سياسة عربية

"مصر بلد الأزهر".. مقولة تاريخية هل ينسفها السيسي؟ (فيديو)

شيوخ أزهريون- أ ف ب
"عندما ينظم الإعلام السلطوي بعد تفجير الكنيستين حملة على الأزهر، ويتهمه بأنه المسؤول؛ فكأنه يقول للمسيحيين إن القاتل والجاني الحقيقي الذي يستحق أن تحرقوه هو الأزهر"، كانت تلك الكلمات للكاتب محمود سلطان أحد الموالين للانقلاب في مصر.

ودأب النظام وأذرعه الإعلامية والأمنية على تحميل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية ما يقع في مصر من أحداث وكوارث واتهامها بالتسبب في تردي الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على مدار أربع سنوات هي عمر الانقلاب.

إعلام عباس

إلا أن القنوات والصحف التي يديرها أو يوجهها بشكل أو بآخر عباس كامل مدير مكتب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بدأت عقب حادثة تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية الأحد الماضي، في توجيه الاتهامات للأزهر وتحميل المؤسسة الدينية والتاريخية الأعرق في مصر والعالم الإسلامي مسؤولية عدم تجديد الخطاب الديني، وتبني الفكر المتطرف، وبأنها الوجه الآخر لتنظيم الدولة.

وهاجمت الإعلامية لميس الحديدي على قناة "سي بي سي"؛ شيخ الأزهر بعد تفجير الكنيستين، وتساءلت: ماذا فعل لمواجهة التطرف بخطابه الديني وعن إحساسه عند مشاهدة هذه المشاهد الدموية؟





وعلق الإعلامي أحمد موسى على فضائية "صدى البلد" بقوله: "البقاء لله في الأزهر؛ السيسي أعلن وفاة الأزهر اليوم".



تلك الانتقادات أثارت التساؤلات حول وجود توجهات لإنهاء مقولة "مصر بلد الأزهر"، وحول ما يعد في المطبخ السياسي للانقلاب ضد الأزهر، على الرغم من أن شيخه أحمد الطيب كان أحد داعمي السيسي، واعتبر انقلابه على الرئيس محمد مرسي منتصف 2013، "أخف الضررين".

إقالة الطيب

وفي مقال له الخميس، بجريدة "المصريون" انتقد الكاتب المؤيد للانقلاب محمود سلطان، ما اعتبره توجيها من السيسي، للبرلمان "بأن يصدر قانونا يسمح بإقالة شيخ الأزهر، اتّباعا لسنة السلطة، في الإطاحة برئيس أكبر جهاز رقابي في مصر، المستشار هشام جنينة".

وأشار سلطان إلى أنه بعد إعلان السيسي عن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب "بدأ الوكلاء الإعلاميون، التحرش الفظ بشيخ الأزهر، وتدشين حملة تمهد الطريق أمام آليات النظام الثقيلة التي من المتوقع، أن تكون أكثر قسوة، بعد أن وفرت لها، حالة الطوارئ، غطاء قانونيا شكليا، قد تستبيح به الحل والحرم".

بيت الطاعة

وحول ما يعد للأزهر؛ سواء في البرلمان بإصدار قوانين تقيد وتمنع حقوق المؤسسة، أو في الحكومة بتقليص ميزانية الأزهر أو تفتيت معاهده وتقليص كليات جامعته أو تهميشه في الحياة العامة وتشويهه أمام المصريين، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل، لـ"عربي21"، إن "النظام المصري يسعى لإخضاع الأزهر في بيت الطاعة"، مضيفا أن النظام "يأمل في توظيف علمائه لإضفاء الشرعية على هدم ثوابت وأصول الدين، أو هدم مؤسسة الأزهر على شيخها".

إلغاء الجامعة

وانتقد الإعلامي حازم غراب، محاولات تهميش الأزهر بقوانين أو قرارات أو تقليص ميزانيته، معتبرا أن ذلك لا يخدم سوى الفكر المتطرف والفكر الشيعي الرافضي، ويُسعد الليبراليين واليساريين، ويهمش العلماء ويصنع علماء ضعافا لا يفقهون الدين.

