كتاب عربي 21

كتلة أكاذيب (2)

طارق أوشن
1300x600
1300x600

فيلم (المنطقة الخضراء – 2010) للمخرج بول غرينغراس، يعقد رجل أمريكا المستقدم بعد غزوها العراق لحكم البلاد مؤتمرا صحفيا..
الزبيدي: إنها بداية جديدة للعراق.. إنها نهاية الطغيان وبداية الحرية.
صحفي: إلى متى ستبقى القوات الأمريكية بالعراق؟
الزبيدي: طالما كانت هناك حاجة إليها....
وفي فيلم (W. – 2008) للمخرج أوليفر ستون، وبعد مواجهة بينه وبين كولن باول بحضور الرئيس جورج بوش الإبن ومساعديه، يقف ديك تشيني ليشرح رؤيته للأمور أمام خريطة العالم.


تشيني: هل تعلم ما أراه سيدي الرئيس؟ أرى العالم بعد ربع قرن وقد نفذت الموارد الاحتياطية لأمريكا والطلب يتزايد، ولدينا محيطان يغلقان علينا السبيل لموارد العالم. هل تعتقد أنه سيكون لدينا حلفاء وقتها؟ نحن نمثل 5 بالمائة من التعداد السكاني ونستهلك 25 بالمائة من طاقاته.

 

هل تعتقد أن روسيا والصين سيساعدوننا عندما يكونون هم أيضا في أمس الحاجة لتلك الموارد؟ 80 بالمائة من الاحتياطي العالمي المستقبلي للطاقة موجود في اوراسيا حيث تكمن الغنائم الأخيرة: النفط، الغاز والمياه.

 

العراق وحده يمتلك 10 بالمائة من احتياطي العالم وستين حقلا من ثمانين لم تستغل بعد هناك.. لدينا قواعد عسكرية في أكثر من اثنتي عشرة دولة حول العالم وإذا أضفنا العراق إليها فانظر ما الذي سيحدث.

 

نحن في منعطف حاسم للحضارة.. دجلة والفرات هما مهد الكتاب المقدس.. سنجفف هذا المستنقع ونعيد بناءه ونطور موارده لأقصى درجة.. سيكونون هم المالكون ونحن المديرون.. خطوط أنابيب النفط والممرات البحرية ومواردهم ستمول إعادة الإعمار.


كولن باول: وما هي استراتيجيتنا للخروج من العراق يا ديك؟
تشيني: ليس هناك من مخرج.. سنبقى.


بقيت القوات الأمريكية بالعراق لسنوات واجهت خلالها مقاومة حولت نزهتها لحرب حقيقية انتهت ب"خروجها صاغرة" دون أن تخف قبضتها على مقدرات البلد كما خطط لها تشيني بالضبط. فالعراقيون ملاك للنفط لكن الإدارة أمريكية بلا منازع.


ولتكريس هيمنتها كان لابد من دعم "رجالها" بالبلد مهما اختلفت الأسماء، وتكريس الطائفية بديلا عن عراق مستقر وموحد الصفوف. تحولت الانتخابات، رديف الديمقراطية عن العرب، إلى مجرد مسرحيات ستجرى إحدى فصولها بعد أيام، لتكريس الأمر الواقع محاصصة وتقاسم أدوار ومنافع بين ممثلي تيارات سياسية أقرب ما تكون للزوايا الصوفية منها لمؤسسات حزبية.

 

وليس هناك أقوى من الطائفية والمذهبية في الشرق الأوسط سلاحا للتفرقة والحرب الأهلية.


قبل غزو العراق، كان لابد من خطة تتوحد حولها الأمة الأمريكية في مواجهة الخطر الداهم كما صور لها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر فكانت كذبة أسلحة الدمار الشامل، التي تعاد صياغتها هذه الأيام في مواجهة سوريا، وكان شعار "محور الشر" ممثلا في دول كالعراق وكوريا الشمالية.

 

العراق صار لقمة سائغة بعد عشر سنوات من الحصار والتفتيش عن أسلحته وقدراتها العسكرية. أما كوريا فلا تزال في المواجهة لأنها لم تسمح يوما لأمريكا أو غيرها بالتسلل إلى داخل الداخل تحت أية ذريعة كانت.

 

القذافي واجه مصير صدام ومعه ليبيا بعد أن خر طائعا مستسلما بإرسال ما توفر لديه من أسلحة لأمريكا. سوريا قدمت جزءا من ترسانتها على ما يبدو ما يجعلها في قائمة الدول السائرة في طريق الاحتلال أو ما تبقى منها خارج سيطرة الأجنبي.


في فيلم (W. – 2008) يعود أوليفر ستون للبحث عن جذور الشعار والكذبة مقدما تصورا لاجتماع بالمكتب البيضاوي، بين جورج بوش الابن ومساعديه.


بوش: محور الكراهية؟ هل من أفكار ذكية أخرى؟
مساعد 1: ما رأيك في محور المراوغين؟
بوش: لا تكن لطيفا كيري.. هذا الموضوع جدي.


مساعد 2: أعتقد أننا نحتاج إسما أقوى. اسم يجذب الانتباه مثل ريغان وخطبته عن امبراطورية الشر.
مساعد 3: ماذا عن محور الشر؟
بوش: محور الشر؟ شر؟ نعم أحب إيقاع هذا الاسم.. إنه جيد.


