سياسة عربية

أطفال مرضى من غزة يعالَجون بالضفة بعيدا عن أمهاتهم (شاهد)

الاحتلال يحرم الأطفال المرضى من مرافقة والديهم حال اضطروا للعلاج في الخارج- عربي21
الاحتلال يحرم الأطفال المرضى من مرافقة والديهم حال اضطروا للعلاج في الخارج- عربي21

لم تتمكن الفتاة أنوار ارفاعية (24 عاما) من مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة؛ أن تتمالك نفسها حين شاهدت صورة طفل رضيع من قطاع غزة يُعالج في مستشفى بالمدينة بعد حرمان الاحتلال والدته من مرافقته، فتوجهت على الفور إلى المستشفى كي تراه وتحاول تعويضه نفسيا عن غياب والدته.


ورغم أنها لم تمر بعد بتجربة الأمومة إلا أنها وجدت نفسها متعلقة بهذا الصغير؛ ورغم منعها من دخول غرفة العناية المكثفة للتواجد معه عن قرب إلا أنها أصرت على البقاء في المستشفى حتى يسمح لها بالدخول إلى غرفته وكان لها ذلك.


وتصف أنوار تجربتها التي استمرت أكثر من أسبوعين برفقة الطفل محمد ابن الأشهر التسعة بالمدهشة والإنسانية التي غيرت الكثير داخلها وجعلتها تشعر بالحنان أكثر تجاه أطفال يمرون بهذا الطريق القاسي؛ وهو العلاج دون وجود الأم.


وتقول لـ"عربي21" بأنها حين شاهدت صورة الطفل لأول مرة على مواقع التواصل الاجتماعي مع مناشدة بوجود من يرافقه لأن الاحتلال منع والدته من العبور معه إلى الضفة المحتلة؛ شعرت وكأن شيئا يناديها ويشدها كي تذهب إليه، وبالفعل توجهت إلى المستشفى ولم تتخيل أن رحلة مرافقتها له ستستمر حتى خروجه من المستشفى.


وتبين بأن جد الطفل كان متواجدا معه ولكنه لم يستطع العناية به بالشكل المطلوب لأنه كبير في السن؛ موضحة بأنه تعرض لإصابة في ساقيه أدت إلى تفتت العظم وتسبب ذلك بالتهاب في الرئتين ومضاعفات عديدة.

 

اقرأ أيضا: أول فريق لكرة القدم من الأطفال مبتوري الأطراف في غزة

وتضيف: "لم أخبر حتى عائلتي بالأمر؛ ففور أن شاهدت صورة محمد توجهت للمستشفى وبقيت عنده حتى ساعات الليل وأخبرت أهلي عبر الهاتف، وحين عدت إلى المنزل قلت لهم إنني أريد أن أرعى هذا الطفل وأن أعتني به لعدم وجود والدته فشجعوني ولكن والدي فضّل أن أمضي الليل في المنزل وليس في المستشفى، وبعد فترة أصبح هو من يشجعني على البقاء في المستشفى حين رأى كم تعلقت به، وللمرة الأولى مررت بتجربة الأمومة وبالحنان تجاه طفل صغير وتغيرت حياتي 180 درجة".


وتشير إلى أن رعايتها للطفل ساهمت في تحسن الحالة النفسية لوالدته التي حُرمت من مرافقته، حيث كانت تشعر بالراحة كلما تحدثت معها أنوار عن طفلها وتحسن صحته تدريجيا، فشعرت بأنها تقوم بواجب إنساني هام.


ولا تعتبر أنوار أنها مرت بصعوبات خلال رعايتها للطفل سوى مرضه الذي كان يجعله يبكي كثيرا ولا يتمكن من النوم بسبب آلامه، فكانت تجربة جديدة بالنسبة لها أن تحمل طفلا طيلة الوقت وتسير به في أقسام المستشفى، مبينة بأن الطواقم الطبية والعاملين في المشفى كانوا متعاونين معها إلى أبعد الحدود.


وتصف ارفاعية لحظات وداعها للطفل محمد على حاجز قلنديا العسكري شمال القدس المحتلة حين أنهى علاجه وتوجه عائدا إلى قطاع غزة؛ حيث احتضنته بشدة وبدأت بالبكاء، ولكنها ما زالت على تواصل مع عائلته يوميا.


وتتابع:" هذه التجربة غنية بالمشاعر والإنسانية وأنا أنصح الجميع بأن يساعدوا هؤلاء الأطفال المرضى الذين يحرمهم الاحتلال من أمهاتهم خلال العلاج دون ذنب اقترفوه، وأفكر بتكرار التجربة من جديد مع طفل آخر".


"الرفض الأمني"

 
ومنذ عام 2004 بدأ الاحتلال بمنع أهالي قطاع غزة من الوصول إلى الضفة الغربية والعكس، حيث فرض عليهم ضرورة الحصول على تصاريح أمنية حتى لو كان الغرض هو العلاج.


وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية فإن حوالي 30 ألف ملف للتحويل للعلاج من قطاع غزة يتم تقديمه لها، ولكن حوالي 60% من هذه الطلبات يتم رفضها من قبل الاحتلال ومنع مقدميها من الحصول على التصاريح اللازمة لدخول الضفة أو القدس أو الداخل المحتل عام 1948.


