كتاب عربي 21

"الانتخابات القسرية" و"التيس المستعار"

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600

كنت أسميت تلك الانتخابات الرئاسية بعد الانقلاب بأنها انتخابات ديكورية هزلية يغلب عليها الطابع العبثي، ولكن الأمر في انتخابات 2018 لا يصلح فيها بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن وصفها بالهزلية. الأمر أبعد بذلك بكثير، الانتخابات هذه المرة "انتخابات قسرية"ـ كل شيء يتم فيها بالإكراه إلا مرشح الضرورة الذي ما زال مرشحا للضرورة، حتى بعد أن تحكم بهذا الشعب وهذا الوطن لمدة أربع سنوات.. فمرة أخرى - وكما وصفه الكاهن الأكبر "هيكل" - لا يزال مرشح الضرورة رغم فاشيته وقتله. وهو إذ ذاك، أراد أن يُخرج الانتخابات الماضية (في 2014) بمرشح آخر لعب دور "الكومبارس" وفق الدور المرسوم، فقام به؛ حتى أنه في نتائج الانتخابات احتل المرتبة الثالثة، رغم أنه كان هناك مرشحان فقط، فقد جاء ثالثا بعد الأصوات الباطلة.

فماذا عن الانتخابات القسرية في طبعتها السيسية التي تعد استمرارا للحالة الانقلابية؟ الانتخابات القسرية كالاختطاف القسري سواء بسواء، يتم فيها كل شيء بالإكراه وبالقسر وبالاختطاف وبالبلطجة. مكونات هذا الفعل الانتخابي تمت على مسرح الترشيح.. فعلى أعتاب تلك الانتخابات الرئاسية، بدت عملية الترشيح وبدا الإعلان عن مرشحين محتملين.. أحدهم يمثل رمزية ثورة يناير؛ أراد القول - وفق تقديره - أن الساحة ليست خالية أمام السيسي؛ يكون فيها وحده يصول ويجول، فترشح وخاض معركة أسماها بمعركة التوكيلات. كان المهم في ذلك هو فضح هذا النظام في تصوره للانتخابات، فضلا عن فضح تلك الحملات الإكراهية لحملة "عشان تبنيها"؛ التي تجمع التوقيعات من الموظفين والعمال في أعمالهم وشركاتهم، وبالقسر وبالإكراه. حملة أخرى.. حملة النفاق الإكراهي الذي تم من "برلمان العبيد"؛ الذي تشكل بفعل أمني ومخابراتي، ليسير كل هؤلاء في زفة لترشيح السيسي حينما وجدوا متسعا لمزيد من الإكراه، فقرروا أن يجمعوا توكيلات إكراهية لدعم السيسي في مباني الشهر العقاري على امتداد الوطن، حملات عنوانها القسر والنفاق، تديرها أجهزة إدارية بالإكراه والتخويف. ومع أنه المرشح الذي يؤكد أنه هو المرشح ذو الشعبية، إلا أنه يصر على أن يقوم بكل ذلك بفجاجة عجيبة، وبصورة فاضحة وبأساليب إكراهية وقسرية.

 

الانتخابات هذه المرة "انتخابات قسرية"ـ كل شيء يتم فيها بالإكراه إلا مرشح الضرورة الذي ما زال مرشحا للضرورة



يبدو أنه كان مرتاحا لترشح مثل هذا، كرمز لثورة يناير، فلا بأس أن يكون ولا بأس أن نسحقه ونسحق ثورة يناير، إلا أن تطور الموقف كان عجيبا حينما أعلن الفريق شفيق، رئيس وزراء مصر الأسبق وقائد القوات الجوية حينما كان بالجيش، ترشحه، فأدى إلى تغيير الخطة. فالخطة الأولى كانت تقوم على قاعدة أن مصر لا تزال تحتاج هذا "الدكر" المزعوم، وبدا البعض يتحدث عن هذه الإنجازات، وبدت أجهزة الإفك الإعلامي بأسرها تتحدث عن إنجازات السيسي، حتى أطلق كذبته الشهيرة التي تتعلق بمشاريعه التي أقامها فذكرها عددا مهولا، مع توزيعها على أيام حكمه يكون نصيب كل يوم منها ما يزيد على عدة مشاريع يوميا، وهو أمر جعل حديث الإنجازات مجرد مزايدات وحديث عن أوهام، أكثر مما هو يشير إلى أي مشروعات حقيقية على الأرض. فقد اشتهر عصره بـ"مشاريع الفناكيش"، بدءا من فنكوش جهاز الإيدز، مرورا بفنكوش تفريعة القناة، بما أسماه قناة السويس الجديدة، إلى مشروعات استصلاح الأراضي، رغم أنه تسبب باتفاق مبادئ مع إثيوبيا يبشرنا بحالة جفاف قادمة.

