قضايا وآراء

أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين

عصام تليمة
1300x600
1300x600
تناولنا في مقالاتنا السابقة بعض المحاولات الفردية التي قام بها أعضاء في الإخوان لكتابة تاريخهم، وقيمنا بعض هذه التجارب تقييما علميا، وأخيرا قامت جماعة الإخوان بتشكيل لجنة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي لتقوم بجمع تاريخ الإخوان، وأرشفته، وكتابته، وصدر عن هذه اللجنة كتاب تحت عنوان: "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين"، ووضع عليه اسم الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز، بحكم إشرافه على الفريق الذي يكتب، وقد صدرت منه إلى الآن سبعة أجزاء. وقد كانت تصدر سلسلتان عن هذه المجموعة قبل ثورة يناير، الأولى باسم: تراث البنا، والثانية باسم تاريخ الإخوان، وقد كانت تصدر كل الكتب باسم الأستاذ جمعة، رحمه الله، ثم قمت بإرسال رسالة اعتراض على ذلك، وخطورة هذه الأمر علميا، في رسالة مطولة بما في العملين من ملاحظات علمية، في ثلاث وثلاثين صفحة. حمل الرسالة لمكتب الإرشاد؛ الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فك الله أسره، وقت عضويته في المكتب، وبينت أن هذا العمل هضم لحق الشباب والباحثين الذين قاموا بالجهد كله. ويُحمد لمكتب الإرشاد استجابته لذلك، وصدور السلسلة فيما بعد وعليها أسماء الشباب الباحثين.

وقد بدأ هذا الجهد فعليا في منتصف السبعينيات، كجمع لأرشيف الجماعة من كل الصحف قدر الاستطاعة، ولجمع تراث المؤسس (الشيخ حسن البنا)، وقد تم القيام بالمهمة بالفعل، وتم وضع مواد الجمع على ميكروفيلم. وتولت العمل مجموعة في حدود ستة أفراد، منهم الأحياءومنهم من مات، وقد قابلت بعضهم، ولكنهم أبوا جميعا ذكر أسمائهم، وتناست اللجنة التي نشرت التراث، وتناسى التاريخ ذكر أسمائهم أيضا تماما، أو حتى الإشارة إلى جهدهم.

وصدر هذا العمل في سبعة أجزاء، تحت عنوان: "صفحات من تاريخ الإخوان المسلمين". ورغم هذا الجهد الجماعي، والذي انبثق عن لجنة من جماعة الإخوان، إلا أنه لم يخل من ملاحظات لا تقل عن الملاحظات التي أبديناها على العمل الفردي الذي قام به أفراد وحدهم، ومن هذه الملاحظات:

1- كتاب بلا منهج واضح: فللأسف لم يكتب في مقدمة السلسلة، ولا في أي جزء منها، المنهج الذي ستتبعه الجماعة في الكتابة، ولا طريقة التحليل للأحداث، ولا المصادر وكيفية الحصول عليها، على خلاف معظم التجارب التاريخية التي تكتب، حيث يبين كتابها - غالبا - في المقدمة؛ أي منهجية علمية سينهجونها في الكتابة.

2- تاريخ مناقبي: فللأسف، من أول صفحة إلى آخر صفحة من المجلد السابع (آخر ما كتب وصدر) نرى هذا التاريخ مناقبيا، فهو معني بمزايا الإخوان، وكأنهم لا يخطئون أبدا، رغم أنه يتناول تاريخ جماعة بشرية، الأصل فيها الخطأ، وما أخطأت فيه لها عذرها، وما أصابت فيه تشكر عليه. وقد علق الشيخ محمد الغزالي في مذكراته على هذا الخلل في بعض كتابات الإخوان عند تناولهم لفكر الجماعة وتاريخها، فقال: "وكان ظني أن الإخوان بعد مقتل مرشدهم وحلِّ جماعتهم في ظل استبداد مسعور، سوف يستفيدون من التجربة، ويستبقون في مصر ضمانات الكرامة الإنسانية، ومعالم الحياة العامة، أفذلك وقع؟ كلا... لقد مشى الأمر في طريق آخر!

وقد أحزنني وأنا في "الطور" أن الإخوان عموما يرفضون أي اتهام لسياستهم، وقد قلت: إنه بعد هزيمة أُحد وقع اللوم على "البعض" من الصحابة، فلماذا لا نفتِّش في مسالكنا الخاصة والعامة؟ فقد يكون بها ما يستدعي التغيير! وما يفرض تعديل الخطة! لكن هذا التفكير لم يلق ترحيبا!