أما منظمة الصحة العالمية فأصدرت تقريرا أظهرت فيه أن 93% من الطلبات المقدمة من أهالي قطاع غزة للاحتلال للحصول على التصاريح بغرض العلاج يتم رفضها منذ العام 2012 بهذا المعدل الكبير، في حين يفوّت المرضى مواعيدهم في المستشفيات بسبب سياسة التأخير في الرد عليهم بشأن التصاريح من قبل الاحتلال بشكل متعمد.


وتشير إلى أن الاحتلال يفرض شرطا على المرضى الذين يقدمون طلبات الحصول على تصريح للعلاج بأن يتم استجوابهم أمنيا مقابل النظر في طلباتهم، حيث تم استدعاء 111 مريضا ما بين ذكور وإناث في النصف الأول من عام 2018 و35 من مرافقيهم.

 

اقرأ أيضا: فلسطينيون بغزة يحيون "يوم الزي" بارتداء أثواب تراثية (صور)

بدورها تؤكد محامية مركز الميزان لحقوق الإنسان ميرفت النحال بأن المركز يتلقى ما متوسطه 500 شكوى سنويا حول منع الاحتلال سفر مرافقي المرضى من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.


وتقول لـ"عربي21" بأن هذه الشكاوى تتعلق بتعطيل المريض عن حقه في مرافقة شخص أو أكثر معه أثناء رحلة علاجه في مستشفيات القدس والضفة الغربية، وأن معظم هذه الحالات تكون لأطفال مرضى تم منع أمهاتهم من مرافقتهم، وبالتالي يفقد الطفل حقه في العلاج تلقائيا لعدم وجود مرافق معه.


وحول الخطوات التي يتبعها المركز عادة في مثل هذه الحالات يقوم المركز بالتوجه للقنوات الإدارية مثل مديرية الارتباط والتنسيق والعمل على تقديم الملفات بصيغة قانونية وشرح ملابسات الملف وتوضيح عدم وجود بديل عن مرافقة الوالدة في حالة وجود طفل مريض، ثم يتم التواصل مع قسم خدمة الجمهور.


وتوضح أنه أحيانا تتم الاستجابة مع الملفات المقدمة ومناقشتها والتعليق على أسباب منع المرافق من المرور، وأن المركز يحاول تذليل العقلات أمام الملفات المقدمة، في حين يقوم بإعادة تقديم الملف في حال عدم الرد عليه ويقدم التماسا تمهيديا للنيابة المدنية، وإن لم يتم تمكينه يتم اللجوء للمحكمة بالشراكة مع بعض المؤسسات ذات العلاقة.


وتتحدث النحال عن نسبة نجاح بنسبة 45-50% في الشكاوى المقدمة للمركز من حيث السماح للمرافقين بالدخول مع المرضى، ولكن بقية هذه الملفات يتم رفضها لحجج تصفها بالواهية والذرائع الأمنية الفضفاضة التي يخترعها الاحتلال.


وتتابع: "الاحتلال يتذرع بأن أحد الأقرباء للمريض ينتمي لحماس وبالتالي يمنع المرافقين من العبور معه أو أن يتذرع بوجود أقرباء له يقيمون في الضفة المحتلة بشكل يعتبره مخالفا، إضافة إلى ذرائع واهية تحت بند أن والدة الطفل المريض صغيرة في السن أو لأسباب أمنية لا يمكن الكشف عنها حتى للمحكمة، ويعتبرها الاحتلال معلومات سرية لا يسمح حتى للمحامي الاطلاع عليها".


وترى النحال بأن سياسة عدم السماح للأمهات بمرافقة أطفالهن في رحلة العلاج للضفة تؤثر نفسيا بشكل كبير خاصة على الأطفال المرضى، حيث أن الأم هي الأقرب لطفلها وتعلم احتياجاته، بينما في غالبية الحالات يسمح الاحتلال للجدات فقط بمرافقة أحفادهن وهو الأمر غير المنطقي خاصة وأنهن كبيرات في السن ويحتجن لمن يرعاهن.


وتعتبر المحامية بأن كل الممارسات الإسرائيلية بهذا النهج المنظم بحق المدنيين في قطاع غزة من الممكن إدراجها تحت بند العقاب الجماعي.


وتشير إلى أنه لا يوجد أمام أهالي القطاع أي بدائل، لأن معاملة التحويل للعلاج يحصل عليها المريض بعد عناء طويل وسلسلة إجراءات معقدة ما بين دوائر التنسيق والمالية والعلاج في الخارج وكلها تحتاج إلى جهد كبير، وأنه لولا العجز الذي يؤثر على مستشفيات قطاع غزة لكان البديل متوفرا في القطاع.


وتتابع:" هذه السياسة لها انعكاسات نفسية سلبية على الأم أولا لأن منعها من مرافقة طفلها قد تمنع رحلة العلاج برمتها، وحتى لو تمت بمرافقة شخص آخر فستبقى تعيش صراعا نفسيا كونها بعيدة عن طفلها، وكل هذه الأبعاد النفسية يعيشها الأطفال المدركون تحديدا ما ينعكس سلبا على صحتهم".

بعد حرمان أمه من مرافقته..رضيع مريض من غزة يحظى برعاية الشابة أنوار ارفاعية من #الخليل. pic.twitter.com/MTqDVbGLmC

التعليقات (0)