مقالات مختارة

القدس ودوار القمة

صالح عوض
1300x600
1300x600

لم يكن أطفال غزة وشبابها وشيوخها ونساؤها معنيين كثيرا بتفسيرات النظريات السياسية والاستراتيجية، ولم تشغلهم كثيرا نبوءات المحللين والاستشرافيين، فقط كان يحركهم دافع فطري عميق وإحساس روحي شفاف، أن رحلة عودتهم بدأت، وأن رياحها المباركة تلامس أديم الأرض، فتحيل الأشياء البسيطة إلى مساعد أساس في معركة يعد لها الآخرون كل ما لديهم من تكنولوجيا وجبروت.

أما أصحاب القمة في صناعة القرار الأمريكي، وأصحاب القمة من الحكام العرب والمسلمين المجتمعين في اسطنبول وأصحاب القمة في قيادة الكيان الصهيوني وحتى بعض أصحاب القمة في الشأن السياسي العربي والفلسطيني، فهؤلاء جميعا مصابون بدوار القمة كما يصاب احد الناس الذين يقفون على طرف مبنى شاهق وينظرون إلى اسفل وتتسارع في مخيلاتهم الصور فتشدهم الأرض العجيبة بجاذبيتها إلى القاع.. هؤلاء جميعا في القمة.. قمة الجبروت وقمة الطغيان وقمة التخلي والتولي والانهيار..

أمريكا بكل قوتها وعلومها وصناعاتها واقتصادها العملاق وجيوشها الفتاكة تجد نفسها في حرب مع شعب هو الأكثر تشردا في العالم والأكثر مظلومية في العالم والأكثر محاصرة في العالم.. تقف أمريكا محاولة نزع روحه -القدس- وهي تجهل فلسفة هذا الشعب الذي يضيء قناديل القدس من دمه منذ اكثر من قرن أي منذ انهارت المنطقة وفر العرب والمسلمون من واجب إسراج قناديل القدس.. تقترب أمريكا من وضع القدس في قبضتها لتعصرها فيستعصي ذلك عليها لتحول هضاب القدس وأزقتها وصخورها خناجر تنشب في سمعة أمريكا وهيبة أمريكا وسطوة أمريكا.

أما القمم الأخرى جميعا فهي تعرف أنها في مهلكة، فقيادات الكيان الصهيوني تفقد صوابها وها هم قادتها يتحولون إلى مهرجين، وفيما حكايات المفاسد تلاحقهم يحاولون صرف النظر بصناعة معارك دنكشوتية مع الفلسطينيين الذين يوجعونهم في صميم قلوبهم.. وقيادات العرب والمسلمين الذين اجتمعوا في اسطنبول أو الذين تقطعت بهم السبل برأي أمريكي أو تقدير لمشاعر الصهاينة، فهؤلاء جميعا يتحسسون مواقع كراسيهم ومواضع الحبال على أعناقهم ويدركون أن “المعلم” الأمريكي لن يسمح بالخروج عن النص المعد.

الأمريكان والصهاينة ومن ارتضى أن يكون معهم ضد فلسطين والقدس إنما هو الآن في قمة الظلم والعتو ويكونون قد أكملوا روايتهم ولينتظروا بعد ذلك رواية أخرى تماما لم تخطر على بالهم أنها رواية أهل فلسطين.. رواية العودة إلى فلسطين.

ما يجهله أصحاب القمم أن شعب فلسطين لا تحده جغرافيا، فهو ليس فقط أبناء فلسطين إنما هم أولئك الذين تسري في عروقهم محبتها وعشقها من طنجة إلى جاكرتا.. فكل العواصم تنبض بالقدس وفلسطين، وفي كل البلاد القدس هي عاصمة الروح.

كل ما فعلته القمم أنها تزيح الغشاوة والحرج أمام ملايين الأمة وملايين أحرار العالم لتصبح القدس عاصمة كرامة الإنسان، وتصبح القدس عاصمة الإيمان والإسلام، وتصبح القدس راية كل الشرفاء، فتمور الأرض بأهلها، ويتساقط من يقف في القمة إلى المنحدر السحيق، ويسألونك متى هو؟ قل إن وعد الله آت.. وإن الله لا يخلف وعده.

الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)