ملفات وتقارير

ماذا وراء تهديد روسيا بضرب أي دولة تنشر صواريخ قبالة حدودها؟

روسيا قالت إنها سترد حال جرى نشر صواريخ قبالة حدودها- جيتي
روسيا قالت إنها سترد حال جرى نشر صواريخ قبالة حدودها- جيتي

عادت أجواء الحرب الباردة لتخيّم من جديد بين روسيا والغرب، بعد تصريح لرئيس هيئة الأركان الروسية أكد فيه أن أي دولة تنشر على أراضيها صواريخ أمريكية؛ ستصبح هدفا محتملا للضربات الروسية.


وجاء التهديد الروسي على لسان فاليري غيراسيموف في سياق الرد على نوايا أمريكية جادة في الانسحاب من معاهدة منع انتشار الصواريخ القصيرة والمتوسطة، وذلك في محاولة لاستباق أي خطوة أمريكية لنشر صواريخ في مواجهة الحدود الروسية.


وأعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشكل مفاجئ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نيته الانسحاب من معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة المدى التى كان تم توقيعها فى 1987، لكن تصريحه هذا لم يلق تأييدا من جانب الناتو أو الاتحاد الأوروبى.

وقال غيراسيموف في اجتماع ضم الملحقين العسكريين الأجانب في موسكو، الأربعاء: "نعتبر ذلك خطوة خطيرة إلى حد كبير من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي ليس على الأمن الأوروبي فحسب، بل وعلى الأمن الاستراتيجي بشكل عام.. الوضع في مجال الحد من التسلح تعقد بشكل كبير".

 

إجراءات جوابية


وحاول رئيس الأركان حشد موقف رافض للانسحاب الأمريكي من المعاهدة حينما خاطب الخبراء العسكريين قائلا: "يجب أن تفهموا أنها ليست أراضي الولايات المتحدة، وإنما الدول التي ستنشر الأنظمة الأمريكية بصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ستكون مستهدفة بإجراءات روسيا الجوابية، وفي حال نسف معاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة لن يبقى ذلك دون رد من جانبنا".


ومعاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى وقعت بين كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي في العام 1987، وتعهد الطرفان بعدم صنع أو تجريب أو نشر أية صواريخ بالستية أو مجنحة أو متوسطة، وتعهدا أيضاً بتدمير كافة منظومات الصواريخ التي يتراوح مداها المتوسط ما بين 1000-5500 كيلومتر، ومداها القصير ما بين 500 و 1000 كيلومتر.

واتهم غيراسيموف واشنطن بالتحايل على عدد من بنود معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت-3"، ما يسمح لها في حال الضرورة وفي أقصر وقت ممكن زيادة عدد الرؤوس النووية لأكثر من 1200 رأس.

ووقعت روسيا والولايات المتحدة في عام 2010 على معاهدة حول تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية المعروفة إعلاميا باسم "ستارت 3"، وهي تنص على تقليص عدد الوسائل الاستراتيجية المنتشرة إلى 700 قطعة وعدد الشحنات النووية إلى 1550 شحنة من كل طرف.

وتابع: "للأسف، قام شركاؤنا الأمريكيون،على مدى سنتين، من أجل الوصول إلى المعايير الكمية التي حددتها المعاهدة، بإعادة تجهيز جزء من وسائلهم الهجومية الاستراتيجية واستبعادها من جانب واحد من حسابها بموجب المعاهدة. وهذا يعطيهم الفرصة في أقصر وقت ممكن لزيادة إمكانات قواتهم الهجومية الاستراتيجية وزيادة عدد الرؤوس الحربية لأكثر من 1200 وحدة".

 

الحرب الباردة

المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، قال إن تصريح رئيس هيئة الأركان الروسية يعيد أجواء الحرب البادرة أوروبا، لافتا إلى أن روسيا تحاول حماية أراضيها من أي خطر، حال انسحبت أمريكا من معاهدة عدم نشر الصواريخ.


وأضاف أونتيكوف في حديث خاص لـ"عربي21" أن روسيا تقف في حالة انتظار الآن للخطوة التي ستلي الانسحاب من المعاهدة، معتبرا أن ما صرح به المسؤول الروسي يأتي في سياق التحذير وليس التهديد المباشر، لأوروبا التي تعتبر حليفا استرتاتيجيا لواشنطن، مشددا على أن "التحذير دفاع عن النفس ولا يشكل اعتداء".

ورأى الخبير الروسي أن أمريكا تضعد روسيا أمام انعدام الخيارات، وتزج بحليفتها أوربا في عين العاصفة، حال أقدمت على نشر صواريخ في مواجهة الحدود الروسية، ولذلك فإن موسكو سترد بالمثل على أي خطوة أمريكية على الأراضي الأوروبية.

 

اقرأ أيضا: روسيا تحذر الدول التي تنشر أنظمة صواريخ روسية

غير أن أونتيكوف استبعد أن تندلع مواجهة عسكرية، سواء محدودة أو مفتوحة بين روسيا وأوروبا، متوقعا أن ترواح ردود الفعل في إطار التصريحات وإجراءات التصعيد المتبادلة دون اندلاع مواجهة.


وفي هذا الإطار أضاف: "روسيا بحاجة إلى الحوار حول مجمل ما يهدد أمنها وأمن القارة الأوروبية بأكملها، ولكن أمريكا لا تفتح بابا لذلك ولا تبحث حتى في ادخال تعديلات على معاهدة الصواريخ وهي تسير نحو تصعيد خطير".


وتابع: "روسيا تحاول أن ترسل رسالة إلى الدول الأوربية بهذا التهديد، وتحث أوروبا على إصدار موقف موقف واضح من التصرفات الأمريكية خاصة مع تزايد الأصوات ضد الانسحاب من المعاهدة، خاصة مع وجود ضغوطات أمريكية لقبول أوروبا بنشر صواريخ على أراضيها، ولذلك هناك قلق متزايد في أوروبا".

 

الهيمنة الأمريكية


وشدد الخبير الروسي على أن ضرورة وقف الهيمنة الأمريكية على أوروبا والمنطقة بأكملها، وتقليص الدور الأمريكي، وذلك من خلاص التمسك بمصالح كل دولة.

وردا على سؤالنا حول علاقة التهديد الروسي بالتصعيد مع أوكرانيا قال أونتيكوف: "لا أجد رابطا مباشرا بين ما حدث في أوكرانيا وتصريح الأركان الروسية، وموسكو ليست طرفا فيما يجري في أوكرانيا، وهي لم تقم بأي خطوة عدوانية ولا تنوي تهديد سلامة ووحدة الأراضي الأوكرانية بحسب ما صرّح به مرارا مسؤولون روس".

من جهتها قالت المختصة بالشأن الأوروبي هالة الساحلي، إن ما نشهده من تصريحات حول نشر الصواريخ في أوروبا؛ هو معركة شد حبال بين روسيا وأمريكا، مشيرة إلى أن أوروبا لا تريد تصعيدا مع روسيا، لأسباب اقتصادية، خاصة ما يتعلق في امدادت الغاز الروسية.

 

اقرأ أيضا: موسكو تحذر واشنطن: سنرد بكل الوسائل على الحرب الاقتصادية

وقالت الساحلي لـ"عربي21"، إن الاتحاد الأوروبي يستقوي بحليفته الاستراتيجية في مواجهة روسيا، كونه لا يملك تكافؤ في القوة العسكرية، مشيرة إلى أن الحديث عن حرب باردة بين الجانبين (روسيا وأوروبا)، يعني تكافؤ موازين القوى بين الجانبين. "وهذا غير موجود على أرض الواقع".

ورأت أن أمريكا تحاول وضع يدها على حلف شمال الأطلسي، مستغلة ضعف أوروبا، وهي توظف أراضي الاتحاد الأوروبي وتنوي نشر صواريخ لها هناك في مواجهة الحدود الروسية، بهدف تصفية حساباتها مع موسكو، خاصة فيما يتعلق بالحرب وصراع النفوذ في سوريا.

التعليقات (1)
النيتو شرقا
الأحد، 09-12-2018 11:26 م
إذا ما قارنا التصعيد الحالى بين روسيا و الغرب بأجواء الحرب الباردة (1949-1991) ؛ سنجد أن التهديد العسكرى الذى يستهدف الأمن القومى الروسى حاليا يفوق ما كان عليه إبان الحرب الباردة ! فخلال الحرب الباردة كانت الجيوش السوفيتية تنتشر فى قلب أوروبا على الحدود الفاصلة بين ألمانيا الشرقية و ألمانيا الغربية ؛ و على بعد ما يزيد عن ألف كيلومتر من الحدود الروسية ، أما اليوم فقد أدى تمدد حلف النيتو شرقا فى أعقاب انهيار الإتحاد السوفيتى ، و حل حلف وارسو ، إلى انتشار القوات الغربية فى دول الجوار الجغرافى لروسيا مثل : بولندا و رومانيا و جمهوريات البلطيق الثلاث ، و صار العمق السكانى لروسيا فى مرمى الصواريخ قصيرة المدى لحلف النيتو ، و فى مواجهة حشود من القوات البرية و الجوية الغربية على الحدود ! لكن الأسوأ لم يأت بعد ، لأن التوتر الحالى بين روسيا و الغرب سيكون مبررا أكثر من كاف لمزيد من التمدد لحلف (النيتو) شرقا ، و ضمه كل من أوكرانيا و جورجيا إلى عضويته ! عندئذ سيتعرض الأمن القومى الروسى إلى تهديد غربى غير مسبوق مع انتشار قوات النيتو فى كل من أوكرانيا و دول البلطيق الثلاث و جورجيا ! و يصير العمق السكانى الروسى غرب جبال الأورال ، و شمال جبال القوقاز مهددا باجتياح برى محتمل من قوات النيتو فى أكثر من إتجاه ، و بشكل متزامن !