كتب

كتاب عن ثورة تونس وعنفوان الفكرة في ذكراها الثامنة (1 من 2)

قال بأن دستور 2014 في تونس لم يكن نتاجا داخليا ديمقراطيا، وإنما كان عملا توافقيا بتدخلات خارجية
قال بأن دستور 2014 في تونس لم يكن نتاجا داخليا ديمقراطيا، وإنما كان عملا توافقيا بتدخلات خارجية

الكتاب: الثورة وعنفوان الفكرة
الكاتب: المحامي والسياسي عبد الرؤوف العيادي
المطبعة: فنون الطباعة والنشر/تونس
تاريخ الطبع: نهاية 2018
عدد الصفحات: 158 صفحة

ليست كثيرة هي الكتب التي صدرت في تونس عن ثورتها، وهي فاتحة ثورات الربيع العربي وأمها والوحيدة الناجية منها حتى الآن من ارتدادات التدخلات الدولية وهيمنة الثورات المضادة.. آخر ما صدر من تلك الكتب نشرها الخبير القانوني عياض بن عاشور، الذي ترأس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، تحت عنوان "تونس.. ثورة في بلاد الإسلام". وصدر مؤخرا كتاب آخر للشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي، تحت عنوان "إرهاصات الثورة".. ولعل أحدث الكتب عن الثورة التونسية صدورا كتاب زعيم حركة "وفاء" التونسية المحامي عبد الرؤوف العيادي تحت عنوان "الثورة وعنفوان الفكرة"، وهو ما سنسلط عليه الضوء في هذا التقديم.

الثورة والفكرة

يضم الكتاب بين دفتيه خمسة فصول و13 ملحقا، وهو مسكون منذ كلماته الأولى في مقدمة الكتاب حتى نهايته بفكرة الانقلاب على الثورة ومحاصرة أصوات الثوريين وتنفيذ انقلاب ناعم على الثورة جرى إخراجه تحت عنوان "التداول السلمي على السلطة" من خلال التوافق بين حزبي النهضة والنداء برعاية خارجية فرنسية أساسا. ويندب عبد الرؤوف العيادي نفسه وكتابه لإجراء تصحيح وتصويب للمفاهيم وكشف حقيقة العناوين التي يرى أنها لفقت لفرض قراءة لأحداث ما بعد الثورة مثل مقولة "الحوار الوطني" و"الانتقال الديمقراطي"، ويدعو لإنصاف الثورة وشعبها عبر تخليص الثورة مما تعرضت له من سطو مفهومي والتفاف سياسي، تم بالتعاون بين القوى الخارجية وأتباعها أو عملائها في الداخل للانحراف بالثورة عن غاياتها وأهدافها.

مجرد انتفاضة أم ثورة تحرر؟

يذهب الكتاب في فصله الأول "ثورة الإرادة الشعبية بين التشكيك والانقلاب" إلى تأكيد أن ما حصل في تونس بين 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010 و14 كانون الثاني (يناير) 2011 هي ثورة شعبية وليست مجرد انتفاضة، فالانتفاضات عادة لا ترمي في مطالبها إلى إسقاط النظام القائم، مشددا على أن رموز النظام المنهار اضطروا للإقرار بسقوط "منظومة الشرعية"، التي روجوا لها من قبل لتبرير سياسة نظامهم التي قادت إلى المواجهة بينه وبين الشعب.

 

الثورة التونسية أحدثت زلزالا عربيا واقتحمت "عدة بلدان عربية بشعاراتها التحررية في أمد قصير"،


وفي هذا السياق يستشهد العيادي بالخطاب الأخير للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يوم 13 كانون الثاني (يناير) 2011 حين أقر للشعب بفساد الوضع العام واستعداده لمراجعة الخيارات الأساسية التي قام عليها نظامه مستعملا عبارة "فهمتكم". واعتبر العيادي أن ما انطوى عليه ذلك الخطاب لم يكن إلا نسفا لأسس شرعية نظامه، واعدا بإجراء المراجعة العملية التي تحمل معنى القطيعة، الذي ترمز إليه الثورة.


ولتأكيد معنى الثورة يستشهد الكاتب برسالة البشير التكاري آخر وزير لحقوق الإنسان في عهد الرئيس المخلوع، نشرتها الصحف التونسية والتي تحدث فيها عن ابتهاجه وعائلته بحدث الثورة وانتصار الإرادة الشعبية، التي خلصت التونسيين من "الهيمنة المطلقة للنظام البوليسي". 

 

اقرأ أيضا: تونس تحيي الذكرى الثامنة للثورة على وقع أزمات خانقة

ويخلص منها العيادي إلى أن "الحديث عن انتصار الإرادة الشعبية" والتحرر من النظام البوليسي يعني أن الأمر لا يتعلق بمجرد انتفاضة بل يتعلق بثورة حقيقية حققت هدفها المباشر في إسقاط النظام الدكتاتوري البوليسي وتخليص الشعب من كابوسه (ص 12).

كما يستشهد العيادي برسالة غير منشورة لويزر الداخلية الأشهر عبد الله القلال يتحدث فيها عن انهيار النظام ونجاح الثورة في إسقاطه. ويستخلص من الرسالتين المذكورتين أن الثورة قد "أطاحت بنظام دكتاتوري بوليسي استأثر رأسه بالإشراف مباشرة على وزارتي الداخلية والعدل، وأن سقوطه قد جعل نسمة الحرية تهب على جميع الشعب"، متسائلا: "كيف يشكك البعض بعد هذا في طبيعتها كثورة تحرر؟".

ويستغرب العيادي ممن يسيؤون تقويم مسار تاريخي من المقاومة والنضالات انتهت إلى ثورة "حررت التونسي من الإذلال والإهانة والتكميم" على حد قول وزير الخارجية الأشهر في تونس محمد المصمودي. وهي الثورة التي أحدثت زلزالا عربيا واقتحمت "عدة بلدان عربية بشعاراتها التحررية في أمد قصير"، "لتقوض أركان الأنظمة العميلة التي صنعت لحماية أمن الدول الغربية والكيان الصهيوني، الذي عبر على لسان وزير خارجيته منذ 8 جانفي 2011 عن تعارض المسار الثوري بتونس مع مصلحة إسرائيل". (ص 16).

المسار الانقلابي على الثورة

في الفصل الثاني وبعد تأكيد كونها ثورة وليست مجرد انتفاضة يتناول عبد الرؤوف العيادي فصول المساعي المبكرة للانقلاب على الثورة التونسية، بحسب رأيه. ويردها العيادي أساسا إلى عملية حل المجلس الوطني لحماية الثورة، وهو مجلس تشكل مبكرا جدا من عمر الثورة، وضم العديد من الأحزاب وعمادة المحامين والمركزية النقابية اتحاد الشغل، وقامت شخصيات وطنية ذات ثقل كبير بالتواصل مع الرئيس المؤقت آنذاك فؤاد المبزع لإقناعه بإشراف هذا المجلس على حماية الثورة وتحقيق الانتقال الديمقراطي واستبعاد رموز النظام السابق من المشهد العام.
 
ويورد العيادي في ملاحق كتابه نصوص بيانات المجلس وتوقيعات الحاضرين في جلساته. ويقول إن المجلس شكل وفدا من 12 شخصية للقاء رئيس الجمهورية المؤقت وأن يعرض عليه إصدار مرسوم يكرس إنشاء المجلس الوطني لحماية الثورة ويقر له بسلطة القرار، وأن يخصص له ميزانية. غير أن الاتفاق بين الباجي قايد السبسي رئيس الحكومة المعين ابتداء من 3 آذار/مارس 2011 والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على انسحاب الاتحاد من عضوية المجلس الوطني لحماية الثورة والالتحاق بهيكل بديل يقوده عياض بن عاشور، سمي "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، تسبب في تعطيل مجلس حماية الثورة ثم في موته.

 

اقرأ أيضا: الثورة التونسية المهدورة

ويعتبر العيادي أن انحلال مجلس حماية الثورة ودخول الأحزاب في المنافسات الانتخابية والمناكفات الأيديولوجية مكن رئيس الحكومة الباجي قايد السبسي من التفلت من التزامات الثورة وبداية الانقلاب عليها بتعيين هيئة استشارية ذات طبيعة تقنية، في حين استأثر لنفسه بالقرارات السياسية الكلية. ويرى العيادي أن هيئة بن عاشور قد وضعت مطبات كثيرة في طريق الثورة، أبرزها اعتبار عهدة المجلس الوطني التأسيسي محصورة زمنيا في عام واحد، وبعد انتهاء العام لم يعد القرار للقوى المنتخبة بل يتم من خلال الحوار خارج المجلس التـأسيسي مع الأحزاب والقوى غير المنتخبة من قبل الشعب. ويرى العيادي أنه بسبب ذلك تم الانقلاب على الشرعية الشعبية الانتخابية لصالح الشرعية التوافقية. وهو يعتبر أن دستور 2014 لم يكن ثمرة مداولات داخلية بقدر ما كان عملا توافقيا بين أطراف المجلس وأطراف من خارجه تحمل أجندات مشبوهة.

 

انطلاق الحوار الوطني وتهميش دور المجلس التأسيسي كان الممهد لعودة المنظومة البائدة عبر صناديق الاقتراع، بداية من انتخابات تشرين أول ( أكتوبر) 2014.


ويتحدث العيادي عن الانقلاب الناعم على الثورة، مشيرا إلى أن الصراعات السياسية بين الأحزاب والعائلات الفكرية والسياسية سمحت بعودة رموز النظام السابق، وبعودة التجمعيين في ثوب نداء تونس. وتحدث الكاتب عن الدور الفرنسي في إعادة النظام القديم للحكم من خلال نداء تونس، مشيرا إلى أهمية الإعلام في تسويد صورة ما بعد الثورة وتبييض صورة النظام القديم وممثليه، قائلا إن الإعلام انتصر للثورة المضادة وأعاد الاعتبار لأزلام النظام البائد، معرجا على ما سماه فشل الإعلام البديل الدائر في فلك حركة النهضة وعجزه عن التصدي للمنظومة المضادة للثورة. كما تحدث عن معارك الترويكا المخسورة وعن فشل اعتصام التلفزة المطالب بتحييد الإعلام العمومي عن الصراعات السياسية، وعرج على سوء التعامل مع أرشيف البوليس السياسي مشيرا إلى أن ما سمي الكتاب الأسود أخفق في فضح عملاء النظام السابق.

وتحدث العيادي عن الاغتيالات السياسية وخاصة اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وتشكل جبهة الإنقاذ واعتصام الرحيل، معتبرا تلك الجبهة جبهة لإنقاذ التجمع الحاكم في عهد الرئيس المخلوع وإعادته للحياة السياسية بعد الثورة عليه. ويرى أن التدخل الحاسم في الصراع كان للأطراف الخارجية، مشيرا إلى أن المتغير الجديد هو ما أسماه "التدخل السافر للقوى الغربية بداية بسفير الولايات المتحدة الأمريكية"، قائلا إنه أبلغ رئيس حركة النهضة "رسالة واضحة مفادها: عليك العمل مع حركة نداء تونس"، معتبرا أن ذلك حصل على خلفية الانقلاب الدموي في مصر، وأن النهضة تعاملت مع تلك الرسالة باعتبارها تهديدا بأن تلقى نفس مصير الإخون في مصر، في حال لم تغير موقفها من نداء تونس والانخراط في ما سمي لعبة التوافق".

من هنا يعتبر العيادي انطلاق الحوار الوطني وتهميش دور المجلس التأسيسي كان الممهد لعودة المنظومة البائدة عبر صناديق الاقتراع، بداية من انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2014.

 

اقرأ أيضا: تونس ترسم مسارات المنطقة

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم