مقابلات

الزمر لـ"عربي21": المعارضة لا تمتلك أدوات الخيار الثوري

طارق الزمر أكد أن "التغيير عملية معقدة ولا تتم فجأة وإنما تحتاج للتراكم ولفترات زمنية طويلة نسبيا"- عربي21
طارق الزمر أكد أن "التغيير عملية معقدة ولا تتم فجأة وإنما تحتاج للتراكم ولفترات زمنية طويلة نسبيا"- عربي21

* لم أجد في نفسي بعد ثورة يناير أي طاقة لبغض أو معاداة أحد ولهذا سامحت "مبارك"

 

* مصر بحاجة لقدرات كبرى من التسامح لتتجاوز أزمتها مع الاحتياط للغدر والمؤامرة

 

* علينا الاعتراف بأن المعارضة لا تمتلك الآن أدوات الخيار الثوري وإن خشي البعض أن يقول هذا

* الإعداد للتغيير يحتاج إلى جهود كبيرة وتنظيم للصفوف بشكل جدي حتى تثمر النتائج المرجوة

 

* شخصية السيسي وثقافته غير مؤهلة للحوار حتى مع رفقائه وهو أبعد ما يكون عن السياسة والبحث عن حلول سياسية

 

* إصرار النظام على تنفيذ أحكام الإعدام يعكس حرصه على تعميق الصراع لأنه المستفيد الوحيد من ذلك

 

* مصر لا يوجد فيها مشكلة طائفية والمسلمون افتدوا المسيحيين بدمائهم إبان ثورة يناير

 

* أنتظر بفارغ الصبر أن تتحسن أحوال بلدي لكي أعود إليها وأؤدي واجبي تجاهها وتجاه شعبنا

 

* خلال العام الحالي سنصدر الميثاق التأسيسي لمبادرة "مرحبا أخي" متضمنا توقيعات هامة من رموز وشخصيات عامة

 

* مبادرة "مرحبا أخي" ستطلق حملة عالمية لترشيح رئيسة وزراء نيوزيلندا للحصول على جائزة نوبل للسلام

 

* بيانات المعتقلين حقيقة واقعة يجب ألا نشكك فيها.. والأولوية الأولى للمعارضة هي إخراجهم من السجون

 

* الخطايا السياسية التي تُرتكب في هذه الحقبة فوق احتمال وطاقة أي ضمير إنساني

 

علق الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري، طارق الزمر، على وفاة الرئيس المخلوع حسني مبارك، بقوله: "لم أجد في نفسي بعد ثورة يناير أي طاقة لبغض أو معاداة أحد، ولم أتعود الشماتة في أحد، وقد سامحته في حقي الشخصي، لأنني على يقين بأن مصر بحاجة إلى قدرات كبرى من التسامح لتعيد ترميم أوضاعها وتتجاوز أزمتها، ولا يعني هذا عدم الاحتياط ضد الغدر والمؤامرة".

واتفق الزمر مع ما ذهبت إليه دراسة بحثية تقر بأن المعارضة لا تمتلك أدوات الخيار الثوري، وبالتالي فليس من المناسب السير في هذا الخيار خلال المرحلة الحالية دون امتلاك أدواته، قائلا: "هذه دراسة على درجة عالية من الواقعية كما تتميز أيضا بالشجاعة، لأنها قالت ما يخشى البعض حتى الآن ذكره"، منوها إلى أن "الإعداد للتغيير يحتاج إلى جهود كبيرة، وتنظيم للصفوف بشكل جدي، حتى تثمر النتائج المرجوة، ولو على المدى الطويل".

ودعا الزمر، في الحلقة الثالثة والأخيرة من المقابلة الخاصة مع "عربي21"، إلى "تحديد دور المعارضة بحرفية، والوصول للنتائج الممكنة في حدود القدرات بدلا من الانطلاق من الفراغ والارتماء في أحضان المطلق"، مؤكدا أن "المعارضة تتعرض للفشل دائما، لأنها تتحرك دون تحديد للأهداف، ومن ثم لا تكون هناك نتائج منتظرة، ومن ثم لن تكون هناك مسؤوليات ولا أخطاء".

وأشار الزمر، الذي يشغل منصب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن مبادرة "مرحبا أخي" التي أطلقها العام الماضي للتعايش بين الحضارات ستصدر "ميثاقها التأسيسي خلال العام الحالي، وسيكون متضمنا توقيعات هامة من رموز وشخصيات عامة من كافة الأديان والحضارات والثقافات والأعراق، فضلا عن استعداد المبادرة لإطلاق حملة عالمية تعمل على ترشيح رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، للحصول على جائزة نوبل للسلام".

وتاليا نص الحلقة الثالثة والأخيرة من المقابلة الخاصة:

 

كيف تلقيت نبأ وفاة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك؟

 

كل نفس ذائقة الموت، وكلنا إلى لقاء الله نمضي، ولن يبقى لنا إلا ما عملناه صالحا ابتغاء وجهه. البعض تصور أنني من حقي أن أشمت في وفاته، لأنني عُذبت في عصره، وسجنني ثلاثين عاما منها أكثر من عشر سنوات خارج القانون، إلا أنني في الحقيقة بعد ثورة يناير لم أجد في نفسي أي طاقة لبغض أو معاداة أحد، كما أنني لم أتعود الشماتة في مهزوم؛ ولهذا أعلنت يومها أنني قد سامحت مبارك في حقي الشخصي وطالبته بأن يتوب إلى ربه، ويستسمح من كان له عنده مظلمة؛ فإذا تاب الله عليه فهو أحب إلينا من خلاف ذلك، وأعلنت ذلك أيضا منذ شهور.. فاللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا.

كما أني كنت -وما زلت- على يقين بأن مصر بحاجة إلى قدرات كبرى من التسامح لتعيد ترميم أوضاعها وتتجاوز أزمتها، ولا يعني هذا عدم الاحتياط ضد الغدر والمؤامرة التي كانت واضحة بعد يناير وضوح الشمس، وكنت أحذر منها دائما.. كما أن ذلك لا يتعارض مع حقنا في الثورة على مبارك وخلعه، لأنه كان امتدادا حرفيا لنظام تموز/ يوليو العسكري المستبد فقد عمّق الديكتاتورية، وأرهق الفقراء، وضاعف الأعباء التي أثقلت كاهلهم، وصعبت معيشتهم، وكرّس التعذيب وجعله روتينيا لم تعد الدولة تستطيع العيش بدونه، وواصل مسيرة سلفه في الارتماء في أحضان إسرائيل حتى اعتبروه كنزا استراتيجيا، كما أنه كان له دور سلبي وخطير في تأزيم أوضاع المنطقة وإضعاف مراكز قوتها ونقاط مقاومتها.

قبل يومين أقدم النظام على تنفيذ أحكام الإعدام في قضية ما سمي بـ"تفجير الكنائس".. فكيف ترى إصرار النظام على تنفيذ أحكام الإعدام؟


إصرار النظام على تنفيذ أحكام الإعدام عموما في ظل غياب الشفافية، واستنكار جهات عالمية أممية وحقوقية، وتسييس القضاء المصري، إنما يعكس حرصه على تعميق الصراع في مصر، لأنه هو المستفيد الوحيد من ذلك؛ فإذا تعمقنا في دلالات تنفيذ الإعدامات في قضايا ذات طابع طائفي لوجدنا الأمر أوضح، حيث يريد أن يقول إن مصر بها مشكلة طائفية، وأنه يقف في خندق الدفاع عن الأقباط، بينما هو يصنع الطائفية التي أصبحت أحد أهم أدواته في الحكم ويبيعها في الخارج بحثا عن سند هنا ودعم هناك.

