مقالات مختارة

مصير ابن سلمان بين الصهيونية المسيحية و”الاستبلشمنت” الغربي

حسين مجدوبي
1300x600
1300x600

رغم تراجع سخونة التعاطي الإعلامي في ملف اغتيال جمال خاشقجي، خلال الأسبوع الأخير، يستمر عمليا وحاضرا في أجندة الدول الغربية أساسا، ويستمر معه مستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان معلقا بين يدي القوى الغربية الكبرى.

 

ويتراوح مصير هذا الشاب المفرط في طموحه السياسي فوق العادة بين موقف الصهيونية المسيحية العالمية، التي ترغب في بقائه واستمراره والمؤسسات العميقة في الغرب، ومنها في الولايات المتحدة التي ترفض استمرار توليه العرش السعودي مستقبلا، بسبب المخاطر التي قد تترتب عن وصوله إلى السلطة المطلقة.

وبعد مرور 40 يوما على اغتيال الصحافي خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول من طرف كوماندو، يُفترض تشكله بأوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان، ووفق تحاليل مراكز الدراسات الاستراتيجية والتعاطي الإعلامي، ومواقف الهيئات السياسية والأمنية، يستمر الترقب في البت النهائي في مصير ولي العهد محمد بن سلمان، وهذا يعني أن القضية لم تحل للحفظ. وهذا البت سيحدث بطريقة غير مباشرة، بحكم عدم امتلاك الدول الغربية السلطة التنفيذية المباشرة لطرده من منصبه، فهذا شأن من اختصاص هيئة البيعة السعودية، لكنها تملك أدوات أخرى منها الضغط والمقاطعة والتهديد بالمحاكمة الدولية.

 

في هذا الصدد، يتراوح مصير بن سلمان بين فريقين، الأول الصهيونية المسيحية العالمية والمجموعات الإنجيلية، التي تشارك في صناعة القرار في الولايات المتحدة، والفريق الثاني يتجلى فيما يصطلح عليه «الاستبلشمنت الغربي» وهو الهيئات والشخصيات التي تشكل ما يعرف بالدولة العميقة، التي تحافظ على توازن البلاد واستمرارها من المخاطر الداخلية والخارجية.

 

وترغب الصهيونية المسيحية العالمية في استمرار ولي العهد محمد بن سلمان في منصبه وتوليه عرش السعودية مستقبلا، ما يفسر لماذا استقبل ولي العهد مجموعة إنجيلية متطرفة في تأييدها لإسرائيل الشهر الماضي، وبرر ذلك باسم التسامح الديني، لكن الحقيقة هي إدراكه ومساعديه للدعم الذي سيحصل عليه من طرف هؤلاء الإنجيليين، لكي يقنعوا الرئيس الأمريكي ترامب بضرورة استمرار بن سلمان في المنصب.

 

وهنا لا يحضر فقط العامل السياسي في اللقاء وأهدافه، بل العامل الديني بحكم اعتقاد الإنجيليين في روايات دينية قد تحدث في الشرق الأوسط لديها علاقة بعودة المسيح، وأن تعزيز نفوذ إسرائيل وهيمنتها ضروري، وبالتالي دعم كل من يقف إلى جانب إسرائيل ولو من الديانة الإسلامية. ويلتقي هذا الفريق مع رغبة بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية والبحرين، التي ترى في محمد بن سلمان شخصية محورية لمشاريعها في الشرق الأوسط. كما يلتقي هذا الفريق مع رغبات إسرائيل التي كتب منظروها في السياسية وبعض قيادييها أن بن سلمان هو الرجل الذين ينتظرونه في العالم العربي منذ خمسين سنة.

وفي الجانب الآخر، يوجد عدد من قادة الدول الغربية، خاصة المؤسسات التي تشكل ركيزة الدولة، والشخصيات التي تعتبر محورية في صنع القرار، لا ترغب في رؤية بن سلمان في ولاية العهد وكرسي الملك مستقبلا، بسبب طيشه وتهوره السياسي. ولا يهتم هذا الفريق بمحمد بن سلمان، فهو في آخر المطاف شخص واحد ويمكن الاستغناء عنه، ولكن ما يهم الاستبلشمنت الغربي، استمرار آل سعود في حكم السعودية، حتى لا يسقط بلد غني بالنفط في الفلك الروسي- الصيني في حالة وقع تغيير جذري بنهاية الملكية.

ويشمل هذا الفريق قادة من البنتاغون والاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وقادة سياسيين من مجالس النواب والشيوخ. وهناك أصوات تعبّر عن مواقف هؤلاء، رغم عدم تحملها المسؤولية الإدارية أو السياسية المباشرة، ولكنها تكون دالة في تصريحاتها، وخرجت إلى الإعلام لتكشف مواقف هذا الاستبلشمنت. ومن ضمن الأمثلة المعبرة في هذا الصدد، مدير الاستخبارات البريطانية السابق، جون ساورز وهو وجه من وجوه الاستبلشمنت، يشير إلى مسؤولية ولي العهد في اغتيال جمال خاشقجي.

 

بدوره، يشير المدير السابق للمخابرات الأمريكية (سي أي إيه) جون برينان إلى ولي العهد كفاعل رئيسي في عملية الاغتيال. كما أن المخابرات الأمريكية هي التي دفعت الرئيس إلى التخلي عن فكرة الدعم الكامل لولي العهد، بعدما استمعت مديرة هذا الجهاز جينا هاسبل إلى أشرطة صوتية حول الجريمة نقلتها إلى الرئيس ترامب وجعلته يتراجع عن أي تأييد لولي العهد.

ويتفوق الفريق الثاني على الأول، بل يتراجع الأول أمام هيمنة الثاني في هذا الملف، ما يجعل مستقبل ولي العهد على كفة عفريت، ولاسيما في ظل الإصرار التركي على اتهام غير مباشر حتى الآن لولي العهد، عبر تصريحات الرئيس طيب رجب أردوغان بقوله «مسؤول كبير يقف وراء إعطاء الأوامر بقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وأستثني الملك».

في الوقت ذاته، تفيد مختلف التحاليل بأن زوال محمد بن سلمان لا يعني تغيير السعودية للغرب حليفا وشريكا سياسيا واقتصاديا، لأن الشخص لا وزن له في العلاقات الدولية مهما كان شأنه وجبروته داخل وطنه، عكس ما يعتقد المحللون العرب الذين يضفون القدسية والأبدية على الحاكم، ويتهيبون من الحديث عن مصيره. ومن ضمن الأمثلة، عندما قرر الغرب التخلص من الرئيس العراقي صدام حسين أو الرئيس الليبي معمر القذافي، لم يتردد رغم الفوضى اللاحقة، ولن يجد حرجا في التخلص من ولي العهد لكن بتجنيب آل سعود مصيرا دراميا، بل المحافظة على العائلة. وهذه المهمة تتطلب التريث وليس التطبيق السريع


عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)