انقلبت الأمور مع ترشح الفريق شفيق، وبتوجيهات من السيسي رحّلته دولة الإمارات بطائرة إلى مصر، بعد أن طلب السفر من الإمارات إلى باريس. وبعد شحنه، صار في حكم المعتقل والمحكوم عليه حين وصوله، واستجوب استجوابا سريعا، ثم كان الإعلان الإكراهي منه، بعد التهديد بفضائح عدة وقضايا متنوعة، فأعلن أن بعده عن مصر لم يمكنه من تقييم الوضع، وأنه أعاد النظر ولن يترشح؛ مؤيدا استكمال المسيرة مسيرة الوطن، على حد قوله. فالأمر هنا كان تهديدا مباشرا، وكان عليه أن يشتري حياته ويبتعد عن ميدان الترشح للانتخابات قسرا وتهديدا.

وبرز مرشح آخر، ضابط عقيد في جيش مصر.. العقيد أحمد قنصوة. أراد أن يعلن من قلب الجيش عن انتقاد لمسار السياسات، وعن تأهله لعملية الترشيح، معلنا رغبته بالاستقالة والترشح لانتخابات الرئاسة. وبدأ الأمر بالقبض عليه وإحالته لمحاكمة عسكرية سريعة؛ أصدرت حكما وأيدته في غضون أيام قليلة، فحكم عليه بست سنوات وأودع السجن.. الأمر - قسرا وإكراها واتهاما - أنه ترشح ببدلته العسكرية، وقد فعلها من قبل السيسي، إلا أن السيسي المغفور له، والذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ما كان من أجهزته التي تأتمر بأمره؛ إلا أن تقوم بإقصائه وسجنه..

مرشح تحت الإقامة الجبرية، ومرشح أرسل إلى السجن بعد محاكمة عسكرية هزلية. أما المرشح الثالث فكان مفاجئا.. الفريق عنان رئيس، الأركان الأسبق ونائب رئيس المجلس العسكري عند قيام الثورة في يناير، حيث بدا الأمر وكأنه قد أعد العدة لخوض تلك الانتخابات بفريق رئاسي، ثم كانت المهزلة ببيان من المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ يتهمه بالتزوير والخروج على التقاليد العسكرية والتحريض على فتنة داخل القوات المسلحة. ومن ساعتها اختطف من سيارته، واعتقل، وحُقق معه، وأودع السجن الحربي حتى هذه اللحظة. وكذلك اقتحموا بيته وتحفظوا على زوجته وبنته، بل إنهم تتبعوا بعضا من أعضاء حملته واعتقلوهم، وبدا أنهم يروعون كل من قرر دعما لترشيح عنان.

 

أغلق الباب على كل المرشحين على طريقة البلطجية، وبتصرفات فاضحة قسرية، وضمن عمليات ممنهجة إكراهية تقوم بها أجهزة فاشية على تنوع أدوارها


تفتقت أذهان البعض بأن يوحوا لبعض فريق عنان الرئاسي أن يترشح أحد الاثنين من نوابه، فلم تكذب الأجهزة خبرا، فأرادت بعد ذلك أن تقوم بحالة بلطجة عاتية وفاضحة، وذلك بتسليط بعض البلطجية على المستشار هشام جنينة (أحدهما)، وأصابوه بإصابات مباشرة وبالغة، تحت عينه وفي قدمه، بعدما أوسعوه ضربا.. وامتنعوا في البداية عن نقله للمستشفى، ثم انتقل إليها وهو في حالة مزرية وفي وضع خطر. وخرجت الداخلية في رواية عجيبة؛ بأن البلطجي لم يكن إلا المستشار، وأن البلطجي الذي قام بضربه هو الضحية، ولفقوا حكاية مزورة مروية كلها تبرر هذه البلطجة؛ لتفزيع داعم لمرشح أو لمرشح محتمل، حتى لا تسول له نفسه أو يصور له عقله أنه يستطيع أن يترشح.

