مقالات مختارة

المجزرة: حصة سورية من العالم

حسام عيتاني
1300x600
1300x600

بضع مقالات منحازة إلى ضحايا الهمجية في الغوطة ينشرها عدد متضائل من الصحف الغربية، هي كل ما تبقى من شعارات أرادت لنفسها أن تكون عالمية. يقول لنا الأطفال المقطّعة أطرافهم والقابعة جثثهم تحت الجدران المنهارة عليهم بفعل قذائف التحالف الروسي - الإيراني - الأسدي، إن العالم ليس «قرية صغيرة» وأن قيماً مثل حقوق الإنسان وأولوية الحياة البشرية، ليست كونية بل محصورة ويخضع إشهارها أو طيها إلى الاستنساب والتمييز وآليات السوق السياسية.

التأمل في الأرقام والصور الآتية من الغوطة في هدوء المكاتب، يرفع حاجزاً عالياً بين حقيقة ما يجري في الواقع وبين القدرة على التأثير فيه. لقد بلغ العالم من الانقسام حداً لم يعد معه من الممكن الانتقال من حيز التضامن العاطفي مع قتلى الغوطة وسراقب (قبلهم بأسابيع) أو حلب أو أي مدينة سورية منكوبة، إلى حيز التغيير الملموس والسعي إلى وقف المذبحة الشاملة الجارية بموافقة العالم، الضمنية أو العلنية لا فرق. لم يعد ذاك الانتقال ممكناً من دون إعادة نظر بكل المقولات التي اعتُبرت مسلمات أو بداهات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتي حاول كتّاب على مدى التسعينات إقناعنا أنها انقلبت إلى حقائق كونية.

أعادت أزمات الغرب وسياساته تظهير ضحالة الديموقراطية الليبرالية عندما تواجه اختبارات قاسية. تراجعت الحكومات الغربية إلى قلاعها الحصينة وأغلقت أبوابها أمام موجات اللاجئين واكتفت بشن غارات على من اعتبرتهم إرهابيين في الموصل والرقة. رفضت هذه الحكومات مواجهة الهمجية العالمية التي ساهمت في إطلاقها وامتنعت عن رؤية خطر المشاريع الإمبراطورية المنبعثة من موسكو وطهران، خطرها على كامل منظومة الحداثة الغربية التي بلغت أزمتها مستوى جعل من شخص مثل دونالد ترامب وأفراد عائلته، على رأس أقوى دولة في العالم. هذه الأزمة تسبق تغول فلاديمير بوتين على سورية وعلي خامنئي على أهالي حلب والغوطة، وتعلن انهيار البناء المقام من أوراق اللعب بمجرد أن ظهر من يملك العزم الكافي على إسقاطه.

وقعت الكارثة السورية بالضبط في الهوة الفاصلة بين عالمين. بين عالم الحداثة والديموقراطية التي زال الطلاء عن وجهها وبانت كواجهة للحصرية الغربية ولتمييز عميق لم تنجُ منه إلا حكومات تعد على أصابع اليد الواحدة، وبين عالم الهمجية الفالتة من أي عقاب والتمدد الإمبراطوري والحسابات الجيوسياسية والتطهير الطائفي الذي لم يعد يخجل من الظهور بكل عريه وبشاعته.

ليس هذا الكلام لتغطية المأساة الملموسة بكلام مجرد ومتعالٍ. فلا شيء سيغسل عار البشرية التي ضجرت من قدرة الضحايا على هذا الموت الكثير ومن العناد في رفض «العودة إلى حضن الوطن» - المقبرة. لكن البشرية اعتادت على العيش مع العار بل أدمنت عليه، وليس أيضاً لتحذير من غضب وثأر مقبلين قد يخرجان من بين صفوف ضحايا اليوم ومن تحت أنقاض بيوتهم ومدارسهم. بل للقول إن الحروب السورية هي حصة المشرق العربي من انهيار صورة للعالم جرى الترويج لها كطوبى قابلة للتحقيق في أحضان التعدُّد والديموقراطية وحكم القانون والعدالة، طوبى تستطيع فيها الأمم المتحدة أن توقف العدوان وأن تمنع الحروب وأن تنقذ الضعفاء.

الديموقراطية الليبرالية التي نعاها كتاب وباحثون مرات عدة، أخفقت في كل اختبار يتعلق بتلازم الشعار مع الفعل في كل مرة لم تكن المصالح المادية المباشرة على المحك. وسورية ليست استثناء في هذا الإخفاق. حصة سورية من هذا الإخفاق لم تكن غير مجزرة مجنونة بأيدي قتلة باردي الدماء.

 

الحياة اللندنية
1
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الجمعة، 23-02-2018 09:43 ص
قال تعالى في كتابه العزيز : وَعَسَى? أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى? أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. لا شك أن ما حدث و يحدث في سوريا في منتهى الوحشية و الإجرام من جانب عصابة نصيرية (فرضتها أمريكا على سوريا منذ عام 1963 و حتى اليوم) مدعومة من كل حثالات و خنازير العالم بما فيهم من وكلاء روس و مليشيات فارسية مرتزقة . الصمت إزاء ما يجري أو التصريحات الجوفاء "مثل فقد الأسد شرعيته، باتت أيام الأسد معدودة" أو الشجب اللفظي أو ذرف دموع التماسيح أو رسم خط الكيماوي الأحمر الذي لحسه أوباما أو قصف مادة الإسفلت في مطار الشعيرات بالصواريخ الأمريكية ... كل هذا يؤكد شيئاً واحداً و هو تواطؤ واضح على اقتراف الجرائم في سوريا . لاحظوا أن جميع الهيئات و الجمعيات الدولية و الإقليمية مشلولة تماماً عن القيام بأي تحرك فعال ، و لا يملك أحد أن يشلها سوى أمريكا. أن تقوم أمريكا بمنع مضادات الطيران عن الثوار هو لجعل شعب سوريا لقمة سائغة لطيران بشار المجرم و بوتين المجرم . أن تقوم أمريكا بفرض خطوط حمراء على فصائل الثورة "مثل اقتحام دمشق أو منطقة تواجد النصيريين في الساحل" فهذا يعني إصرارها على هزيمة ثورة الشعب . المطلب المتفق عليه بين كافة الثوار هو السعي لأن يتنفس الشعب الحرية و الكرامة و العدالة ، و لا يوجد مطلقاً تطلع لإقامة إمارة أو خلافة إلا من فئات هامشية حالمة. حين تقف أمريكا و "حلفاؤها إن جاز التعبير" ضد سعي الشعب فمعنى ذلك أن الغرب مع العبودية و مع إذلال الآخرين و مع الظلم . الحضارة لها شقين : مادي و غير مادي . فيما يتعلق بالمادي ، العلوم و التكنولوجيا أما غير المادي فمرتبط بالأخلاق و بالسلوك و بوجهة النظر عن الحياة. الجانب المادي مشرق في الحضارة الغربية و لكن الجانب غير المادي فهو في غاية الظلام و هو بالضبط الجاهلية الثانية التي أشار لها القرآن الكريم ضمنياً حين تحدث عن "الجاهلية الأولى". كما كان هنالك بعث للإسلام بعد الجاهلية الأولى ، سيكون هنالك بعث آخر بعد الجاهلية الثانية بعون الله و حضارة ذات جانبين مشرقين تسعد بهما البشرية. لذلك ما نراه فنكرهه اليوم هو مقدمة لخير عظيم إن شاء الله. غالبية من رحلوا من شعب سوريا نحتسبهم شهداء سعداء عند رب كريم.