وأكد غراب، لـ"عربي21"، أن "القضية أكبر من الإطاحة بشيخ الأزهر، وأن كل أنواع عقاب النظام بحقه واردة"، مضيفا أن "أسوأ احتمال هو إلغاء جامعته العريقة"، مشيرا إلى ما سبق من "احتجاج للأقباط بأن ميزانيتة الجامعة تستقطع جزءا من الضرائب التي يدفعونها".

ودعا الكاتب الصحفي، "للتنادي وحشد الغيورين أزاهرة وغير أزاهرة للذود عن الأزهر بالكلمة والصورة المسموعة والمرئية والمكتوبة"، مضيفا أن "واجب الوقت هو الذود عن الأزهر كمؤسسة سنية في مواجهة الرافضة والعلمانيين واليساريين".

جزر منعزلة ولوبيات

وعلى الجانب الآخر يرى المحلل ماهر فرغلي "أن الدولة لا تريد هدم الأزهر، وإضعاف المؤسسة، ومصر لن تستغني عن هذه القوة الناعمة الكبيرة".

وأكد فرغلي لـ"عربي21" أن الأزهر "به مشكلات مستعصية جدا؛ ومنذ ثلاثة أعوام تم مناشدته ليقوم بعمل مشروع للتجديد الديني ولم يفعل شيئا"، مضيفا: "هم هكذا من أيام الشيخ محمد عبده الذي اقترح عمل كلية (دار العلوم) لتنافس هذه المؤسسة المتكلسة"، حسب قوله.

وتساءل فرغلي: "ما معنى وجود مؤسسات الإفتاء والأوقاف ومجمع البحوث كجزر منفصلة؟ وما معنى وجود لوبيات داخل المؤسسة؛ هذا لوبي إماراتي، وهذا سعودي وهذا سلفي وغيره الكثير؟ وما معنى أن تكون هناك كلية صيدلة تابعة للأزهر؟ على سبيل المثال".

وقال فرغلي إن "الدولة تريد أن تنظم الأمور، ولا تجعل المؤسسة كجزر منفصة، وتعطي دورا لمجمع البحوث ليكون هو الهيئة العليا المناط بها الفتوى، وأن يكون التعليم ليس أزهريا إلا فيما يخص الدعوة وأصول الدين والدراسات الإسلامية، لتصبح (كليات قمة) يتخرج منها الدعاة".

نقاط الخلاف

وجامعة الأزهر هي المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية الأكبر في العالم وثالث أقدم جامعة في العالم حيث أسسه جوهر الصقلي عام 970 م قبل أكثر من ألف سنة.

واتسعت هوة الخلاف بين السيسي، وشيخ الأزهر بعد مواقفه حيث وقف الأزهر حجر عثرة أمام تمرير قرارات السيسي، وبدأ الخلاف برفض الطيب مذبحة فض "رابعة" آب/أغسطس 2013، ثم رفضه إصدار فتوى تكفير تنظيم الدولة بداية 2014، مخالفا بذلك توجه النظام.

كما تعارض قرار الطيب بتشكيل لجنة للتصدي لخطر الشيعة نهاية 2015، مع التقارب المصري الإيراني حينها، فيما رفض شيخ الأزهر مشروع خطبة الجمعة المكتوبة الذي اقترحه السيسي، تموز/يوليو 2016.

وفي احتفال المولد النبوي الشريف نهاية 2016؛ تعمد السيسي إحراج الطيب، بقوله: "فضيلة الإمام كل ما أشوفه أقوله إنت بتعذبني"، ليزداد الخلاف برفض الأزهر مطلب السيسي بمنع وقوع "الطلاق الشفهي" في شباط/فبراير 2016، ومؤخرا، شكل السيسي "المجلس الأعلى لمواجهة التطرف"، في غياب شيخ الأزهر.