كتاب عربي 21

العقدة الجيلية والإخوان: فجوة اللغة والاتصال.. النقد الذاتي (42)

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600

من المهم أن نقول مع تلك الدراسة التي أشرنا إليها في المقال السابق، إن "المجموعات الجيلية داخل حركة الإخوان لا تمثل جُزُرا منعزلة، فبعض أعضاء السبعينيات، مثل عبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني وأبو العلا ماضي، وغيرهم من الكوادر القديمة، شكلوا مصدر إلهام لبعض الأعضاء من الشباب، ومن ثم فإن أي تصنيف تاريخي للوضع الجيلي في الحركة يجب أّلّا يقوض الاستمرارية القائمة بين الموجات الجيلية المتتالية ودور المدارس الفكرية والثقافية في تشكيل هذه الاستمرارية".

كذلك من المهم أن نؤكد أن حركة الإخوان، سواء في نشأتها أو في أثناء تطورها، اعتمدت في كثير من رصيدها على الأرياف وبعض المدن القليلة، وهو ما جعل المرحوم حسام تمام يؤكد في كثير من انتقاداته التي أوردها في بعض دراساته، التي لا تخلو من إشارات ذكية وعميقة، إلى ما يمكن تسميته "ترييف الإخوان".

ومن المهم أن نؤكد أن عملية الترييف تلك أثرت في السمت العام في حركة الإخوان في أزمنة متتابعة.. نقصد بذلك أن عملية الترييف تلك دفعت الإخوان إلى تبني مواقف وأفكار لا تتعلق بالتغير الجذري أو الثورات التي تُحدِث تغيرا واسعا، بل ظلت تؤمّن تلك التيارات الإصلاحية المحافظة. فـ"الترييف" الذي نتحدث عنه يعني إشاعة ثقافة ونمط علاقات جديدة تنتمي لما قبل المؤسسية وتستحضر الولاءات الأولية، وهو ما يختلف عما كان سائدا منذ نشأة الإخوان كجماعة حضرية. وأهم ملامح هذا "الترييف" هو كونه يفتقد الثقافة والتقاليد القانونية الواضحة والمرعية، ثم سنجد المظاهر التي اكتسحت الجماعة في السنوات الأخيرة، وتتمثل في عدم الميل إلى الثقافة النقدية، والبعد عن التكوين الفكري الحواري لمصلحة التقريري الوعظي غير التأملي، وهو ما تكثر الشكوى منه، حتى في مدارس الإخوان التي صارت تخرج جيلا أكثر نمطية وتقليدية.

عملية الترييف تلك أثرت في السمت العام في حركة الإخوان في أزمنة متتابعة.. نقصد بذلك أن عملية الترييف تلك دفعت الإخوان إلى تبني مواقف وأفكار لا تتعلق بالتغير الجذري أو الثورات التي تُحدِث تغيرا واسعا، بل ظلت تؤمّن تلك التيارات الإصلاحية المحافظة

من جهة أخرى، ومع ذهاب كثير من الإخوان إلى منطقة الخليج بعد الحقبة الناصرية وعودة بعض هؤلاء في الحقبة الساداتية، برزت ظاهرة أخرى تترافق مع عمليات الترييف في النشأة والتكوين، وتتعلق بـ"تسليف" الإخوان.. فالجيل الذي وُلد خلال التسعينيات هو نتاج تربية لجيل الصحوة الإسلاميَّة، فقد تربَّى تربيةً محافظةً أقرب لنمط التديُّن السلفيّ، فورث القضايا الخلافيَّة التي خاضها جيل السبعينيات، نحو سماع الموسيقى، والحجاب، ومنع الاختلاط، وهي أمور جذبت حركة الإخوان بوجه عام لأن تكون أكثر محافظة. ومع ذلك الترييف والتسليف، فإن أجيالا من الحركة الطلابية في السبعينيات شكلت في الواقع تيارا آخر مختلفا داخل الإخوان، مارس تدافعا في الفكر والحركة.

لا شك أن هذه الحركة الطلابية قد شكلت معملا أفرز أفكارا وشخصيات عبرت عن أشواق للتغيير؛ تحاول أن تتحرر من مقتضيات عملية الترييف، أو من تلك الرياح التي هبت عليها في إطار موجات من التسليف. شكلت الحركة الطلابية مجالا مختلفا وفعاليات أخرى، ومساحات متنوعة للمواقف والأفعال، وبناء الاتجاهات والتفاعل مع عالم قضايا متسع وممتد، وكذلك شكلت إلهاما لبعض الأعضاء من الشباب.. ثم جاءت ثورة يناير بعد ذلك، وما مثلته لجيل الشباب، فانخرطوا في الثورة.. الثورة مثلت حالة كاشفة فارقة ناقدة لما قبلها، وشكلت مساحات جديدة ومستجدة تنتمي إلى تفكير الحركة الطلابية، أو تفكير شباب الطبقة الوسطى الذي تخرّج في الجامعة من تخصصات متنوعة وقد توظّف حديثا.
الجيل الذي وُلد خلال التسعينيات هو نتاج تربية لجيل الصحوة الإسلاميَّة، فقد تربَّى تربيةً محافظةً أقرب لنمط التديُّن السلفيّ، فورث القضايا الخلافيَّة التي خاضها جيل السبعينيات

هذا الوسط هو ضمن تجمعات عدة داخل حركة الإخوان؛ أشارت في حقيقة الأمر إلى فجوة اتصال حقيقي لا تعود فحسب لمقتضيات التنظيم الهرمي والتدرجي داخل حركة الإخوان، ولكن تعود وبشكل أكبر إلى فجوة المعرفة، وإلى فجوة الثقافة واللغة، وإلى فجوة في الوعي والإدراك، وهي أمور أورثت فجوة في التعامل مع الحالة الثورية وواقع الثورة، ومداخل التغيير، ومسالك التثوير.. شكلت هذه الفجوة ضرورة لإعادة البناء داخل التنظيم فكريا وحركيا، إلا أن الأمر سار ضمن مسارات أخرى. كل ذلك أنتج فجوة إدراك الواقع وفجوة النهوض بالدور، وفجوة تتعلق بحالة الوعي بعمليات التغيير، وبدت الجهات المحافظة والجهات الصاعدة ضمن هذا التدافع المنظور وغير المنظور، المباشر وغير المباشر، تعلن عن بعض بوادر وإرهاصات أزمات في الوعي والحركة.

ومن المهم أن نؤكد كذلك أن برامج التثقيف وتربية الإخوان ظلت على حالها في الفترة التي وجدت الحركة نفسها في حالة استهداف أمني، وهو أمر أعلى من أفكار المحافظة من جانب، وأفكار أخرى تتعلق بحماية الكيان من جانب آخر. وبرز في هذا المقام تدافع مكتوم بين مجموعات جيلية مختلفة، وبين تيارات بدت تعبّر عن لغة مختلفة في فضاءات أخرى، بل إن حال التثقيف تراجع في محتواه عن محتوى التثقيف في بداية الحركة في نشأتها على يد مؤسس الإخوان الشيخ حسن البنا. فبينما كانت تهتم مسارات التثقيف بدراسات سياسية ودراسات دستورية، فإن هذا توارى واختفى، وكأن لسان حال البعض من جيل المحافظة المستند إلى قاعدة الترييف وموجات التسليف نظر إلى السياسة على أنها فعل تحريضي وقد تضر بالشباب، وتؤدي بهم إلى حالة من الانفكاك التنظيمي يمكن أن تتكرر أو تتراكم. ومن هنا تنحّت السياسة جانبا، وكل ما يتعلق بها أو بمعلومات ذات شبهة في تعلقها بمجال السياسة، بينما كان الواقع يموج بأحداث سياسية كبرى تدفع هذا الشباب دفعا إلى الاهتمام بها؛ وضرورة التعرف عليها وتبني مواقف بصددها.
حال التثقيف تراجع في محتواه عن محتوى التثقيف في بداية الحركة في نشأتها على يد مؤسس الإخوان الشيخ حسن البنا. فبينما كانت تهتم مسارات التثقيف بدراسات سياسية ودراسات دستورية، فإن هذا توارى واختفى