والواقع أن الفكر السياسي عند جمهرة المتدينين يتّسم بالقصور البالغ. إنهم يرون الفساد ولا يعرفون سببه، ويقرؤون التاريخ ولا يكشفون عبره، ويقال لهم كان لنا ماض عزيز، فلا يعرفون سرّ هذه العزة، وانهزمنا في عصر كذا، فلا يدركون سبب هذه الكبوة، ويشعرون أن العالم الغربيَّ بزغ نجمه، فلا يدرسون ما وراء هذا البزوغ!".

3- تاريخ منغلق المصادر: فمعظم مصادره - إلا النزر اليسير فقط - هو مجلات وجرائد الإخوان المسلمين، وكأن اللجنة قامت بتفريغ المجلات من الأخبار، والمقالات، والمواقف، والبيانات الصادرة عن الجماعة، أو مرشدها حسن البنا، وعنونتها، وتقسيمها إلى أبواب، وفصول، ومباحث، وسنوات تاريخية.

4- تقييم المراحل: كما غاب عن الكتاب تقييم المراحل التي مرت بها الجماعة، ووضع أهداف لكل مرحلة، وما حدث فيها، وما تحقق من إنجازات، وما كان من إخفاقات.

بقي أمر مهم، حتى لا يفهم الهدف من هذه المقالة خطأ، وهو أن ما ذكرته من ملاحظات لا يقلل من أهمية هذه الجهود وقيمتها، بل هي بداية مهمة وصحية للتعرف على الإخوان المسلمين، المشروع والتجربة والمسيرة، فإن كتابة أي تجربة يعين على نقدها، ومعرفة مواطن الخلل، ومواضع القوة والضعف فيها.

على أنه من الممكن أن يعتبر هذا التاريخ أجندة، أو أرشيفا، أو تمهيدا لمرحلة قادمة، تقوم على التحليل؛ لأن هذه المرحلة هي مرحلة رصد، فلم يَعْدُ أن يكون رصدا للمواقف والأحداث، ولا يوجد التحليل التاريخي المطلوب الذي يأتي دوما بعد الرصد، وهو القيام بدور وكيل النيابة. وهذا ليس عيبا، فقد فعل ذلك معظم المؤرخين الكبار، كالطبري وغيره. وبقيت ملاحظات علمية على تاريخ الإخوان بوجه عام نفصلها في مقالات مقبلة إن شاء الله.

[email protected]
التعليقات (3)
علي
الثلاثاء، 01-05-2018 06:18 ص
مع احترامي لشخصك بقول انه في اشياء اكثر اهميه في هذه المرحله من انتقاد الاخوان وتتبع زلاتهم. وان كان جل ما ذكر صحيح. ولكن وجب حسن اختيار الوقت. والله اعلم
مرسي الجندي
الإثنين، 30-04-2018 04:10 ص
نفس الأجنده السوداء في بث الكراهية وإظهار لعامة الناس أن هناك ظلم من القاده. والسؤال يابوق في غياب وتكميم الإخوان وقادتهم حتى الصف الثالث إلا من أراد العسكر ومن خلفهم دوليا أن يخرج ويستخدم لحسابهم وعلى قنواتهم لوأد الشرعية وترسيخ مفهوم التمزق والإنقسام ثم قتل الأصل وسرفة الإسم كما في الأردن وبلاد سايكس بيكو لقتل الأصل والأصوليه وصنع المسخ ليدهن ويدهنون.. سؤال يافقيه شاشات قومجية وأد الشرعية وبث السموم في معسول الكلم وءرقة امجاد الأخيار بعد تكميمهم وقتل الأصل لسرقة جمهورهم وكتلتهم التصويتيه..هل هناك معنى في قرآن رب االعرش لمصطلح "متدين" ويقابله غير متدين؟؟ وهل هذه السموم الدارجه لتحريف أصول المعاني لتصنيف الناس تمر على الذين يعلمون وعلى العارفين الفقهاء في اللغة والإستنباط؟؟؟
مصري جدا
الأحد، 29-04-2018 09:13 م
استاذ عصام تليمه حفظه الله ،،، يقولون لكل مقام مقال ،، ولكل حدث حديث ،،، رآي الشخصي ان تناول تاريخ الاخوان اي كانت صورته لا ينلسب طبيعة المرحلة التي نحياها ،،، الاخوان وخاصة في البلد الام يعاني تهديد وجودي وليس حدودي ،،، بعد نجاح العسكر في ثورتهم المضادة ،، واتصور ان الكتابة عن التعاطي مع الواقع من حيث تصحيح الصورة ومكافحة التشويه والشيطنة وكيفية الحياة في شعب ابي طالب المصري ودفع المعاناة والحفاظ على حياة الافراد وما تبقى من الجماعة بل وما تبقى من مصر وشعب مصر وكيفية الخروج من المازق الحالي ،،، وغيرها من النقاط الحرجة قد تكون لها الاولوية خاصة اننا في حاجة اليها اكثر من حاجتنا الحالية لتاريخ الجماعة المهدد وجودها اصلا ،، شكرا لك