مقالات مختارة

السيسي في الخرطوم.. مقاول التفكيك والتمحور

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم أمس الأول الخميس قبل زيارة له معلنة مسبقا بثلاثة أشهر أي في أكتوبر المقبل، وكذلك بعد زيارة لنظيره السوداني عمر البشير إلى القاهرة بأربعة أشهر، في 19 مارس الماضي. هذا الترتيب المفاجئ أثار عددا من التساؤلات والتكهنات؛ فهل يرمي السيسي إلى وضع علاقات البلدين في إطار تحالف أمني يخدم النظامين في دحر وتطويق المعارضة في كلا البلدين، أم أنها زيارة معنية بقضايا إقليمية وتطورات الأوضاع في إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، أم أن السيسي يحمل في جعبته رسالة من حلفائه في محور الإمارات والسعودية قد تتضمن عرضا اقتصاديا ثمنه انضمام الخرطوم لهذا الحلف؟


لعل الهدف الاستراتيجي المرحلي لمصر في الوقت الحالي تفكيك ما تراه تحالفا سودانيا إثيوبيا على خلفية مشروع سد النهضة الإثيوبي. وهناك مؤشرات بنجاحها إلى حد ما عبر زرع الشكوك والهواجس بين البلدين واستغلت القاهرة حماس القيادة الإثيوبية الجديدة واندفاعها نحو تحقيق اختراقات إقليمية. وفي الوقت الذي تنظر فيه أديس لعلاقاتها مع أسمرا من منظور إيجابي تحاول القاهرة دفع تلك العلاقات في اتجاه خلخلة التناغم السوداني الإثيوبي الذي يثير قلقها، وفي ذات الوقت فإن افتقاد القيادة الإثيوبية الجديدة للنظرة الشاملة والإستراتيجية لعلاقات جوارها قد يجعل منها أداة طيعة في أيدي المخابرات المصرية.


القاهرة اليوم تسعى لأن تكون لها علاقات جيدة مع كل من إثيوبيا والسودان واريتريا شريطة ألا يكون لهذه الدول الثلاث تواصل بيني ترى فيه مصر تهديدا لمصالحها وإن كان هناك من بُدٍّ لتواصل فيما بين هذه الدول فليكن بمعرفة وموافقة القاهرة وتحت نظرها ومراقبتها.


ويبدو أن هناك قضية أساسية يمكن الاتفاق حولها وهي أن البحر الأحمر غدا بحيرة إستراتيجية يحتدم حولها الصراع الدولي قبل الإقليمي. وقد أثار اقتراب تركيا من ميناء سواكن السوداني على البحر الأحمر حفيظة محور (مصر والسعودية والإمارات) وإن استثنينا إثيوبيا واريتريا، فإن الوجود الجغرافي للصومال والسودان مع بعض التموضع التركي فإن المحور الآخر ينظر خيفة إلى ذلك باعتباره خطرا إسلاميا في طور التشكّل يحدق بالبحر الأحمر.


من جهة أخرى واشنطن وإسرائيل يهمهما تنفيذ صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية بدون تشويش وما قبول السعودية بها وترتيبات تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير الأمر الذي منح إسرائيل ممرا دوليا جنوب خليج العقبة، إلا خطوات في هذا الاتجاه. وعليه مطلوب أن تسود الغلبة في البحر الأحمر لمحور (مصر والسعودية والإمارات) وإبعاد الخطر التركي والإسلام السياسي من المنطقة.


فالمطلوب على صعيد الضفة الغربية من البحر الأحمر، أولا تحييد إثيوبيا واريتريا أو ضمهما بصورة أو أخرى للمحور المعادي لوجود إسلامي بالبحر الأحمر. ولعل نظام مصر يمثل المقاول الرئيسي للقيام بدور التفكيك وترتيب التمحور حول البحر الأحمر لمكافحة أي تمحور تركي إسلامي في هذا الممر الاستراتيجي. وعليه فإن التحركات المصرية لا تخرج عن إطار هذا الهدف وشجعت القاهرة ومن ورائها أبوظبي والرياض - وإسرائيل من وراء الكل - اريتريا وإثيوبيا لإنهاء حالة العداء بل التحول سريعا لحالة من التحالف الاستراتيجي.


وقد شهدت إثيوبيا مؤخرا زيارات مكثفة من مسؤولين رفيعي المستوى من كل من السعودية والإمارات. وإثيوبيا بعد أن وصل تنفيذ سد النهضة نسبة نحو أكثر من 60% ورضوخ مصر لحد ما لأمره الواقع تحتاج للتهدئة والتبريد مع مصر التي تسبب صداعا مستمرا لها. وفي ذات الوقت فإن مصر السيسي تبحث عن أي انتصار وهمي في ملف سد النهضة لتقديمه للداخل المصري. وإثيوبيا تكسب كثيرا إن أمكنها استعادة العلاقات مع إريتريا ومن ثمّ استخدام ميناء مصوع بدلا من موانئ جيبوتي والسودان البعيدة نسبيا والمكلفة اقتصاديا. وقد كانت مصوع في السابق منفذها في البحر الأحمر والبنى التحتية الموصلة إليه قائمة أصلا وهو أجدى اقتصاديا ولوجستيا.


لتعلم الخرطوم إن كانت القاهرة جادة بالفعل في علاقات مع السودان وليس من منظور أمني ومخابراتي فإن منع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني المعارض من دخول مصر بعد عودته من ألمانيا، لهو ثمن بخس دراهم معدودة وإنما المطلوب تقديم ما يلزم لإنهاء ملف حلايب وشلاتين أقلها القبول بالتحكيم الدولي.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)