كتب

قراءة معاصرة في حقيقة "الخلافات السياسية بين الصحابة" (2-2)

قال إنه رسالة موجهة في المقام الأول لأبناء السنة لمواجهة ظاهرة "التسنن الشيعي"
قال إنه رسالة موجهة في المقام الأول لأبناء السنة لمواجهة ظاهرة "التسنن الشيعي"

يحاول الأكاديمي الموريتاني محمد المختار الشنقيطي في كتابه "الخلافات السياسية للصحابة"، وضع حد فاصل بين مكانة الصحابة من المبشرين بالجنة وكتبة الوحي وأمناء سر النبي عليه السلام، وبين تقديراتهم السياسية التي كانت خاطئة في بعض الأحيان وأدت لاندلاع مواجهات دامية، بين المسلمين، حيث يستنبط من فكر ابن تيمية، مبدأ "الذنب المغفور والسعي المشكور"، الذي يقوم على تسمية الخطأ أو الذنب دون خوف أو مركب نقص، وبعدها التذكير بمكانة هؤلاء الأكابر وبأن النص القرآني حمل لهم بشرى المغفرة، وهذا تأويل قد يخلص الكثير من الباحثين في الموضوع، من حساسية انتقاد كبار الصحابة خصوصا من أثنى عليهم القرآن والنبي، فقدرهم الديني الرفيع، لا يمنع من تبيان خطئهم الدنيوي، حتى لا يفتح الباب أمام من يريد جعل هذه الأخطاء وكأنها من الدين، كمسألة تحويل الخلافة إلى ملك، والكثير من الأدبيات السلطانية التي تبالغ في ضرورة طاعة ولي الأمر، دون تقييدها بالحق والعدل.

 

من المبادئ التي يمكن اعتبارها من أهم الضوابط التي يجب التقيد بها أثناء تناول هذه المسألة، إن لم تكن أهمها، وهو مبدأ "الاعتراف بحدود الكمال البشري"


ومن المبادئ التي يمكن اعتبارها من أهم الضوابط التي يجب التقيد بها أثناء تناول هذه المسألة، إن لم تكن أهمها، وهو مبدأ "الاعتراف بحدود الكمال البشري"، ففي الكثير من الأحيان، يقع الدارسون والكتاب في فخ الغلو، فيحيطون الصحابة بهالة من القداسة، أو يحدث العكس، من تنقيص ولعن حتى، ويتم التغاضي عن كون هؤلاء على مقامهم العالي وسبقهم في الإسلام، هم بشر لهم حالات من الضعف البشري، فقد نجد الرجل صالحا كالصحابي سعد بن عبادة لكن تستفزه الحمية، وقد يكون مهاجرا في سبيل الله بشهادة القرآن ويتورط في حادثة الإفك مثل مسطح بن أثاثة.

رؤية ابن تيمية في الخلاف السياسي


ونجد أن ابن تيمية كان واعيا لهذا الضعف البشري لدى الصحابة، فتجد أنه يفسر امتناع علي بن أبي طالب عن البيعة لأبي بكر في الأشهر الستة الأولى، بأن "علي كان يريد الإمرة لنفسه"، ويعلل رفض سعد بن عبادة بيعة أبي بكر، بأنه بقي في نفس سعد رغبة في أن يصبح الأمير، وهكذا نجد أن هذا الاعتراف بحدود الكمال البشري سيؤدي إلى عدم نفي الطموح والرغبة الدنيوية عن الصحابة مهما علت مكانتهم.

ورغم تركيز الكتاب على استخراج مبادئ التعامل مع الخلافات السياسية بين الصحابة، من منهج ابن تيمية، وهو ما كان محل انتقاد عدد من الباحثين لكتاب الدكتور الشنقيطي، ذلك أن شخصية وقلم المؤلف بما له من زاد معرفي وديني واسع، لم تظهر بشكل كبير خلال استعراض هذه المبادئ، إلا أنه يستدرك الأمر بعد الانتهاء من عرض كل مبادئه الواحد والعشرين، ليضع بعض الملاحظات على منهج ابن تيمية، لعل أهمها هو تكلف الشيخ ابن تيمية وأحيانا التناقض في الدفاع عن قادة جيش الشام في موقعة صفين عموما وعن معاوية بوجه خاص، ومن مظاهر ذلك تأكيد ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة" أن معاوية بن أبي سفيان لم يسع إلى الخلافة في حياة علي ولا نازعه عليها.

رسالة لأبناء السنة

ويرد الشنقيطي على دفاع الشيخ ابن تيمية بعدد من القصص، التي تظهر أن معاوية كان يخشى من قطع الطريق على محاولته انتزاع الخلافة أكثر من خشيته على هروب القتلة بدم الشهيد عثمان، ولعل مما يدعو إلى الاستغراب في فكر ابن تيمية أنه يقول إن سعد بن عبادة غير منزه عن الهوى، وعلي غير منزه عن التأول في الدماء، وقال في عثمان رضي الله عنه أنه كان فيه "ضعف ولم يكن منزها في التأول في الأموال"، هكذا بصراحة لكنه يتكلف في الدفاع عن معاوية وعمر ابن العاص، ويرفض الاعتراف بطموحهما في الملك وأنه كان المحرك لما قاما به.

ولعل ابن تيمية وقع في هذا الموضع بالذات فيما حذر منه هو شخصيا، وهو الاندفاع ورد الفعل على الشيعة وإن كان ذلك على حساب الأمانة العلمية، فالذي حدث هو أن الأمويين قاموا بجهد سياسي كبير، جعل من معاوية بن أبي سفيان، معيارا لمذهب الشخص، فإن هو قدسه كان سنيا وإن ذمه بات شيعيا، هذا الاستقطاب هو الذي جعل من جرأة ابن تيمية وحرصه على قدسية المبدأ، تتحول إلى تساهل وربما إنكار للوقائع في ما يتعلق بشخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

إن كتاب "خلافات السياسية عند الصحابة"، يعتبر رسالة موجهة في المقام الأول لأبناء السنة، لمواجهة ظاهرة "التسنن الشيعي"، التي باتت منتشرة، وتواجه اللعن باللعن والسب بالسب، وإن كان ذلك على حساب القيم والمبادئ الإسلامية، وما اختيار منهاج الشيخ ابن تيمية، إلا رغبة من المؤلف أن ينصف هذا الاسم، الذي يحاول كثيرون ترسيخه في ذهنية المسلمين وغير المسلمين، بأنه وراء كل فتوى متشددة أو فكر متطرف خارج عن إطار العقل والإنصاف، ولهذا سيتعرف قارئ هذا الكتاب، على عمق ابن تيمية وألمعية طرحه، رغم أن مشروعه يعتريه ما يعتري كل المشاريع الفكرية من علل ونواقص.

إقرأ أيضا: قراءة معاصرة في حقيقة "الخلافات السياسية بين الصحابة" 1من2

التعليقات (0)