أفكَار

إسلاميو اليمن.. قراءة في تحوّلات ما بعد الثورة (2-2)

قال بأن انقلاب الحوثيين في أيلول / سبتمبر 2014 استهدف الإصلاح
قال بأن انقلاب الحوثيين في أيلول / سبتمبر 2014 استهدف الإصلاح

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

يواصل الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري عرضه لتجربة التجمع اليمني للإصلاح السياسية، ويرصد في الجزء الثاني والأخير، قصة انتقال الإسلاميين إلى المعارضة ودورهم في الثورة اليمنية وما بعدها.

إسلاميو اليمن.. قراءة في تحوّلات ما بعد الثورة 2من2

 
تعتبر مرحلة التحول السياسي الكبير للتجمع اليمني للإصلاح هي مرحلة ما بعد انتخابات 2003م البرلمانية، حيث شكل الإصلاح مع الحزب الاشتراكي اليمني والحزب الناصري وغيرها من الأحزاب اليمنية الأخرى تكتلا معارضا، تمكن من خوض انتخابات برلمانية بالتنسيق وتوج هذا التنسيق بالانتخابات الرئاسية عام 2006م، بدعم مرشح رئاسي واحد لكل الأحزاب المعارضة هو المهندس فيصل بن شملان.

ثورة لم تكتمل

كانت تلك الانتخابات، هي أخر انتخابات ديمقراطية، في المشهد السياسي اليمني، وبعدها تفجرت صرعات سياسية عدة شمالا وجنوبا، لم يتسن بعدها، إجراء أي انتخابات، حتى تفجرت أحداث ثورات الربيع العربي، التي كانت اليمن البلاد الأكثر جهوزية لتفجر هذه الثورة، فانطلقت ثورة 11 فبراير، التي أطاحت بحكم الرئيس صالح، لكنها لم تكتمل، بفعل تدخل القوى الدولية والإقليمية، التي فرضت حلولا تمكنت من تقليص المطالب الثورية، فابقت على نصف نظام صالح، الذي رتب أوراقه بعد ذلك وانخرط من انقلاب 21 أيلول / سبتمبر 2014م، الذي أطاح بآمال وطموحات اليمنيين من ثورة 11 فبراير2011م .

وعقب ثورة 11 فبراير، شُكلت حكومة وطنية مناصفة، بين قوى الثورة وحزب المؤتمر الشعبي العام، وشارك حزب الإصلاح بحصته بخمسة مقاعد في هذه الحكومة، وأظهر الإسلاميون توجهه الإصلاحي في تلك المرحلة وهو التوجه الذي لا يستقيم من المرحلة الثورية حينها، والتي كانت تتطلب تغييرا جذريا في المشهد السياسي اليمني، وإعادة صياغته من جديد.

بيد أن، الذي حدث هو القبول بإصلاح سياسي جزئي على حساب تغيير ثوري شامل، وهو ما ساعد على إعادة تموضع الأنظمة القديمة والعميقة، وإعادت إنتاج نفسها، من خلال انقلاب 21 أيلول / سبتمبر 2014، الذي أطاح ليس فقط بالمشهد الثوري، وإنما أيضاً بالجمهورية والشرعية اليمنية معا.

استهداف الإصلاح

كان حزب تجمع الإصلاح، هو المستهدف الأول، من هذا الإنقلاب، الذي ربما جاء في إطار تنسيق دولي واقليمي، لضرب كل قوى ثورات الربيع العربي، وحوامل التغيير الديمقراطي، وهو ما دفع بالمشهد اليمني إلى حروب طاحنة أدت لتدخلات إقليمية واسعة، في المشهد اليمني، وعلى مدى أربع سنوات، لم يتسنى الخروج من هذه المتاهة، التي جرت إليها اليمن بفعل قوى الثورات المضادة، التي دعمت القوى الإنقلابية، وعادت مجددا لمواجهاتها في مشهد تراجيدي، مليء بالتناقضات والتعقيدات، التي جمعت قوى الثورة والثورة المضادة في مترس وخندق واحد.

 

إقرأ أيضا: اليمن.. تحالف هشّ وحرب بالوكالة تتحول إلى صراع عبثي

الإصلاح اليوم، والذي جاءت أحداث ثورة 11 فبراير قبيل انعقاد مؤتمره العام الخامس، فأجلته حتى الآن، يمر بمرحلة شديدة التعقيدات والحساسية، جاء الإنقلاب والحرب ليضيف إليها مزيدا من التعقيدات، هو في غنى عنها، فيما يتعلق ببنيته التنظيمة وتجاذبات تياراته، ورؤاه السياسية وتحالفاته المحلية والاقليمية، كلها كومة من التعقيدات التي جعلت الحزب وكأنه فاقد للبوصلة والتوجه تماما، ويعيش حالة جمود ومتاهة سياسية واضحة للعيان، لكنه رغم كل ذلك، لا يزال سياسيا وتنظيما رقما صعبا في المشهد السياسي اليمني، وربما زادته موجة الاستهداف الشرسة ضده مزيدا من  التماسك النسبي.

لكن تبقى أكبر إشكالية بنيوية تواجه الإصلاح على الدوام هو تداخل السياسي والدعوي، عدا عن غياب المسار الديمقراطي الواضح والشفاف داخل الحزب وأطره التنظيمية والحزبية، مما أعاق المسار التراتبي لأفراده وقواعدة وقياداته معا، وجعله يبدو أكثر شيخوخة سياسيا وهو الحزب الممتلئ بالطاقات والكفاءات الشابة التي ربما تمثل 70% من قوامه التنظيمي والحزبي.

 

تبقى أكبر إشكالية بنيوية تواجه الإصلاح على الدوام هو تداخل السياسي والدعوي،

بالتأكيد تبقى تجربة حزب الإصلاح السياسية، غنية بالتحولات والتعقيدات، التي تحتاج لمزيد من الدراسة والبحث، وخاصة في ظل هذه المرحلة التي تمر بها اليمن، و حزب الإصلاح في القلب منها، في وضع بالغ التعقيد والسوء تمر به اليمن، من حرب وتشرد ومؤامرات، تتطلب من هذا الحزب الكبير، تحركا إلى الإمام، بدفع مزيد من كوادره الشابة، إلى قمرة القيادة لتحمل مسؤولياتها الوطنية.

عدا عن ذلك، ضرورة تراجع القيادات التاريخية للخلف، لإفساح المجال ديمقراطيا، أمام الدماء الشابة، الأكثر قدرة على العطاء والإبداع ومواجهة التحديات الراهنة، أي أن الحزب بحاجة ماسة لنقلة نوعية فكريا وسياسيا تنتشله من حالة الارتخاء وفقدان البوصلة لتعيده  إلى مكانته الطبيعية والمفترضة في صدارة الفعل والتأثير السياسين في المشهد اليمني الراهن لإخراج اليمن من مأزقه باستعادة دولته وشرعيته وجمهوريته المرهون عودتهم بتصدر تيار يمني وطني جامع في القلب منه تجمع الإصلاح.

 

إقرأ أيضا: إسلاميو اليمن.. قصة النشأة والعلاقة بين الدعوي والسياسي 1من2

التعليقات (0)