هكذا أغلق الباب على كل المرشحين على طريقة البلطجية، وبتصرفات فاضحة قسرية، وضمن عمليات ممنهجة إكراهية تقوم بها أجهزة فاشية على تنوع أدوارها.. الجميع صاروا تحت الإقامة الجبرية أو في السجون أو في المستشفيات. فلا بأس أن ندخل الانتخابات بعد تمرير مرشح يناير الرمزي؛ باعتباره المحلل المحتمل والكومبارس الذي يريدونه إكراها أن يستمر في ترشحه. وحينما كشف الغطاء عن كل ذلك، كان من المهم لمرشح ثورة يناير الرمزي أن ينسحب.. هددوه وهددوا فريقه الرئاسي بأن لا ينسحب، فإن من أرادوه مرشحا سيبقى قسريا، ومن أراده مرشحا فليبتعد قسريا.. هكذا أداروا الأمور، ولكن خالد علي، مرشح الثورة الرمزي، أصر على انسحابه، وقدم لهذا النظام درسا ليتركه عاريا في الساحة الانتخابية.. لا مرشح مع السيسي، السيسي وحده في ميدان الترشح.. لم يعد مرشح الضرورة فحسب، بل صار المرشح الأوحد.. إنها "الانتخابات القسرية".

 

سيدخل المرشح الجديد حتى ينجح السيسي في الانتخابات، رغم أن البعض من إعلام إفكه قد برر ومرر أن إحدى مواد الدستور تتيح له أن يترشح وحيدا ويحصل على خمسة في المئة فقط من الأصوات كحد أدنى، في حالة أشبه بالاستفتاء

ثم بعد ذلك، دخلنا على مشاهد أخرى.. مشاهد مسرحية إكراهية أخرى، مسرحية "التيس المستعار" المحلل الذي سيقوم بأقذر دور. سيدخل فقط حتى ينجح السيسي في الانتخابات، رغم أن البعض من إعلام إفكه قد برر ومرر أن إحدى مواد الدستور تتيح له أن يترشح وحيدا ويحصل على خمسة في المئة فقط من الأصوات كحد أدنى، في حالة أشبه بالاستفتاء.. ولكنهم بعد كل تلك الممارسات البلطجية أرادوها انتخابات!! فكيف يمت كل ذلك إلى حالة انتخابية؟! اختاروا تيسا بعد تيس، ويبدو أخيرا أنهم قد استقروا على تيس وديع يقوم بدوره، خاصة أن المرشحين كتيوس انسحبوا واحدا بعد الآخر.. هذه هي طبعة الانتخابات السيسية، انتخابات قسرية وتيس مستعار. فصل جديد في "العلوم السيسية" في باب الانتخابات المزعومة التي لم تعد هزلية، بل صارت قسرية. حتى التيس المستعار اختاروه قسرا.. لا يستطيع أن يرفض.

التعليقات (1)
حرفوش
الثلاثاء، 30-01-2018 09:54 م
سيثقف التاريخ طويلا أمام هذة الأنتخابات أذا لم يزور التاريخ ويأتى الزمان بمؤرخين صادقين يكتبون فقط تاريخ الواقع وليس تاريخا مزورا ليقول أنة فى يوم فى شهر فى سنة كان فى مصر انتخابات لم يسمع بها بشر من قبل فهى تدار بالهوى لدرجة اختيار مرشح يقوم بدور محلل فليكتب التاريخ الحقيقة وسيكون من يقرأة آنذاك من أحفادنا يسخرون ويضحكون من هذة الأنتخابات وهم يتمتعون بالحرية وبالديمقراطية