مقالات مختارة

سنفرح بفوز المنتخب.. ولكن!!

محمود سلطان
1300x600
1300x600
عشية مباراة مصر والجزائر الشهيرة، تضرع أئمة المساجد ـ من على منابرهم وكان يوم جمعة ـ إلى الله تعالى، أن "ينصر" المنتخب الوطني على "خصمه" الجزائري! وبعضهم ألح في الدعاء وهو يبكي، ويحث المصلين على أن يشاركوه البكاء!!

الشيخ خالد الجندي ـ آنذاك ـ  في مُداخلة تليفونية مع الزميل سيد علي، في "48 ساعة" بـ"المحور"، كشف الداعية الكبير، عن أنه أعطى محاضرة نفسية للاعبين لتثبيت قواهم، مؤكدا أنه خطب فيهم الجمعة، مشددا على ضرورة التوكل على الله، وليس التواكل عليه حتى يتم الانتصار، وأن اللاعبين ركّزوا في أسئلتهم له عن كيفية قبول الدعاء، وتفعيل التوكل على الله، مضيفا أنه رأى في عيون أسود المنتخب تشديدا على النصر، داعيا لهم على الهواء بأن "يثبت الله قلوبهم وأقدامهم.. اللهم اجعلهم عند حسن ظننا.. اللهم وحد بين صفوفهم واجعلهم خير عنوان لشبابنا"!!

والرئيس الأسبق حسني مبارك، زار معسكر المنتخب الوطني، ولم يزُر مقر إقامة المنتخب الجزائري، رغم أن البعض كان يتوقع أن يفعلها "مبارك"؛ لتهدئة الأجواء التي كانت متوترة إلى حد يُنذر بعواقب كارثية.

د. عبد المنعم سعيد في "الأهرام" في اليوم ذاته، اعتبر هذا الابتذال والإسفاف في مفهوم "الوطنية"، دلالة على "عمليات التحول التاريخية الجارية في مصر"!!

أثار هذا كله الفزع من "العقلية" التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت، والتي "دعبست" في دفاترها القديمة والجديدة؛ بحثا عن "شرعية" سواء لنظامها القائم أو المتوقع من بعده "التوريث"، فلم تجد إلا هذه "الفرصة": البحث عن شرعية لها من خلال أقدام لاعبي كرة قدم!

وما كتبه عبد المنعم سعيد، في ذلك الوقت، كان تمهيدا حقيقيا لنقل "وثيقة الشرعية" من إستاد القاهرة ـ حال فاز المنتخب الوطني ـ إلى البيت الرئاسي مباشرة!

غير أن المنتخب خرج من البطولة، وطُرد "مبارك" بعدها من القصر الرئاسي، وتبخرت أحلام نجله، ودخل الأب والوريث السجن.

 كرة القدم ـ في الأصل ـ لإمتاع الجماهير، وفي الدول الديمقراطية تحولت إلى "بزنس" واقتصاد، وفي الدول غير الديمقراطية، تُوظف سياسيا للإلهاء والتخدير، وتتحول إلى جبهة سهلة للسلطة، لتحقيق انتصارات وإنجازات صاخبة و"مفتعلة"؛ للشوشرة على الفشل والتردي الاقتصادي والسياسي، وعلى تفشي الأمية والجهل والفقر وانهيار الصحة والتعليم والبنى التحية، وفي النهاية تُوظف دعائيا لاسترداد ما فُقد من شعبية وشرعية.

المنتخب الوطني الليلة سيفوز بسهولة؛ فالمنافس من أضعف فرق المجموعة ويحتل آخر الترتيب، وهُزم آخر مرة على أرضه بخمسة أهداف نظيفة؛ فالانتصار عليه في "الجيب"، ومن قبل أن يطلق حكم المباراة صفارة البداية؛ لذا فإن ثمة تحضيرا لاحتفالية ضخمة وصاخبة بالفوز، وسيوظف لأيام لتغييب الوعي، وإضافته إلى أضابير الإنجازات "غير المسبوقة"، وقد نسمع أن مصر حققت الليلة، ما عجزت عنه مع "ناصر وطنطاوي ومرسي ومنصور".

سنفرح بالتأكيد وسنحتفل بفوز المنتخب، وتأهله لكأس العالم، ولكن الأهم أن نحافظ على فرحتنا من استيلاء قراصنة الفضائيات عليها، وإعادة تدويرها لصالح جماعات المصالح.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)