ملفات وتقارير

السعودية بين هيئتين.. الحسبة و الترفيه ما الذي تغير؟ (ملف)

تم إنشاء هيئة الترفيه في 7 أيار/ مايو 2016 ضمن إعلان السعودية رؤية 2030- حساب هيئة الترفيه
تم إنشاء هيئة الترفيه في 7 أيار/ مايو 2016 ضمن إعلان السعودية رؤية 2030- حساب هيئة الترفيه

تشهد السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده هيئتان متنافستان تتمتعان بنفوذ كبير في المملكة، هما "الحسبة" و"الترفيه". 

أما الأولى وتدعى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تمثل السطوة الدينية للدولة، وتضفي الطابع الديني لها، فقد بدأت بالتراجع خلف أضواء الهيئة الأخرى الجديدة التي حملت شعار الترفيه، المتمثل بالحفلات الغنائية والمهرجانات، ما يعد الوجه المقابل تماما والمعاكس للهيئة الدينية.

وأمام هذا التناقض بين الهيئتين، تمثل الهيئة الجديدة تحولا جديدا بالنسبة للمملكة السعودية يقوده ولي العهد السعودي، رغم أن السعودية لم تعتد دعوة فنانين ومطربين وتنظيم حفلات، الأمر الذي كان يعد مرفوضا في عرف المملكة الدينية من اختلاط ورقص وطرب، ما يثير علامات استفهام لدى السعوديين الذين وجدوا أنفسهم مدعوين إلى فعاليات فنية ولكن دون "تمايل ورقص" و"الالتزام بالزي المحتشم". 

تامر حسني.. وياني.. ودعوة كاظم الساهر وشيرين عبد الوهاب.. واستقبال فرق موسيقية ورقص وغناء.. وافتتاح السينما والمسارح.. يعد هذا الانفتاح المجتمعي قفزة غير مسبوقة بالنسبة للمملكة التي لطالما نظر إليها على أنها تعد دولة معاصرة تحمل سمات الحكم الثيوقراطي، إذ يستمد حكامها مشروعية حكمهم من المشروعية الدينية.

و"هيئة الترفيه" بحسب ما أعلنته المملكة: "تقوم على تنظيم وتنمية قطاع الترفيه"، وتم إنشاؤها في 7 أيار/ مايو 2016، ضمن رؤية 2030 المستقبلية التي أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وعند المرور بأخبار الفعاليات التي تقوم بها هيئة الترفيه يتبين أنها بأغلبها حفلات موسيقية وطرب وموسيقى.

ووجد المواطن السعودي نفسه أمام هذا التناقض، لا سيما أن هيئة الأمر بالمعروف كانت تعرف بنفوذها الكبير وحملاتها ضد الغناء والرقص.

 

 

 

 

ولطالما داهمت الهيئة جلسات طرب وغناء وقام أفرادها بتكسير العود وآلات موسيقية أخرى، وعرف عنها ممارسات مماثلة.

وعلى الرغم من أن هيئة الأمر بالمعروف تابعة بشكل مباشر لمجلس الوزراء، ويفترض بها أن تدير القبضة الدينية في البلاد، إلا أنها تبدو عاجزة مكتوفة الأيدي أمام الضوء الأخضر من السلطة الجديدة التي شهدتها المملكة في عهد الملك سلمان ومحمد ولي عهده الشاب.

 



وتبدو السعودية مملكة جديدة، تريد أن تجدد ثقافتها في كل شيء تقريبا، في تحولات على النقيض في شتى المجالات، إلا أنه على الرغم من ذلك، ما زالت المملكة تعيش تناقضا صارخا بين الهيئتين "الحسبة" والترفيه.

فالمملكة السعودية لطالما ربط حكامها مشروعية حكمهم بالاستناد إلى المراجع الدينية في سن قوانين الدولة منذ تأسيسها، فكان الغناء والاختلاط من باب المحرمات ضمنيا.

وأطلقت هيئة الترفيه حسابا خاصا على "تويتر" يحمل اسم "روزنامة الترفيه"، ويزخر بأجندة كاملة بشتى أنواع الترفيه والفن للذكور والإناث والعائلات ولجميع الأعمار.

هاشتاغ معارض

وأمام سيل التغريدات بشتى أنواع الترفيه الذي روجت له الهيئة الجديدة، خرج هاشتاغ سعودي يوضح موقف سعوديين من تناقض الدولة بين هيئتين، ليطلقوا وسم "#نطالب_بالهيئة_وإيقاف_الانحلال.

واعترض النشطاء السعوديون المشاركون في الوسم على الانفتاح الذي تمارسه هيئة الترفيه، ومشاريعها، التي اتهموها بأنها تساهم في "انفلات المجتمع".