بل إنه وبعد ثورة يناير، فإن كثيرا من شباب الإخوان خاصة، والتيارات الإسلامية عامة، قد هجر التخصصات المهنية والتطبيقية التي تتعلق بالهندسة والطب، وما شابهها من تخصصات تتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، بل واتجه بعض الشباب من تلك التخصصات إلى مباحث سياسية، فازداد الطلب على السياسة، رغم أن الأبعاد السابقة على الثورة مثلت حالة ثقافية محافظة، تتخذ من الإصلاح التدريجي والتربوي ومناخ المحافظة الذي تدافع مع ميراث حركة طلابية نشطة في السبعينيات؛ المدخل الأساس في هذا المقام.

كل ذلك شكّل في حقيقة الأمر فجوة اتصال ولغة مختلفة استجدت، مثّلها واستخدمها كثير من الشباب، سواء داخل حركة الإخوان أو من شباب التيارات الإسلامية الأخرى، والتي تفاعلت مع تلك اللغة والفضاءات المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي.. شكّل كل ذلك فجوة اتصالية ولغوية، ذلك أن اللغة لم تعد لدى الشباب هي لغة الخطاب التقليدية، بينما تترس بعض هذا الشباب بتلك اللغة القديمة لأنها كانت مجالا لرضى وإرضاء الجيل الأكبر عنه.

 

وظل هذا التدافع اللغوي والاتصالي يمثل فجوة طرأت على ذلك الجيل بذاكرته ومواقفه ولغته وأشواقه، ولم تنهض فئات من جيل سيطر على مفاصل الحركة في تلك الفترة وفي فترات سبقت بأي دور في سد تلك الفجوة، حتى أشار بعض من هذه الشواهد والمظاهر إلى تحول بعض هذه الفجوات إلى تصدعات وانشقاقات، بعضها معلن والآخر غير معلن. ولذلك حديث آخر نواصل فيه تفكيك هذه العقدة الجيلية في الحركة الإخوانية، مقدمين النقد الواجب الدافع إلى مراجعة ذاتية واسعة، من خلال دراسات بحثية ودراسات ميدانية.

التعليقات (2)
مصري جدا
الثلاثاء، 27-11-2018 01:57 م
قرات المقال وهو من النوع البحثي الرصين ،،، وهممت بكتابة تعليقي فصادفني تعليق الاستاذ علاء صديق والذي أصابني بالصدمة ،،، لكني أشهد الله أن الدكتور سيف عبد الفتاح لم يكن خائنا يوما ،، بل كان ناصحا أمينا ،، وعندما وجد انه في موقع شكلي لا قيمة له ،، لدرجة انه قال انا مستشار الرئيس ولم أتمكن من مقابلة الرئيس ولا الحوار معه لا قوم بمهمتي كمستشار وكانت اللقاءات مع مدير مكتب الرئيس فقط ،، أعتذر وترك الموقع وهذا تصرف طبيعي لأي إنسان سوي يحترم نفسه ،،، أما لغة خطاب الأستاذ علاء صديق ،، فهي كارثة وحدها ،، أن كان شابا فهي تؤكد أننا مقبلون على ايام سوداء فلا جماعة ولا فكر ولا اصلاح ولا امل ،،، وأن كان شيخا مثلي فهذا هين لأن جيلنا انتهى وتجاوزته طبيعة المرحلة ولم يعد له مكان إلا في قطار الذكريات والتي في الغالب مؤلمة ،،، ربنا يستر ،،،
علاء صديق
الثلاثاء، 27-11-2018 10:11 ص
لا يحق لخائن مثلك التدخل لنقد الإخوان المسلمين ... عندما تنتقدهم أنت فأنت مغرض و لست منصف لأنك خنت الرئيس الشرعى للبلاد و تركت مكانك بجانبه حينما كنت مستشار له ... أمثالك من الخونة لا يحق لهم نقد الإخوان . فلينتقد الإخوان من ينتقد بشرط ألا يكون مغرض خائن قاتل شارك بالفعل و القول فى دماء الشهداء فى رابعة و النهضة و ما بعدها .