كتاب عربي 21

معنى أن تكون مرشحا

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
هذه البلاد يحكمها العساكر بقوة السلاح، فرصة إحداث تغيير حقيقي عبر انتخابات حقيقية تضمنها حركة الجماهير، وقوتهم، وثقتهم بقدرتهم على التغيير، جاءت وضاعت، أهدرناها، على الأقل في المنظور القريب، الكلام عن الموقف الثوري، والاختيار الثوري، وصوت الثورة، ومرشح الثورة، هو كلام فارغ من النوع المليان، يناير هزمت، نحن في 2017 .. صباح الفل!!
 
الأصدقاء الأعزاء الذين يتحدثون عن المحامي والحقوقي والمناضل الشريف خالد علي بوصفه "مرشحا" ويطالبون الناس بأصواتهم له، يذكرونني بالأصدقاء البؤساء في جماعة الإخوان الذين ينادون بشرعية مرسي في 2017، لا أَجِد تشبيها أكثر مطابقة لواقع الحال، أنا أحب خالد علي، وأحترمه، وأصدقه، وأتمنى لمصر رئيسا مثله، لكنني أحترم نفسي وواقعي، وتجربتي، وتجربة جيل بأكمله، ذهب ولَم يعد (بعد).
 
انتخبوا شفيق أو لا تنتخبوه، ادعموا خالد علي أو لا تدعموه، شاركوا في هذه الملهاة أو لا تشاركوا، طالبوا بالبركة فورا أو اللعنة فورا، افعلوا ما يحلو لكم، ولكن لا تبيعوا للناس الوهم في زجاجات النضال، لا تضعوا اسم خالد علي وتجربته في سياق واحد مع لولا دي سيلفا، أو غيره من الذين ترشحوا في سياقات مغايرة وفشلوا لينجحوا!
 
النجاح ممكن، والكفاح حق، والنضال واجب، والتجربة خير دليل، ولكن للمرة الألف، نحن في 2017، الجيش يسيطر على كل مفاصل الدولة، ينتشر كالدودة في زرعتها، المعارضة في السجون، آلاف من القتلى والمصابين والمشردين في بلاد الله، كتلة الثورة تشرذمت، حجم العداوات بين أجنحتها صار أقوى من حجم عداوة كل منهم مع النظام نفسه، أي انتخابات تلك التي سيخوضها خالد علي لينافس ويؤثر ويكسب ويحكم وينجح..؟!
 
العناد قيمة، عدم الاستسلام بطولة، اليأس خيانة، كاتب السطور يوقع تحت كل هذه العناوين بالموافقة، ولكن ليس على بياض، رحم الله امرءا عرف زمانه فاستقامت طريقته، كلمونا عربي، نحن معكم، ولكن كيف؟
 
أولى بأصوات تريد أن توقع في كشوف الحضور الثوري أن تدل الناس إلى الطريق الذي سيعود منه المعتقلون إلى بيوتهم، والمغتربون إلى أوطانهم، ولو تحملوا جراء ذلك مزايدات "عواطلية" النضال الفيسبوكي، وجنرالات المقاهي، أولى بهم أن يفكروا قبل أن ينفعلوا، ربما نعثر على حل غير التراجع خطوة إلى شفيق، لكنه بكل تأكيد ليس التقدم خطوة نحو العدم، أفيدونا أو لا تضللونا، أما أن يتحول خطاب المرار الانتخابي الطافح - بطبيعة الحال - إلى وصلة مزايدات وابتزاز عاطفي وإفشال لكل محاولة على طريق حلحلة هذا البؤس، فنحن نتاجر في الفشل مرة مع الثورة وأخرى مع الإخوان وثالثة مع شفيق ورابعة وخامسة وعاشرة دون ملل، والإسم ثوار!
 
معنى أن تكون مرشحا - هنا والآن - هو أن تتمتع بدعم المؤسسة العسكرية، ومعها أجهزة الدولة العميقة، وقبلها الدعم الإقليمي، والمساندة الدولية، النضال ضد كل هؤلاء مشروع، لكنه يتحول إلى جريمة أخلاقية وسياسية حين يكون نضالا بلا خطة، نضال من أجل النضال، نضال على ما ربنا يسهل، نضال في انتظار تصعيد الفعل الثوري وحركة الجماهير الكاسحة، شبعنا هراء!
 
ليس فينا الآن من تتحرك من أجله الجماهير، خالد وجه ثوري شريف، (نحن) نعرفه، أما الناس فلا يعرفونه، لا هو ولا غيره، احترقنا، من خالد بالنسبة لمواطن عادي، يعود من عمله ليشاهد الماتش أو يسمع عمرو أديب، محامي جدع، يقف مع الجميع دون تفرقة، محامي وطني كسب قضية تيران وصنافير أمام القضاء الافتراضي، وخسرها في واقع الحال، مناضل من الداخل - كما تقول لميس الحديدي - ثم ماذا بعد؟   
 
ليست هذه أبدا دعوة لليأس أو الاستسلام، لكنها دعوة للتصرف بمسئولية، ولو مرة واحدة، الكتابة بمسؤولية، التفكير بمسؤولية، الحلم بمسؤولية، حتى الحلم في هذه الأيام الصعبة لم يعد رفاهية، أصبح من الخطر أن تحلم دون حساب، فالحالم يدفع من رصيد تطلعاته فيما يدفع أتباع الحلم من دمائهم، فهل تعرفون - حقا - معنى الدم؟
 
الظرف السياسي الآن يمكن اختزاله في المشاغبة المصرية: "كل واحد يتكلم على قده"، السيسي، هذا الفاشل الخائن، المتهم بالجاسوسية، لديه من السلاح والدعم ما يؤهله أن يكون مرشحا، شفيق، وفيه ما فيه، لديه بدوره ما يؤهله أن يكون منافسا، من أراد المزاحمة فليخبرنا ماذا لديه بدلا من أن يطالبنا بأن نكون خراف الحلم الثوري، وإذا كنّا نطالب النظام بضمانات للترشح، فإننا نطالب مرشحينا - وأنصارهم المخلصين - بدورهم بضمانات للجدوى من وراء هذا الترشح، كفانا حرثا في البحر بلا طائل، تعبنا.
 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل