مقالات مختارة

الدولة وشبه الدولة!

جمال سلطان
1300x600
1300x600

الأسبوع الماضي، قامت عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (اف.بي.اي)، تشبه تقريبا الأمن الوطني عندنا، بمداهمة مكتب مايكل كوهين، المحامي الشخصي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خلفية أن المحامي المذكور كان الوسيط الذي دفع لممثلة أفلام إباحية، قالت مؤخراً أن ترامب أقام علاقة جنسية معها، مبلغ 130 ألف دولار أمريكي من أجل شراء صمتها، رغم أن العلاقة بين الطرفين كانت بالتراضي، وقالت الصحف الأمريكية أن "اف.بي.اي" صادروا ما قالت إنها وثائق اتصالات بين محامي ترامب ووكلاء له. وجاءت مصادرة بعض تلك الوثائق بطلب من المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكي روبرت مولر.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد علق، قبلها بأيام، على قضية دفع أموال لممثلة الأفلام الإباحية ستيفاني كليفورد، حيث قال إنه لا علم له بدفع أي أموال لها من أجل شراء سكوتها، وأنه لا يعرف لماذا قام محاميه كوهين بدفع المبلغ لها.

والتحقيقات الجارية لا تتعلق بأن الرئيس "لعب بديله" مع ممثلة أفلام إباحية، ولكن التحقيقات تبحث في الأموال التي دفعت، ومن دفعها، طالما أن الرئيس يقول أنها لم تخرج من جيبه، ولو ثبت أن جهة أجنبية أو حتى محلية "غير قانونية" دفعتها نيابة عنه فستكون الكارثة التي قد تطيح به من منصبه.
ترامب، رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، تقدم بالتماس لكي يتم تمكينه من الاطلاع على تلك الوثائق التي صادرتها أجهزة الأمن، غير أن القضاء رفض تمكينه من ذلك.

وترامب، رغم أي جدل حوله، هو رئيس أقوى دولة، ونجح بأصوات الناخبين، وحقق إنجازات اقتصادية ضخمة خلال السنة الأولى من حكمه، وأدخل إلى الخزينة الأمريكية مئات المليارات من الدولارات من صفقات سلاح وشراكة صناعية وتدريبات وخلافه، كما أوجد أكثر من نصف مليون فرصة عمل، ومع ذلك يعجز حتى عن الاطلاع على الوثائق التي استولت عليها الشرطة من مكتب محاميه، ويلتمس من القضاء أن يساعده على ذلك فيرفض.

إنها الدولة، والتي تختلف تماما عن شبه الدولة.

على جانب آخر من الكرة الأرضية، قضت محكمة في كوريا الجنوبية بسجن الرئيسة السابقة "بارك غيون هاي" 24 عاما، وألزمتها بدفع غرامة قيمتها نحو 17 مليون دولار بعد إدانتها في قضايا فساد تسببت في استقالتها من منصبها، وأّذيع الحكم على الهواء مباشرة ليكون نهاية المطاف لفضيحة الفساد التي هزت البلاد، وخلصت المحكمة إلى أن "بارك" استخدمت نفوذها لإجبار شركات كبرى، مثل عملاق التكنولوجيا سامسونغ وسلسلة التجزئة لوتي، على دفع تبرعات لمؤسسات تديرها صديقتها شوي سون سيل. وتضمنت الاتهامات أيضا إجبار بارك العديد من الشركات على منح هدايا لشوي وابنتها.

في تلك القضية لم يثبت أن الرئيسة "قبضت" رشاوى، كما لم يثبت أنها أهدرت المال العام أو قتلت أو ارتكبت مذابح ضد شعبها، مشكلتها أنها تورطت بمساعدة صديقة لها في الانتفاع من الشركات الكبيرة مستغلة نفوذها هي كرئيس للجمهورية، وقد أجبرتها التحقيقات في تلك القضية على الاستقالة من منصبها والبكاء علنا أمام ملايين المواطنين، قبل أن يحكم القضاء بإدانتها وسجنها 24 سنة.

"بارك غيون هاي" واحدة من أنجح من حكموا كوريا الجنوبية، وحققت إنجازات اقتصادية مذهلة، كما نجحت في محاربة العنف الجنسي والعنف المنزلي وحققت وعدها بما أسمته "نشر السعادة" في المجتمع، وقادت بلادها لتكون واحدة من أعظم 20 اقتصاد في العالم، بجوار العمالقة، ومع ذلك لم يشفع لها كل ذلك، وعندما أخطأت، كانت هناك الصحافة التي فضحت القصة، وكان هناك البرلمان الذي فتح النقاش حول فساد الرئيسة واضطرها للاستقالة، ثم كان هناك القضاء الذي حقق وأدان وحكم عليها بالسجن المؤبد.

إنها الدولة، والتي تختلف تماما عن شبه الدولة.

وعلى الطرف الجنوبي من القارة الأمريكية، في البرازيل، حكم القضاء بسجن الرئيس "التاريخي" للبلاد، لولا دا سيلفيا، تسع سنوات على خلفية اتهامه بالفساد، ولما كان الاستئناف زادت المحكمة العقوبة لتكون اثني عشر عاما، ودا سيلفيا هذا واحد من أعظم رجال السياسة الذين عرفهم العالم في نصف القرن الأخير كله، وتسلم بلاده وهي على حافة الفقر وغارقة في الديون، فانتشلها بعبقرية قيادة مدنية ذكية، وتركها وهي طافية على احتياطي نقدي يتجاوز مائتي مليار دولار، وهو الرجل الذي حقق أعظم مشروع للعدالة الاجتماعية في أمريكا الجنوبية والعالم، وهو الرجل المدني الذي عمل على تحديث جيش بلاده حتى أصبح أقوى جيش في أمريكا اللاتينية وأحدثه سلاحا وتدريبا، وهو الرجل الذي حسده الرئيس الأمريكي باراك أوباما على شعبيته وقال أنه أكثر منه شهرة وشعبية في العالم، واختارته أكثر من مجلة عالمية ـ مثل التايم ـ على صدر غلافها ليكون شخصية العام لإنجازاته التنموية والإنسانية في بلاده والعالم، وحصل على جوائز عالمية كثيرة.

ومع ذلك، لم يشفع له كل ذلك عندما أخطأ أو تساهل أو أخذته العاطفة في بعض الأوقات، فحقق معه القضاء بتهمة الفساد وتم الحكم بسجنه، غير عابئين بالمظاهرات الصاخبة التي عمت البلاد غضبا من أجله، لأنه "حبيب الفقراء" والرجل الذي وضع البرازيل على خريطة الاقتصاد العالمي.
إنها الدولة، والتي تختلف عن شبه الدولة.

ولذلك تنهض تلك الشعوب وتبرز تلك الدول بين الكبار، وتحقق الطفرات، وتنجح، وتتفوق، وتتبوأ مقاعدها في صدارة الأمم، بينما يعيش آخرون في ظلام الجهل والخيبة والعنتريات الفارغة وخرافات القائد الضرورة، الملهم، الذي وضع رأسه على كفه، الزعيم الذي لا بديل له، ولم تلد الأمهات مثله، حيث يتم إدماج الدولة في شخص الحاكم، حتى يروج كهنة تلويث العقول بين الجهلاء أنه شرط بقائها، وضامن حياتها، فإن رحل رحلت، وإن غاب غابت، وإن مرض مرضت، وإن سقط احترقت البلد وانهارت، هكذا يكون الوعي في أشباه الدول التي تبقى عادة في ذيل الدول على كل المستويات.

المصريون المصرية

3
التعليقات (3)
ادم
الجمعة، 20-04-2018 11:41 م
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
اينشتاين
الجمعة، 20-04-2018 07:50 م
يبدو أن الأخ مصري جدا متأثر بما يشبه الصدمة جراء الذي حدث ويحدث داخل حدود عالمنا العربي والإسلامي ، المشكلة كل المشكلة في دائرة الاستبداد ورافدها الاستعمار الرأسمالي الليبرالي الغاشم ، ذلك هو بيت الداء ، كلامك أخي بخصوص العدل والعدالة وإن شئت أحصيت الكثير من المبادئ والقيم والقوانين ، فقط عليك أن تفتح عينيك وتتأكد أين أنت ؟ ومن أنت ؟ وما قيمتك ووزنك وأثرك في واقع العالمين ، إن لم تغير تغير ، أليس كذلك ؟
مصري جدا
الجمعة، 20-04-2018 02:14 م
ما لم يستوعبه شعوب وحكام وحكماء وعلماء بلاد العروبة والاسلام اكثر بلدان الارض كلاما عن السماء ،، ان هذا الكون يسير ويتوقف ويبنى ويهدم وفقا لقوانين ،، لا صلة لها بكفر او ايمان ،، من هذه القوانين الكونية العدل والعدالة ،،، والتي اذا انتظمت قامت الدول وتقدمت واذا اختلت تراجعت وتقهقرت وفقدت الاشياء قيمتها وفي المقدمة الانسان وسرعان ما نرتد للخطايا الاولى حين اعطى قابيل لنفسه الحق في قتل اخيه ،،، كم منا وبيننا من قابيل ،،،