كتاب عربي 21

قليل من التجانس.. لو سمحتم!!

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
ضجة غريبة في تونس حول فرضية أفرزتها الانتخابات البلدية الأخيرة وبطلتها سيدة. لقد فازت بدائرة تونس المدينة قائمة حركة النهضة التي على رأسها سعاد عبد الرحيم التي كانت عضوة بالمجلس الوطني التأسيسي، وهو ما فتح الباب أمام إمكانية أن تتولى امرأة لأول مرة منصب شيخ المدينة. وبدل أن تصبح هذه الفرضية أمرا مرحبا به في بلد تمتعت فيه النساء بمكاسب كبرى مما جعلها رائدة في العالم العربي والإسلامي، إذا بالحسابات الضيقة تتغلب وتدخلت الاعتبارات الحزبية والأيديولوجية بقوة، فإذا بالمسألة التي كانت تبدو بديهية تتحول إلى نزاع مفتوح انقلبت فيه الأدوار بشكل مدهش وغريب.

يتمسك الإسلاميون من جهة بحق المرأة في أن تتولى هذا المنصب، وفي المقابل ارتفعت أصوات هنا وهناك، محسوبة على الجناح الحداثي، لتعترض على ذلك، مرة بحجة أن الفائزة نهضوية ولا تؤمن بالمساواة الكاملة بين الجنسين، ومرة أخرى بالقول بأن ذلك لا يجوز؛ نظرا لتعارضه مع التقاليد، حيث لا يمكن لامرأة أن تشارك ضمن الموكب الرسمي في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من كل سنة. والأغرب من كل ذلك، أن القائل بهذه "الحجة" الأخيرة هو الناطق الإعلامي لحزب نداء تونس، المتمسك بأن يكون مرشحه هو شيخ المدينة القادم، والذي يعتبر نفسه الوارث الشرعي للمشروع الحداثي البورقيبي.

ماذا يحدث في تونس؟

لا يخفى على أحد أن التنافس بين الأحزاب والتيارات على أشده من أجل الحكم. وهي ظاهرة طبيعية في بلد يتدرج نحو الديمقراطية. وقد أكدت نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة أن حركة النهضة استعادت صدارة الأحزاب، رغم الصعود المدوي للقوائم المستقلة، واتضحت المسافة بينها وبين حزب نداء تونس، الفائز الرئيسي خلال الانتخابات البرلمانية لسنة 2014، والذي يعتبر الحزب الحاكم، والذي فقد خلال أربع سنوات فقط 16 نقطة. وهو ما جعل شركة سيغما المختصة في عمليات سبر الآراء؛ تؤكد في آخر استطلاع لها أنه "باستثناء التصويت النهضوي، لا يوجد في تونس اليوم تصويت وفيّ لحزب بعينه، بل هناك تصويت يتحرك بصفة هامة"، وذلك بعد أن فقدت أهم الأحزاب جزءا هاما من جمهورها الانتخابي. وهكذا، عاد من جديد الحديث عن اختلال موازين القوى لصالح حركة النهضة، وارتفعت من جديد الأصوات المطالبة بضرورة التصدي لذلك؛ لإنقاذ البلاد من هيمنة الإسلاميين. ورغم أن تحقيق التوازن السياسي هدف مشروع، لكن هل يجوز التوصل إليه بأي ثمن وبأي وسيلة؟

كان بالإمكان أن يتم حسم مسألة الترشح لمنصب "شيخ المدينة" عبر التصويت أو التحالف بين مكونات المجلس البلدي المنتخب، بعيدا عن التبريرات ذات النكهة الأيديولوجية التي من شأنها أن توقع أصحابها في تناقض صريح مع الشعارات التي يرفعونها. فموضوع تمكين النساء أصبح أمرا محسوما في تونس منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية، ويفترض بأن التنافس السياسي بين الأحزاب يجب إبعاده وعدم استعماله في سياق متعارض مع مسألة التمكين الجندري.

لنفترض أن سعاد عبد الرحيم، هذه المرأة غير المحجبة، ليست مع المساواة المطلقة بين الجنسين، كما تطالب الحركة النسوية في تونس، فهل ذلك شرط كاف لعدم دعمها لتصبح أول شيخة مدينة، مع العلم أنها المرأة الوحيدة في السباق؟ وهل في المقابل؛ مرشح حزب نداء تونس لهذا المنصب، وهو رجل، مؤمن حقا بتحقيق هذه المساواة الكاملة بدون أي تحفظ؟

ألم تكشف استطلاعات الرأي عن وجود 70 في المئة على الأقل من التونسيين والتونسيات ليسوا مع المساواة في الارث بين الجنسين؟ وبالتالي، هل يمكن أن يعتبر ذلك كافيا للقطع معهم وتبرير عدم دعم الكثير منهم من الوصول إلى مواقع عديدة للمسؤولية إلا بشرط التخلي عن تحفظاتهم حول هذه المسألة، رغم تأييدهم وإيمانهم ببقية الحقوق التي تتمتع بها التونسيات؟

ألم تدافع الحركة النسوية عن جعل المناصفة في القانون الانتخابي شرطا إجباريا، رغم علمها المسبق بأن الإسلاميات يمكن أن يستفدن من ذلك، ويعززن من حضورهن في المجالس التشريعية، وهو ما تم في المجلس التأسيسي وفي البرلمان؟ وقد كان ذلك موقف ناضجا وإيجابيا من النسويات؛ لأنه إجراء من شأنه أن يرتقي بالنساء عموما، ويجعل العديد منهن يصلن إلى مراكز القرار.

هناك حقا لدى البعض خلل في المنهج وفي الرؤية والتحليل.
التعليقات (1)
اينشتاين
الإثنين، 14-05-2018 10:14 م
ماذا إذا كانت السيدة سعاد ضمن قائمة حزب يساري ، هل كان أحد يعترض على إمكانية ترأسها المجلس البلدي ؟ حركة النهضة قادرة على قراءة كل المعطيات في وقتها المناسب وإعطاء المثال المطلوب خدمة للصالح العام المتصل بمسار أمن وأمان التونسيين بغض النظر عن كل اعتبار .