كتاب عربي 21

سلميتنا.. والرصاص! (2-2)

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
تحدثنا في مقالة الأسبوع الماضي عن التغيير بالعنف، ونواصل اليوم مناقشة اعتراضات بعض أصحاب الرأي الآخر الذين يرون في التغيير المسلح خلاصا لأوطاننا من نظمها العسكرية المستبدة.

الاعتراض الأول: هل تحررت الجزائر سلميا؟ هل تنصح أهل غزة بأن يتركوا أسلحتهم ويتظاهروا أمام الدبابات الإسرائيلية؟

والحقيقة، إن هذا الاعتراض يعتبر خروجا عن الموضوع الأصلي! فنحن حين نتحدث عن التغيير السلمي، فإننا نتحدث عن مواجهة نظام مستبد (محلي) يرفع العلم الوطني، ولا نتحدث عن مواجهة جيش محتل يرفع علما أجنبيا!

إن مواجهة جيش الاحتلال سيقف فيه الغالبية العظمى من الشعب معك، وسوف ينضم لك غالبية أهل بلدك، أما مواجهة جيشك المحلي فهو أمر مختلف تماما، لن ينضم فيه سوى أقلية محدودة جدا، ولن يكون لك فيه ظهير شعبي يذكر.

* * *

الاعتراض الثاني: "وهل تعتبر هذا الجيش وطنيا؟ إنه جيش عميل خائن، فرط في الأرض وانتهك كل المحرمات".

والحقيقة، إن المسألة ليست بهذه البساطة، فرأيي ورأيك في هذا الموضوع لا يهم، بل المهم هو رأي غالبية الشعب... فالسؤال الحقيقي: هل تستطيع أن تقنع كلّ أو جلّ الشعب بأن هذا الجيش الذي يرفع العلم الوطني، ويقف إجلالا للسلام الجمهوري أو الملكي، وغالبية جنوده من أبناء الشعب... أنه جيش احتلال؟

لا أظن أن أحدا يزعم بأنه يستطيع أن يقنع غالبية الشعب بأن هذا الجيش الذي يجند فيه أبناؤه جيش احتلال.. ستظل هذه الفكرة فكرة ضعيفة لا يقتنع بها إلا أقلية!

لذلك... سنظل نقول إن من حق بل من واجب من يقاوم جيشا محتلا أن يقاومه بكل شكل (بما في ذلك حمل السلاح)، وإذا حمل السلاح سيصل لحريته لأن الشعب سيدعمه.

أما من يقاوم نظاما محليا، فإنه لن يصل لأي نتيجة بحمل السلاح، والإنجازات التي تحققت على مدار ستة عقود من مقاومة الاستبداد... لم تتحقق إلا على يد الذين آمنوا بالتغيير السلمي واتخذوه سبيلا.

* * *

الاعتراض الثالث: ولماذا لا نبني تنظيما مسلحا من الصفر كما فعلت حركة حماس؟ أو الخمير الحمر؟ أو أيا كان! (لا أتحدث هنا عن مدى أخلاقية هذا الأمر، بل أناقش أصحاب الفكرة بمنطقهم هم... أناقش ما هو كائن لا ما ينبغي أن يكون).

والحقيقة أنه من المستحيل أن يبدأ بناء تنظيم مسلح داخل الدولة الحديثة بأجهزتها المعروفة ويكتمل بناؤه دون أن يكتشف أمره!

(وهناك دراسات كثيرة في ذلك الموضوع، قارنت بين المعدلات الزمنية اللازمة لبناء التنظيمات ومعدلات الأجهزة الأمنية في اكتشافها)!

كما أن الانتصار على الاستبداد من خلال "تنظيم" يجعل المعركة بين هذا التنظيم، وبين المستبد، وهو أمر يُسَهِّلُ على أي قوى خارجية اقتلاع هذا التنظيم من الحكم بعد وصوله، وذلك بعكس الانتصار من خلال حراك جماهيري واسع، حيث تصبح معركة الأمة كلها.

كما أن الثورة الشعبية والحراك الجماهيري ضرورة لتخليص المجتمع ذاته من إرث الاستبداد، وأمراض الهزيمة النفسية، ومن حاجز الخوف، وذلك من خلال مجابهته للطغيان بنفسه، وليس من خلال تنظيم، وهو أمر ضروري لبناء مستقبل يشارك فيه المجتمع بكل أطيافه؛ لأنهم شركاء فيه، بل إنهم أصحابه وصانعوه.

* * *

الاعتراض الرابع: اعترضت كذلك بعض الأقلام على فكرة التغيير السلمي، مستدلين بما حدث في باريس مؤخرا من تظاهرات حركة السترات الصفراء على أن الحل في العنف!

والحقيقة، إن في هذا الطرح يعتبر خلطا يدل على عدم إدراك دقيق لمصطلح التغيير السلمي، وعدم إدراك أيضا للمصقود بالعنف.

إن أي تظاهرات واسعة النطاق لا بد أن تحدث فيها مثل هذه الأعمال التخريبية، ولا يعني ذلك أنها قد أصبحت شكلا من أشكال التغيير بالعنف، ولا يمكن الاستدلال ببعض التخريب الذي حدث على أن ذلك تغيير بالعنف.

إن التغيير بالعنف يعني (حمل السلاح)! وحمل السلاح يعني أن تكون هناك منظومة عسكرية كاملة، وهذه المنظومة لها قواعدها التي تختلف تماما عن نزول الجماهير للشارع.

إن انتصار السترات الصفراء يعتبر انتصارا لثورة يناير، وللربيع العربي، حيث انتصرت فكرة "التغيير بلا قيادة، وبلا تنظيم". ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا التحرك في باريس قد استلهم ما قام به شباب مصر وتونس من استعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، ومن طرح للأفكار والوسائل في فضاء واسع، بحيث يتم الحشد في هذا الفضاء...!

إن هؤلاء الذين يشككون في سلمية حركة السترات الصفراء لم يفهموا معنى السلمية، كما أن كثيرا منهم لم يشتركوا في الربيع العربي في أيامه الحاسمة الأولى، ولم يتعلموا كيف تكونت تلك الاحتجاجات حتى ملأت الجماهير الشوارع وحاصرت القصور.

إن دعوة التغيير بالعنف ليست أكثر من دعوة للانتقام، تستغل ما في الصدور من رغبة في القصاص (وهي رغبة لا نقلل منها، ولا نستهين بها)، ولكنها ليست دعوة لتغيير حقيقي، ولن تحقق تغييرا راسخا، ولن ينتج عنها سوى بقاء المستبد في مكانه، وتبرير إجرامه وبطشه. ودليلنا على ذلك عشرات التجارب في الوطن العربي.

* * *

بقيت كلمة أخيرة أقولها (مضطرا رغم أنها قد تغضب البعض) لكل الذين سيسخرون من هذه المقالة قائلين "سلميتنا أقوى من الرصاص"!.. أقول لهم: إن سلميتنا أقوى من الرصاص بالفعل، ولكن إذا كان على رأسها قيادة واعية، تفهم معنى السلمية، وتعرف كيف تحقق التغيير، وتفهم عدوها، وتدرك إمكاناتها.

ليس ذنب فكرة السلمية أن من قاد حراك الجماهير كان بإمكانه أن يُوَجِّهَ عشرات الملايين من الثوار لاحتلال المباني الحكومية، ولمحاصرة المفاصل الاستراتيجية للدولة، ولكنه بدلا من ذلك أمر المتظاهرين بالانسحاب من الشوارع حين صدر أمر الطاغية بحظر التجول!

لا تحاسبوا فكرة السلمية بما جنته أيادي أناس لا علاقة لهم بالفكرة، بل قادوا الجماهير في غفلة من الزمن... إلى الهاوية!

ليس ذنب السلمية... بل هي كفاءة من قاد الجماهير!

موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: [email protected]
التعليقات (1)
مصري جدا
الأحد، 16-12-2018 07:09 م
هناك فرق بين المقاومة السلمية والعصيان المدني وكلاهم مؤثر وفاعل ،،، وبين مجرد الاحتشاد بمئات آلاف دون خطة واضحة او إجراءات فاعلة او ضغوط مؤثرة ،، أصغر سياسي في العالم يتمنى أن يحتشد له ربع من احتشدوا من أجل الشرعية ومرسي وضد الانقلاب ،، لكن الفارق الشاسع بين منهج الإخوان غير الثوري وهذا ليس عيبا ،، منهج الإخوان الذي يقف عند حدود الاحتشاد الجماهيري حتى لو قدم هذه الحشود كذبائح في سلخانات الداخلية والبلطجية سواء بسواء ،،، الإخوان أناس شرفاء طيبون يحبون دينهم ووطنهم ويقدمون الكثير من الخدمات في مجال التعليم والصحة والتكافل والتربية والأخلاق وفقط ،، ما يقدمه الإخوان او يجيدون تقديمه شئ عظيم ولكنه يبقى في مجال العمل المجتمعي بعيدا عن السياسة والاعيب السياسة والصراع على السلطة الذي يتطلب أحيانا إظهار العين الحمراء او بعض الألوان الحمراء ،،، النظام العسكري والأمني يعلم جيدا حدود الإخوان لكنه كان يخشى الحشود حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ،، والعجيب أن الإخوان أنفسهم احرص من النظام في هذا الموضوع ،،، لذلك يحتشد عشرات الآلاف من خيرة شباب ونساء مصر يعتقل من البعض ويصاب البعض ويقتل البعض ثم تنفض التظاهرات ،، لذلك فالإخوان شركاء في الدم لانهم ذهبوا بشبابهم وشباب مصر إلى ميادين السلخانات وهم يعلمون النتيجة ،، فلما الذهاب اذا وانت على يقين أن خصمك يعرف اخرك ،، وانت تعلم انك لن تفعل أكثر من الاحتشاد والهتافات والشعارات ثم الانصراف ،،، انا بكل تاكيد مع الاحتشاد والغضب والتظاهر لكن لابد من استكمال الخطوات خاصة انك ستدفع الثمن ،، والاستكمال يعني الاعتصام داخل مؤسسات الدولة بعشرات آلاف خاصة السيادية وقتها كانت ستتغير المعادلة لأن الدولة ستصاب وقتها بالشلل ،، في بدايات اعتصام رابعة والنهضة كان العسكر وغيرهم يستنجدون الإخوان ،، ولما تيقن الجميع ان الإخوان بعد الثورة هم هم قبل الثورة ،، كانت المجازر أمام أعين العالم غير الإنساني الذي نعيشه ،،، السلمية لا تعني عدم الصدام ولا تعني عدم الاشتباك ،،، لكنهما تعنيهما معا دون إزهاق للأرواح ،،،، فهل يتعلم الإخوان ،، بكل تاكيد لن يتعلموا لانهم يكررون نفس التجارب بنفس الطريقة ونفس الثمن ،،، لك الله يا شباب الإخوان ،،،

خبر عاجل