مقالات مختارة

أكرادنا وأكرادهم

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600

ظل المكوّن الكردي جزءا لا يتجزأ من مكوّن الأمة في مواجهة كل التحديات التي تعرّضت لها عبر تاريخها القريب والبعيد، إلى أن ظهرت الأحزاب العنصرية المرتبطة بالخارج وأجنداته، فكانت أبعد ما تكون عن شريحة المكوّن الكردي الحقيقي. وحين ظهرت الثورة الشامية كان المكوّن الكردي -ممثلا في شخصيات وطنية وإسلامية عريقة- أول من تصدّر هذه الثورة، فكان جزاؤها القتل والاغتيال الجسدي والسياسي والإبعاد القسري أو نحوه إلى الخارج مبكرا، ليخلو الجو لشخصيات كردية ظاهريا لكن في جوهرها وحقيقتها أكثر ما تعبّر عن حاجة العصابة الطائفية في دمشق، ومن خلفها المحتلون للشام. ولعلّ نظرة سريعة على قيادات المليشيات الكردية في الشام اليوم، تبيّن علاقتها وارتباطها بالعصابة الطائفية وسدنتها المحتلين.


نجحت العصابة الطائفية في تقديم أكرادهم بأنهم يمثّلون المكوّن الكردي، في حين انزوى أكرادنا الذين هم الأكراد الحقيقيون بعيدا عن الثورة وهمومها وانشغالاتها، وابتعدوا عن القاعدة الجماهيرية الكردية التي استفاقت لتجد من يمثلها خارجها ومن ابتليت بهم من قادة وسياسيين هم أبعد ما يكونون عن الهمّ الكردي العام. ونجحت العصابة وسدنتها في تعميق الشرخ والشقّة -للأسف- بين الطرفين، ومن خلفهم الراعي والحامي التركي للثورة الشامية. ومع مرور الأيام يسعى كل أعداء الثورة الشامية من عرب وغرب إلى تعميق هذا الشرخ من أجل ابتزاز الثورة وابتزاز تركيا من ورائها.
لا مندوحة ولا هرب من دعم القوى الكردية الحقيقية الفاعلة على الأرض، الذين هم أكرادنا الحقيقيون ويمثلون الهمّ الكردي الذي هو همّ السوريين والأتراك، وهم القاعدة الشعبية الكردية، التي نالها ما نالها من العصابة الطائفية طوال نصف قرن من تهميش وقتل وحرمان من جنسية وهوية، ومعه لا بدّ من البحث عن الشخصيات الإسلامية والوطنية المعبّر الحقيقي عن الإخوة الأكراد في العيش بكرامة وعزّ وحرية. شخصيات ممن لها امتداداتها الحقيقية في الداخل السوري الثوري، وممن لها امتداداتها الحقيقية مع الإخوة الأتراك. وليعتبر إخواننا الأكراد من التخلي المفاجئ الذي حصل لإخوانهم في العراق يوم طالبوا بالاستفتاء، وليعتبروا بسنوات الجمر التي عاشوها في ظل العصابة الطائفية، وليعتبروا بالعمليات الإجرامية التي حصلت ضدها على أيدي العصابة الطائفية وسدنتها في الداخل والخارج.


المشرق بشكل عام -وثورة الشام جزء منه- لا يمكن أن يحلّق من دون الجناح العربي والعجمي، وعلى رأس الأخير التركي والكردي، وهو ما حصل أيام السلاجقة والزنكيين والصلاحيين؛ فقد كان لتلاحم الجميع الدور الأكبر في صدّ عاديات الهجمات الصليبية والمغولية، فكانوا الرافعة الكبيرة في رفع شأن الأمة وشأن المنطقة كلها، فحموها من العادية الأخطر، وأسسوا لمرحلة كانت انطلاقة لما بعدها، انطلاقة ليست في بلاد الشام وتركيا والعراق فحسب، وإنما انطلاقة لما بعدها في فلسطين ومصر وغيرها.


أكرادنا ينبغي أن يعودوا إلينا، وأكرادهم من عملاء وخونة ومرتبطين بالخارج وبأجندات بعيدة كل البعد عن الهمّ الكردي والهمّ الشرقي، ينبغي أن يُنبذوا ويُعزلوا؛ فلا بدّ أن يدرك الجميع أن قَدَرنا الجغرافي هو أن نعيش معا، فلا يمكن لأحدنا أن يستقوي بالخارج على إخوانه، ومن استقوى به فسيدفع هو الثمن، أو سيورّث ثمنا فادحا لمن بعده، فأول الأمر معرفة العدو من الصديق، ومعرفة من يشبهك ممن لا يشبهك، ثم العمل على دعم الشريحة الكردية الحقيقية التي تشبهنا، وما أكثرها، وما أقلّ تلك الشريحة الدخيلة على الأكراد، لا طريق آخر أمامنا إلا طريق الأخوة التي أساسها العمل من أجل الأمة ومن أجل المنطقة، وهذا لا بدّ من عمل ديني وثقافي وإعلامي وليس عملا عسكريا فقط، وهو ما سيقطع الطريق على عاديات الآخر علينا وعلى مكوناتنا.

 

عن صحيفة العرب القطرية

0
التعليقات (0)