مقالات مختارة

عفرين.. تأكيد لدور تركي محوري

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

تبدو سوريا اليوم مسرحا ملتهبا لتموضعات أكبر قوتين عالميتين، الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك أكبر قوتين إقليميتين، تركيا وإيران. وهناك تفاهم وهارموني بين واشنطن وموسكو في المسرح السوري ويوجد على الأرض نحو ألفي جندي أمريكي في سوريا ولروسيا 48 ألف جندي. وفيما نجد أن طهران تتموضع على استحياء وتحت جنح الظلام في أنحاء مختلفة من البلاد. في الوقت ذاته تعلن أنقرة بقوة وجرأة تحسد عليها عن أهداف تموضعها ووجودها في الشمال السوري وتحديدا منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، حيث تقود قواتها عمليات عسكرية واسعة النطاق.


وبلغت جرأة أنقرة أن طالبت واشنطن بسحب قواتها من منطقة منبج القريبة من عملياتها العسكرية التي سمتها "غصن الزيتون"، وذلك في اتصال هاتفي للرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب أمس الأول الخميس.. البنتاغون تذرّع صبرا وقال مدير هيئة الأركان الأمريكية إنه يحاور تركيا، ويسعى للتركيز على الهدف الأساسي وهو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وأن عمليات عفرين تعوق هذا الهدف. 


واعترف البنتاغون لتركيا بأن لديها مطالب ومخاوف مشروعة.. وردت أنقرة في ذات الوقت ذاته على العرض الأمريكي بشأن موضوع المنطقة الآمنة الذي قدمه وزير الخارجية ريكس تيلرسون لنظيره التركي بعمق 30 كيلو مترا داخل الأراضي التركية، بأن بناء الثقة بين الولايات المتحدة وتركيا شرط أساسي للتباحث بشأن ذلك.. ودون مواربة قالت تركيا إن عدم ثقة أنقرة في واشنطن هو مدها وحدات حماية الشعب الكردية بالسلاح. وعفرين منطقة حدودية محاذية لولاية هاتاي التركية ونقطة الوصل والفصل بين تركيا وسوريا، وتشكل 2% من مساحة سوريا.


ومثلما منحت واشنطن نفسها الحق في وصف من تشاء بالإرهابيين، لم تتردد أنقرة بوصف خصومها بالإرهابيين وغدت واشنطن داعمة للارهاب في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية التي تدعمهم ولذلك جاءت عملية عفرين بهدف واحد وصريح وهو عدم السماح بإقامة أي كيان إرهابي على طول حدودها الجنوبية الممتدة من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط حسب توصيف تركيا.. وربما واشنطن هالها الطلب التركي الجريء غير المسبوق والمسنود بتحركات عسكرية قوية على الأرض، فقال ترامب ردّا على دعوة أردوغان للولايات المتحدة لإنهاء تسليحها لوحدات حماية الشعب الكردي، إن واشنطن لم تعد تمد الجماعة بالسلاح وتعهد بألا تفعل ذلك في المستقبل.


قد يكون تهديد الأمن الاستراتيجي لتركيا سببا رئيسيا لغضبتها وانتفاضتها في تلك المنطقة لكن مخططات أخرى تجري على قدم وساق تدعمها واشنطن من وراء ستار.. هناك حركة تنصيرية حثيثة وبناء للكنائس تبنى وتم شراء عشرات الأراضي لإقامة الفنادق والمنتجعات حول قبر مار مارون المزعومِ وجوده في قرية براد.


ستصبح عملية عفرين غصن زيتون بالفعل إن ضمنت عودة المهجرين العرب إلى قراهم المنتشرة في المنطقة وكذلك النازحين الكرد ليعيشوا جميعا في سلام كما كانوا في السابق. وتتاح الفرصة في الوقت ذاته للسكان المحليين الكرد بإدارة مناطقهم بأنفسهم. والكرد هم مكون مهم في المجتمع السوري، ولهم كامل حقوقهم القانونية والدستورية.


إن مجريات الأحداث في المنطقة تشير إلى خريطة جديدة دخلت مرحلة المخاض، لكن لا يبدو من أهل المنطقة من العرب إلا دور الصامت المتفرج. بيد أن تركيا بثقلها السياسي والاقتصادي هي الدولة الأكثر تأهيلا لتحقيق توازن استراتيجي يمنع انهيارا كاملا لمنظومة المنطقة الجيوسياسية ويقتضي ذلك تحالفا أو على أقل تقدير تعاونا من جانب دول المنطقة.. وسياسة تركيا الخارجية تصب في اتجاه السعي من أجل الاندماج الإقليمي، على شكل تعاون أمني واقتصادي يجعلها واحدة من أهم عشرة اقتصادات ويبدو أن ذلك يفضي بها لأداء دور مؤثر في حلّ الصراعات الإقليمية. 


في سوريا، أظهرت تركيا مواقف حادة تجاه نظام الأسد وجرائمه في سوريا منذ انطلاق الثورة، واحتضنت أنقرة السوريين الفارين من رصاص وبراميل وصواريخ الأسد ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، هناك 1.8 مليون لاجئ سوري، بل منحت أنقرة المواطن السوري حق البقاء والدخول إلى تركيا حتى دون وثائق رسمية أو منتهية الصلاحية، فضلا عن احتضان المعارضة السياسية.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)