مقالات مختارة

التطهير الجيني أو أطفال حسب الطلب!

عاصم منصور
1300x600
1300x600

اهتزت الأوساط العلمية والطبية على وقع الأنباء القادمة من الصين عن نجاح فريق علمي صيني في إجراء أول عملية تصحيح جيني لطفلتين توأم، حيث تم تعديل الجين الذي يكسبهما مناعة ضد مرض نقص المناعة المكتسبة، بعد أن قام بتخصيب بويضات بحيوانات منوية تم الحصول عليها من رجال مصابين بفيروس "إتش آي في"، الذي يسبب مرض نقص المناعة المكتسبة، وقام بإبطال الجين المسؤول عن هذا الفيروس ليحصل على أجنة مقاومة للمرض.  
قد يبدو هذا الحدث الطبي فتحا عظيما للوهلة الأولى، لكننا يجب ألا نأخذه بمعزل عن الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والقانونية المرتبطة به، فمنذ نجاح العلماء في استخدام تقنية هندسة الجينات في تعديل التركيبة الجينية للأجنّة، والوسط العلمي يتخوف من اليوم الذي سيتمكن فيه العلماء من إنتاج أطفال معدلين جينيا، لكن هذا الجدل الذي كان نظريا في السنوات الماضية أصبح واقعيا اليوم في حال تم التأكد من الأنباء القادمة من الصين.
ففي الوقت الذي تجرم فيه معظم الدول ومن ضمنها الولايات المتحدة عملية إصلاح جينات الأجنة، فإن القانون الصيني لا يعتبرها مخالفة للقانون رغم المعارضة الشديدة لها من قبل مئات العلماء الصينيين البارزين، الذين أطلقوا صرخة حول الضرر الذي سترتبه هذه التجارب على سمعة الأبحاث العلمية الصينية.
لا شك أن معالجة بعض الطفرات الجينية قد يكون الحل الأمثل لعلاج بعض الأمراض الوراثية وهي كثيرة وواسعة الانتشار، وقد تغلب العلم على الكثير من العقبات التقنية، لكن العالم ليس جاهزا بعد للإجابة عن العديد من الأسئلة الأخلاقية والاجتماعية الناتجة عن هذه التقنية. 
فهناك مخاوف مشروعة تنتاب الأوساط العلمية من سوء استغلال هذه التقنية في تحوير الجينات لتصميم أطفال بصفات جسدية معينة، من لون البشرة أو البنية الجسدية أو القدرة العقلية، ومن ثم التلاعب في تنوع الجنس البشري من خلال السعي إلى الكمال البشري. 
لقد حاول البعض عبر التاريخ بوسائل مختلفة التلاعب في عملية الانتخاب الصناعي للجنس البشري، من خلال التخلص من الضعفاء وأصحاب الأمراض والسعي إلى النقاء العرقي، لكن الخوف هنا أن يتم ذلك من خلال التلاعب بالجينات البشرية، من خلال إنتاج بشر خالين من الطفرات الجينية وهي عملية غير مأمونة العواقب، حيث لا توجد ضمانة علمية في عدم حصول أضرار جسيمة خلال عملية الإصلاح الجيني. 
هذا الموضوع هو أحد مظاهر الفصام بين التقدم العلمي الذي لم يواكبه تقدم في مجال التعامل مع القضايا الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة به؛ فرغم التطور الكبير الذي حدث مؤخرا على تقنيات تصحيح الجينات الذي جعل منها أكثر أمنا من الناحية التقنية، إلا أن المسائل الأخلاقية والاجتماعية التي ستحضر حتما بقوة نتيجة لهذا التطور ما زالت تراوح مكانها. 
لا شك أن تقنية إصلاح الجينات سيكون لها شأن في العلاج والوقاية من الكثير من الأمراض الوراثية، لكن طمع الإنسان قد يؤدي إلى انفلات لا تحمد عقباه؛ فخطورة عملية التصحيح الجيني تكمن في عدم اقتصارها على الحاضر، بل انتقال الجينات المعدلة والمحورة إلى الأجيال القادمة؛ ما قد يؤدي إلى تغيرات في الجنس البشري لا رجعة عنها،  فهل تحقق أنابيب المخابر ما عجزت عن تحقيقة الأنظمة الشوفينية؟

 

عن صحيفة الغد الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل