مقالات مختارة

تداعيات الضربة الثلاثية على المكانة الإقليمية لتركيا

1300x600
1300x600

لا يمكن تجاهل تركيا في سوريا؛ هذا ما غرد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم أمس من على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مؤكدا أن تركيا رقم مهم وفاعل على الأرض السورية لا يمكن تجاهله أو تجاوزه.

فأهمية تركيا لم تتولد كنتاج لحضورها الميداني بل بسبب التصعيد الأخير الذي قاد دول الضربة الثلاثية إلى ادراك أهمية تركيا كلاعب أساسي في الإقليم والساحة السورية فغياب تركيا عن المشهد العملياتي لدول الهجوم الثلاثي، وعدم السماح بشن غارات انطلاقا من أراضيها افقد الهجمة زخمها؛ ودفع دوله إلى البدء بمغازلة تركيا من طرف خفي.

فالتعويل على الدور التركي تعاظمت أهميته وقيمته بعد الضربة الثلاثية الموجهة للنظام السوري إذ اعلن الكرملين أن الضربة العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد مواقع تابعة للنظام السوري، لم تنجح في دق إسفين الخلاف بين روسيا وتركيا؛ مبديا تفهما كبيرا للسياسة التركية إذ نقلت قناة "روسيا اليوم" عن دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية قوله "ليس سرا أن موسكو وأنقرة تختلفان في عدد من القضايا"؛ مضيفا أن هذا لا يمنعنا من تبادل الآراء ومناقشة اختلاف المواقف"؛ مرونة عالية تعكس حجم التعاون القائم بين البلدين والذي يتجاوز حدود الأزمة السورية نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية بينهما.

الموقف التركي تعزز بعد الضربة واصبح موضع تنافس بين القوى الدولية المتصارعة في سوريا امر كشفته تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال فيها إن "بلاده نجحت في الفصل بين الروس والأتراك في سوريا من خلال الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية"؛ تصريحات لم تحرج تركيا التي سارع وزير خارجيتها جاويش أوغلو إلى كشف حقيقة مغيبة بالقول: أن ماكرون كان حريصا على حضور الاجتماع الثلاثي في انقره والذي ضم "روحاني ؛ أردوغان ؛ بوتين" إلا أن طلبه قوبل بالرفض، لتلتحق فرنسا بدول الضربة الثلاثية على امل أن تجد لنفسها مكانا في المعادلات الآخذة في التشكل في الإقليم؛ ما يعد مؤشرا على مقدار هشاشة التوافق الثلاثي لدول الضربة وصعوبة استمراره؛ ففرنسا تبذل جهودا مضاعفة للزج بنفسها بالأزمة السورية ومزاحمة القوى الإقليمية والدولية كان آخره إعلان ماكرون تخصيص 50 مليون يورو للإغاثة الإنسانية.

الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا اختبرت بشكل واضح مكانة تركيا في سوريا؛ ذلك أن ميزان القوة المختل لصالح روسيا لا يمكن معالجته بدون تركيا أو بالشراكة معها على الأقل كقوة مستقلة لديها مصالح حيوية لا زالت القوى الأوروبية والولايات المتحدة تتهرب منها في حين تتفهمها روسيا إلى حد كبير.

تصريحات أردوغان تذكير بالدور التركي المتعاظم في سوريا والمنطقة والذي بدا يجني ثمار المبادرة الميدانية؛ فالأطراف كافة معنية بعدم كسب عداوتها واسترضائها في اقل تقدير في ظل تراجع قوة البدائل الأخرى وعلى رأسها المعارضة الكردية وإسرائيل بل العرب.

تصريحات أردوغان جاءت لتذكر الأطراف المتصارعة على الأرض السورية بمكانتها؛ خصوصا بعد تواتر الأنباء حول نية الإدارة الأمريكية الحالية الانسحاب وإلقاء مسؤولية المواجهة في سوريا على عاتق الدول العربية الخليجية والتي لا تملك فرصة كبيرة للنجاح بما فشلت به الولايات المتحدة الأمريكية؛ وفي ظل الحساسية العالية للحالة الأردنية التي لا ترغب في الانخراط في أزمة إقليمية ذات أبعاد دولية مكلفة؛ وفي ظل حرب تلوح في الأفق في حال استمر الكيان الإسرائيلي بنشاطه العملياتي في سوريا.

تصريحات أردوغان تكشف المركز القوي الذي باتت تركيا تتمتع به في التسويات المقبلة للازمة السورية امر ما كان بالإمكان تعزيزه لولا روح المبادرة التركية والأخطاء المتراكمة لقوى التحالف الغربي؛ إلى جانب الحالة المتأزمة في الملف الخليجي والاهم الملف الفلسطيني، معززا بحالة تصارع وتنافس بين المعسكر الروسي والأمريكي الذي بات الأرق الحقيقي للقوى الغربية، فاتحا ثغرات مهمة توسع من هامش الحركة والمناورة للجانب التركي، فكلما احتدم الخلاف بين القوى المتصارعة على الأرض السورية، وكلما ازدادت سخونة الجبهات والأزمات الإقليمية المتعثرة في الإقليم تعزز الموقف التركي، واصبح اكثر فاعلية في ترجيح كفة التوازنات القائمة باعتباره الطرف الأكثر موثوقية واستقرارا.

السبيل الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل