مقالات مختارة

عالم الأشرار.. والدولة المتوترة

جمال سلطان
1300x600
1300x600

عندما يبدو رئيس الجمهورية في حالة التوتر التي رأيناها قبل أيام، ويوجه رسائل تهديد وإنذار غاضبة إلى جهات أو أشخاص لا نعرفهم على وجه التحديد، فإن هذا يعطي الانطباع بأن "الدولة" ذاتها في حالة من القلق والتوتر، لأن رئيس الجمهورية هو "ترموميتر" الدولة الأهم، خاصة في ظل ضعف فكرة المؤسسية في العالم الثالث بشكل عام، ويضاعف من التوتر والقلق لدى المراقبين للمشهد غموض ما يقلق الرئيس، وبالتالي فأنت في حال المشاهد أو المتفرج على "فيلم رعب" غامض لا تعرف أطرافه ولا نهايته، وليس هكذا تدار الدول أو يتفاعل الشعب مع قيادته السياسية.

تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن "أهل الشر" وعن "الأشرار"، وهو مصطلح جديد وطارئ على السياسة المصرية، نسمعه لأول مرة، وهو الآخر مصطلح غامض، ويصعب أن تضبطه لا وفق قواعد السياسة ولا وفق نص القانون ولا قواعد دستورية محددة، وهذا ما ينتج عدة أمور: الأول هو تصدير القلق والتوتر إلى عموم الشعب الذي يحدثه الرئيس عن شيء غامض وخطير وصفه بأنهم "الأشرار" وهو لا يعرفهم ولا يفهم المقصود منهم، ولكنه يدرك أنه أمام خطر داهم، والثاني: هو عزل الشعب نفسه عن مصير وطنه ودولته، فماذا عساه يفعل الشعب عندما تحدثه عن هؤلاء "الأشرار" الذين لا يعرفهم ولا يفهمهم ولا يراهم ولا يدرك إلى أي مدى هم خطرون، والأمر الثالث: هو عجز المجتمع عن مراجعة القيادة السياسية أو محاسبتها سياسيا أو دستوريا في تقديرها للأمور، لأنه من الممكن أن تهدر طاقات البلد في حرب طواحين الهواء، أو في معارك لا جدوى منها أو ليست لها أولوية وطنية، أو كان يمكن تجاوزها وتجاهلها أو احتواؤها دون إهدار مقدرات وطنية ضخمة، أو أن تكون ناجمة عن أخطاء في الإدارة السياسية الرسمية، لأن هذا كله يقتضي أن تحاكمه أو تتحاكم معه إلى مفهوم أو معلوم أو شيء واضح، أما "أهل الشر" و"الأشرار" فأنت أمام ألغاز وأحاج، كيف تقدر صواب موقف الرئيس فيها من خطئه، فهذا المنطق يمثل عزلا كاملا للشعب عن معرفة ما يدور في بلاده، ناهيك عن فرض حالة القلق والخوف الدائم على مصير الوطن.

خطورة انتشار حالة التوتر والقلق التي تظهر في خطابات الرئيس، وتهديداته المجهولة، أنها تنتقل إلى مؤسسات الدولة وفاعلياتها المختلفة، التي يصيبها الارتباك نظرا لغياب اليقين بالمستقبل، لأن الجميع يرى أن "الأمور مقلقة" وأن هناك خوفا كبيرا من المجهول القادم الذي لا يعرفونه، وهذا يؤثر حتما على مختلف نشاطات الدولة والمجتمع، فمن الذي يمكن أن يخطط لمستقبل لا يثق في ثباته ولا في استقراره ولا ديمومة أوضاعه، هذه الحال ستفرض على الجميع أن يعملوا وفق منطق "يوم بيومه"، انتظارا لجلاء الأمور ومعرفة مآلات المعركة مع "أهل الشر"، وهذا بطبيعة الحال مضر بأي خطط تنموية في الدولة، ويهدر طاقاتها ويراكم من متاعبها في مختلف المجالات.

يضاف إلى التصريحات القلقة والغاضبة والغامضة للرئيس، غموض وقلق بعض المواقف التي حدثت ولا نعرف لها أي خلفيات ولا أسباب، سواء عملية ترحيل الفريق أحمد شفيق من الإمارات، ثم اختفائه في القاهرة حوالي ثلاثة أسابيع، ثم ظهوره متراجعا عن ترشحه منافسا للسيسي، وكذلك ما حدث مع الفريق سامي عنان، وكذلك الاضطراب الذي بدا لدى مجموعة الإعلاميين المقربين من أجهزة الدولة القوية والعصبية البالغة، التي تبدو الآن في معالجات القضايا المختلفة إعلاميا، ثم في الانقسام الذي بدا تجاه مشهد النهاية للانتخابات الرئاسية، بين فريق "رسمي" يرى أن تتم حتى دون مرشح منافس وفريق يقاتل حتى اللحظة الأخيرة لاختراع منافس لإنقاذ المشهد التنافسي. 

هناك انطباع سائد الآن، داخل مصر وخارجها، بأن الأمور "ليست بخير"، وأتت أحاديث الرئيس الغاضبة والمنذرة مؤخرا، والمحذرة بمواجهة "أهل الشر" لتضيف المزيد من القلق وغياب اليقين بل اهتزاز اليقين بمستقبل البلاد، وهذا خطير جدا في الحساب السياسي.

المصريون المصرية
1
التعليقات (1)
حرفوش
السبت، 03-02-2018 10:53 م
مثل هذة الخطابات ستجلب لمصر الأستثمار الأجنبى وازدهار السياحة وسترفع معدل النمو الأقتصادى لأنها تحارب الأشرار ؛من يحارب الأشرار هو على خبرة عالية سياسية وعسكرية واقتصادية وهلم جرا