم كانتونهم وحكمهم الذاتي بعد التسوية أيّا تكن صيغة سوريا "الجديدة". ويشيرون رابعا إلى أن الحرب في سوريا لم تنتهِ بعد وإلى أنها ربّما لا تزال طويلة.

وفي موضوع إيران يقول القريبون أنفسهم إن عداء ترامب لها ثابت. ومن المؤشّرات على ذلك إعلانه أنه "ما كان على أمريكا أن تنسحب من العراق". ويلفتون إلى أن ما عُرف من محادثاته الأخيرة مع وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يشير إلى أن كلامه عنها اتّصف بعدائيّة واضحة. لكن لا أحد أكّد حديثه عن حرب عسكريّة مباشرة معها. وهم يرجّحون عدم نشوب حرب كهذه وإن فرض الكونغرس الجمهوري عقوبات جديدة على إيران. فالعقوبات تفتح الباب أمام التفاوض في الوقت المناسب وليس الحرب. فترامب يريد "إضعاف إيران لا كسرها". وهي لا تستطيع كسر أمريكا.

وإذا كانت الدولتان رافضتين للحرب، فإنّ على إيران تلافي أي خطأ فادح في الخليج ضد أسطول أمريكا جرّاء "استفزازات" زوارقها الحربيّة لسفنه، وعلى أمريكا أيضا تلافي أخطاء مع إيران.

ماذا يقول عن هذه الأمور مُتابعون لبنانيون مؤيّدون لـ"المقاومة" ورافضون لمشروع حليفتها إيران؟

النهار اللبنانية