وانتقد كثيرون غياب الهيئة عن المشهد في الشوارع والأسواق، الأمر الذي بات ملموسا.

وكان لافتا كمية التسجيلات المصورة التي قامت بها شخصيات مجتمعية سعودية ناشطة على "تويتر" قامت برسائل توعية للمجتمع والحكومة على حد سواء، من خلال ذكر المحاسن والخدمات لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يحل بالمملكة حاليا في ظل هيئة الترفيه.

 

 


وتداول النشطاء أيضا فيديو نسب لأحد أفراد الأسرة الحاكمة بالمملكة، هو الأمير عبد الله بن فهد آل سعود، الذي قال: "ما تقوم به هيئة الترفيه يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا وندعو بالسلامة".



مخاوف من "علمنة" المملكة

ولطالما روجت السعودية أن هيئة الأمر بالمعروف ساهمت بشكل كبير في "محاربة المفاسد" وإضفاء الطابع الديني للدولة، بالإضافة إلى الصورة التي تشكلت عليها المملكة في السطوة السياسية لآل سعود والدينية لآل الشيخ في العصر الحديث للمملكة. 

ويتابع رئاسة الهيئة أبناء "آل الشيخ" الذين ينحدرون من نسل "محمد بن عبد الوهاب"، ولكن لطالما جلبت ممارساتها السخط الشعبي. 

وكانت استراتيجية الحكام السابقين للسعودية في حال ازدياد السخط الشعبي على الهيئة أن يوجهوا بتغيير رؤساء الهيئة أو تقليص شيء من سطوتها للحفاظ على توازن الحرية الاجتماعية. 

إلا أنه في العهد الجديد للسعودية باتت المملكة أمام مخاوف من علمنتها، لم تجد هيئة الأمر بالمعروف موطئ قدم لها في رؤية 2030.

 

رصد 64 مليار دولار

وسبق أن أعلنت السعودية الشهر الماضي أنها ستستثمر نحو 64 مليار دولار في قطاع الترفيه خلال السنوات العشر المقبلة، على أن يتم جمع هذه الأموال من الحكومة والقطاع الخاص.

وكشف رئيس الهيئة أحمد بن عقيل الخطيب أن من بين المشاريع المرتبطة بقطاع الترفيه بناء دار للأوبرا.

وأضاف أن جدول الفعاليات الترفيهية للعام 2018 وحده يشمل نحو "خمسة آلاف" حدث. 

وبدت هيئة الترفيه إلى جانب السياحة "حجر الأساس" في رؤية 2030، الخطة الاقتصادية التي طرحها ولي العهد عام 2016، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بهدف وقف الارتهان للنفط.

تعزيز صورة التغيير

وحمل ابن سلمان "لواء التغيير" في المملكة منذ وصول والده للحكم، وتنصيبه ولي عهده، وصب اهتمامه على تحسين صورة المملكة في الخارج، وإعطاء المستثمرين صورة ليبرالية عن بلاده، وترويج الانفتاح الاجتماعي في السعودية.

وتعهد ولي العهد في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بقيادة مملكة "معتدلة" ومتحررة من الأفكار المتشددة، في تصريحات عدت "جريئة"، تلبي طموحات مئات المستثمرين المجتمعين في الرياض، وجاء في مقدمة حملته لترويج الانفتاح الاجتماعي الاهتمام بهيئة الترفيه وتقليص صلاحيات هيئة الحسبة بشكل تدريجي، ومنع أفرادها من كثير من مهامهم كإيقاف الأشخاص والتثبت من هوياتهم، وتحويل  الهيئة إلى إدارة تابعة وليست سلطة مستقلة.

وكان تعويل ولي العهد السعودي على الدعم الغربي، قد بدأ بالاستقبال الحافل الذي جرى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد وصوله للسلطة مباشرة، حيث كانت زيارته للسعودية أولى جولاته للخارج بعد توليه المنصب. وأثارت الصفقات الهائلة التي حصل عليها ترامب خلال زيارته، التي قاربت قيمتها الأربعمئة مليار دولار جدلا كبيرا حول سعي ابن سلمان للحصول على الدعم الأمريكي بكل السبل.

وعلى الرغم من الانعكاسات الإيجابية على صورة ولي العهد في الخارج إلا أن الأمر يثير مخاوف في الداخل، فلا يمكن معرفة مدى قبول المجتمع السعودي لهذا التحول المنهجي والفكري المفاجئ، فتقليل نفوذ التيار الديني له مخاطر معروفة في طبيعة نظام الحكم في السعودية، فمن بايعوه على السمع والطاعة كانوا يستندون في ذلك إلى أحكام الدين.

التعليقات (0)