كولن بأول: سيدي الرئيس كلمة "محور" مرتبطة بالحرب العالمية الثانية.. لا يمكن أن نربط ألمانيا واليابان بالعراق وكوريا الشمالية.


بوش: لا أوافقك كولن.. أسلحة الدمار الشامل تجعل هذه الدول أكثر خطورة.. يجب أن نبدأ بإخبار الشعب عن حجم هذه الحرب ومضامينها.


مساعد 4: الشعب الأمريكي يريد الانتقام.. لقد أعجبهم ما حدث لأفغانستان.. إنهم يريدون المزيد.
بوش: سنعتمد محور الشر.


هكذا بكل بساطة ترسم الخطط والشعارات قبل أن تصير أمرا واقعا وحقيقة مطلقة يرددها الخبراء العسكريون والاستراتيجيون في المنتديات وغرف الأخبار. والنتيجة غزوات وحروب وتفجيرات ودمار يعيد البلدان المستهدفة إلى وضعية القرون الوسطى.

 

العراق كان نموذجا لبلد اجتمعت فيه أسباب النهوض فكان لزاما القضاء على ذاك الطموح ولو استدعى الأمر أكاذيب وتلفيقات. مسؤولية النظام القائم وقتها ثابتة أيضا فيما حل بالبلد من دمار.


وكلما أنهي الأمريكان مهمة، على حد تعبير دونالد ترامب، حولوا خطتهم في اتجاهات أخرى في انتظار المرحلة القادمة الآتية لا ريب فيها.


روجر فارس، عميل للمخابرات المركزية الأمريكية في فيلم (كتلة أكاذيب – 2008) للمخرج ريدلي سكوت، يتنقل بين العراق ودول المنطقة سنوات بعد الغزو. يقع في حب عائشة فتطلب منه الأخيرة لقاء اختها. وعلى مائدة الغذاء يتحاورون.


أخت عائشة: ما عملك بالضبط؟
عائشة: لقد أخبرتك.. مستشار سياسي.


أخت عائشة: مستشار سياسي. ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟ أعذر جهلي.
فارس: أقدم مساعدتي لمستشاري صاحب الجلالة متى طلبوا مني ذلك.


أخت عائشة: وأنت تفعل ذلك الآن وليس قبل الحرب؟ لم تستشيرونا قبلها مطلقا.
فارس: أتفهم.. نفهم أن الحالة في العراق سببت مشاكل للشعب الأردني.
أخت عائشة: الحالة؟
عائشة: يعني الحرب.


أخت عائشة: كلا كلا.. لقد قال الحالة. ما الذي تعنيه بذلك؟
فارس: أعني القنابل على الطرقات وقتل الشرطة العراقية، الاختطافات والتفجيرات والعائلات البريئة التي محيت من على وجه الأرض.. ذلك ما أعنيه بالحالة العراقية.


الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة دوما لإسداء النصح لبقية الشعوب والحكومات في كيفية الخروج من أزمات هي من تسبب فيها دون العودة للمعنيين.

 

تلك هي العملة الرائجة والنافذة التي تجعل أمريكا بعيدة عن المحاسبة. الأنظمة في المنطقة رهينة للمساعدات الأمريكية وترامب لا يتورع عن تذكير الأنظمة بأن عروشها آيلة للسقوط دون دعم أمريكي. لقد صار الابتزاز علنيا حد استقبال بعض الضيوف الوافدين على البيت الأبيض بلوحات تحمل مبالغ الجزية وطرق صرفها.


الأكيد أن الخطة الأمريكية سائرة في طريقها وفق الإطار الزمني المرسوم لها وفي انتظار ذلك كان لزاما من أكذوبة جديدة تكرس للتواجد الأمريكي بالمنطقة حتى حين. الأكذوبة كانت منظمات الإرهاب والعين كلها على إيران.
عودة إلى فيلم (W.) لأوليفر ستون..


بعد اجتماع على الغذاء تبادل فيه مساعدو الرئيس جورج بوش الابن المسؤولية في اعتقادهم أن صدام حسين كان يملك أسلحة دمار شامل، وهي كانت سبب شن الحرب لغزو العراق لمن ذاكرته قصيرة، انتهى بإبداء دونالد رامسفيلد لرغبته في الاستقالة حفاظا على "مصداقيته"، يغادر الرئيس مائدة الغذاء غاضبا متبوعا بديك تشيني وكونداليزا رايس على طول ممر..
بوش: لقد كان الساندويتش المقدم على الغذاء سيئا.


تشيني: لا زلنا نعمل عليه.. يمكننا أن نجد شخصا لتوصيل الطلبات.
بوش: لا أصدق هذا.. لقد كانت لديه تلك الأسلحة.
تشيني: دون شك. ولكننا غيرنا خطتنا وأصبحنا نركز على الحرية والديمقراطية.
بوش: وماذا عن إيران؟ 


تشيني: هناك برنامج ضخم لتخصيب اليورانيوم يجري هناك. نحن نراقبه.
بوش: ابق على مراقبته.. هناك شيء ما يجري هناك. لدي إحساس بذلك.
إحساس الرئيس الأمريكي "المؤمن" لا يخيب أبدا..


0
التعليقات (0)