قضايا وآراء

عن مرحلة خطيرة للصراع الأمريكي الإيراني

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600
انتقل الصراع بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي إلى أخطر مراحله منذ العام 1979، بعد أن أحدثت الثورة انقلابا جذريا في العلاقات الإيرانية مع الغرب عموما، وواشنطن وتل أبيب خصوصا. 

المرحلة الجديدة بدأت تطيح بمعادلة "لا حرب ولا سلام" القائمة منذ أربعة عقود لصالح معادلة المواجهة المباشرة على أكثر من صعيد، بعد أن استنفدت الحروب بالوكالة أغراضها ولم تعد الخيار الأنسب في الصراع من جهة، وفشلت الدبلوماسية في إحداث اختراق ما، بعدما أغلق الرئيس دونالد ترامب بابها بالشمع الأحمر من جهة أخرى. هذه المرحلة أطلقها تلاقي المصالح بين اليمين الإسرائيلي واليمين الأمريكي المتطرفين الحاكمين في ظروف مفصلية في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، برزت ملامحها الأولى في تصعيد أمريكي وإسرائيلي غير مسبوق ضد إيران خلال الأسابيع والأيام الماضية. 

لأن تصل العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى هذه النقطة الفاصلة ليست مفاجئة كبيرة، حيث في ظل تضاؤل أو انعدام فرص الدبلوماسية في حل الأزمة الثنائية، كان متوقعا وصول تراكمات العداء المتبادل بين الجانبين على مدى العقود الأربع الماضية إلى نقطة الانفجار، قرّبها مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتمي إلى التيار الجمهوري المتشدد الأكثر عداء لإيران. بعيد حفل تنصيبه بأيام، تناولت ذلك في مقال معنون بـ"إيران أولوية السياسة الشرق أوسطية لترامب" ، نشره موقع عربي 21، وكذلك في مقالات لاحقة، أنه بعد القضاء على تنظيم الدولة، إيران ستشكل الأولوية القصوى للإدارة الأمريكية، وأن الانسحاب الأمريكي المرجح من الاتفاق النووي في ظل انعدام أي بديل له في ظل الرفض الإيراني المستمر للمطالب الأمريكية، يعني أن هذه الإدارة تفكر جليا بالبديل العسكري على المدى المتوسط أو البعيد في مواجهة طهران.

اليوم الغاية وراء التصعيد الأمريكي تتجاوز تحقيق المطالب التي ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية، سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووي نفسه أو القدرة الصاروخية أو النفوذ الإقليمي لإيران، إنما الغاية هو تغيير نظام إيران ثم إحداث تغييرات في جيوبوليتيكها، حسبما أكد مسؤولون إيرانيون وأمريكيون ذلك، على رأسهم الرئيس ترامب نفسه الذي كشف محاميه، عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني، علنا عن رغبة سيّد البيت الأبيض في "تغيير النظام" بإيران. 

في السادس من أيار الحالي، نقلت صحيفة "بوليتيكو" عن جولياني أنه قال مؤخرا في مؤتمر جمعية المهاجرين الإيرانيين في الولايات المتحدة الأمريكية: "إن ترامب مهتم بنفس القدر بتغيير النظام في إيران، مثله مثل كل أولئك المجتمعين في هذا المؤتمر".

كما أن هذه الرؤية يتبناها أعضاء بارزون أخرون في البيت الأبيض، منهم الرئيس الجديد لمجلس الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" الذي يحل ضيفا سنويا على مؤتمرات منظمة مجاهدي خلق المعارضة في باريس، حيث أكد في أكثر من مناسبة أن "هدفنا يجب أن يكون تغيير النظام في إيران."

فضلا عن أن التصعيد المزدوج (الأمريكي والإسرائيلي) ضد الجمهورية الإسلامية هذه الأيام يستهدف إلى تحقيق تلك الغاية في نهاية المطاف، لكن ثمة أهداف أخرى يبتغيها هذا التصعيد في الوقت الحاضر، أهمها صرف الأنظار عن المحاولات الرامية لفرض حل للقضية الفلسطينية من جانب واحد، التي يفترض أن تتوج خلال الأيام القادمة بطرح بات معروفا بـ "صفقة القرن"، من خلال تسخين الجبهات مع إيران.

اليوم، التصرفات الإسرائيلية والأمريكية لم تبق لإيران خيارا إلا المواجهة التي باتت تتصاعد بالتدرج، عليه جاء هجوم صاروخي إيراني محدود على الجولان المحتلة ردا على الهجمات الإسرائيلية ضد القوات الإيرانية في سوريا. ورغم أن إيران لم تتبنى رسميا هذا الهجوم إلا أن جميع المؤشرات تؤكد أنه كان إيرانيا بامتياز، وأول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل. 

احتمال أن تتحول المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في الأراضي السورية إلى حرب طاحنة بين الطرفين تتجاوز هذه الساحة ليس كبيرا، لكنه غير مستبعد ووارد، فبعد أن كسرت طهران حاجز الرد على هجمات إسرائيل، ستقابل أي هجمات مستقبلية للأخيرة بأخرى مماثلة، ما يفتح الباب على جميع الاحتمالات.

كما أن التفكير الأمريكي بالخيار العسكري كبديل للاتفاق النووي لا يعني قرب المواجهة العسكرية، أقله على المدى القريب، والمرجح في الوقت الراهن أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحابها من الصفقة النووية، ستكثف ضغوطها السياسية والاقتصادية على إيران عبر إعادة العقوبات عليها وبشكل أشد من قبل لأحداث البلبلة والفوضى وتأليب الشارع على النظام. 

إلى جانب ذلك، ولأسباب كثيرة، يستبعد أن تقرن أوروبا موقفها الرافض للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والمؤيد للإبقاء عليه بإجراءات عملية ضد الضغوط الأمريكية للانضمام إلى سياسة فرض العقوبات التي يفترض أن تعاد ضد طهران خلال الأشهر الثلاثة أو الستة المقبلة حسب إعلان الخزانة الأمريكية. لذلك المفترض أن نشهد بعد هذه الفترة تناقضا واضحا بين أقوال أوروبا وأفعالها، إذ ستواصل تأكيدها الكلامي على الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، لكنها عمليا ستتصرف وفق ما يترتب على الانسحاب الأمريكي من هذا الاتفاق. ما لا يبقي أي خيار لدى طهران إلا الخروج من هذا الاتفاق أيضا في نهاية المطاف.

خلال هذه الفترة، ستسعى الترويكا الأوروبية توجيه ضغوط دبلوماسية وإعلامية كبيرة على إيران للنزول عند المطالب الأمريكية والأوروبية الداعية إلى التوصل إلى اتفاقية سواء أكانت شاملة أو تكميلية للاتفاق النووي. وربما الاستقالة المفاجئة لكبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية "تيرو فارخورانتا" بعد أيام من انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، والتي يرجح أنها جاءت بضغوط أمريكية، تستهدف استصدار تقارير أممية ضد إيران بعد أن أصدرت الوكالة أكثر من عشرة تقارير أكدت التزام طهران بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي.

أما يتوقع أن تظل إيران على موقفها الرافض لتلك الضغوط والمطالب من جهة، وتعزز أوراقها الإقليمية من بغداد إلى دمشق إلى بيروت وغيرها من ساحات من جهة أخرى، استعدادا لأي طارئ أو حدث ما، هدّد ترامب باللجوء إليه بعيد إعلان قراره بشأن الاتفاق النووي إذا ما واصلت إيران رفض التفاوض حسب تعبيره. تقول إيران على لسان أكثر من مسؤول لها أنها لا تريد الحرب، لكن إن تعرضت لها ستنقل شرارتها إلى العواصم المعادية لها في المنطقة.

الخلاصة هي أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والمواجهات على الساحة السورية من شأنها أن تقود المنطقة نحو الهاوية. فالأمور باتت تتعقد أكثر فأكثر وهي تتدحرج نحو أحداث كبيرة وربما مفاجئات خلال الفترة المقبلة، سواء أكانت تلك التطورات انفجار وشيك أو اشتداد المواجهات هنا وهناك تنتهي إلى هذا الانفجار أو تطور مفاجئ كالذي حدث في الملف الكوري الشمالي، مع احتمالية ضعيفة جدا للأخير في ظل المعطيات الراهنة.
0
التعليقات (0)