والحقائق على الأرض في مصر تؤكد أنه لا يوجد في العالم نظير للتعايش والاندماج بين المسلمين والأقباط، بل إن المسلمين يفدون الأقباط بدمائهم عند الضرورة، وهناك العديد من الصور التي الُتقطت للشباب المسلم، وهو يصنع سلاسل بشرية ليحمي الكنائس أثناء ثورة يناير حينما قررت الأجهزة الأمنية استخدام أذرعها الجنائية (البلطجية) لتهديد أمن الكنائس لاتخاذها ذريعة للتنكيل بالمتظاهرين السلميين.

 


مسلمون يحمون الكنائس المصرية أثناء ثورة 25 يناير


هناك دراسة حديثة أصدرها المعهد المصري للدراسات تقر بأن المعارضة لا تمتلك أدوات الخيار الثوري، وبالتالي فليس من المناسب السير في هذا الخيار خلال المرحلة الحالية دون امتلاك أدواته، مؤكدة أن العمل السياسي ليس معناه الانهزام، لكنه من أجل الإعداد للتغيير وما بعده.. فلماذا لا تعلن أطياف المعارضة صراحة أن الخيار الثوري لم يعد مناسبا على الإطلاق وأنه لم يعد أمامكم سوى الحل السياسي؟


دراسة المعهد المصري على درجة عالية من الواقعية كما أنها تتميز أيضا بالشجاعة، لأنها قالت ما يخشى البعض حتى الآن ذكره، والذي يُعد أمرا ضروريا، وذلك لنحدد دور المعارضة بحرفية، والوصول للنتائج الممكنة في حدود القدرات بدلا من الانطلاق من الفراغ والارتماء في أحضان المطلق، والذي يجعل المعارضة تتعرض للفشل دائما فهي تتحرك دون تحديد للأهداف، ومن ثم لا تكون هناك نتائج منتظرة، ومن ثم لن تكون هناك مسؤوليات ولا أخطاء. علما بأن الإعداد للتغيير يحتاج إلى جهود كبيرة، وتنظيم للصفوف بشكل جدي، حتى تثمر النتائج المرجوة، ولو على المدى الطويل..

مع الأخذ في الاعتبار أن شخصية وعقلية السيسي بعيدة تماما عن السياسة، وأبعد ما تكون عن فكرة الحوار أو الحل السياسي مع أي أحد حتى مع رفقائه داخل المؤسسة العسكرية، كما أنه قد بنى استراتيجيته على مسار صراع صفري لا يحتمل غيره.. كما أنه في ذلك ينفذ أجندة خارجية، وأنه يعلم أنه حال قبوله للحوار السياسي مع المعارضة سيفقد أهم داعميه الذين يساندونه للوصول بالصراع إلى نهايته، وذلك بهدف الإجهاز على الدولة والمجتمع.

هل يمكن أن تضعنا في الصورة بشأن دورك في الخارج؟ وهل ما زلت ترى هذا الدور "مهما"؟

 
الحقيقة أنني لم أغادر مصر طوعيا، وإنما بسبب ملاحقات النظام، واتهاماته المفبركة، وأنتظر بفارغ الصبر أن تتحسن أحوال بلدي لكي أعود إليها وأؤدي واجبي تجاهها وتجاه شعبنا الذي أعتقد أنه ظُلم كثيرا من الحكومات المتعاقبة التي طالما علقت آماله بالرخاء ثم تركته يرتع في واحات الفقر والجوع اللامحدود. كما ظُلم الشعب أيضا من النخبة السياسية التي طالما خذلته بعد أن أعطاها ثقته، وخاصة بعد ثورة يناير التي قدّم فيها الشعب أكبر هدية لنخبته.

وإلى أن نعود ـ ونأمل أن يكون ذلك قريباـ فسوف نعمل على أداء واجبنا في الدفاع عن حق شعبنا في الديمقراطية وفي الحياة الكريمة.

هل ما زلت تحافظ على الحنين لمصر برغم أنك قضيت 30 عاما في سجونها وحينما خرجت من السجن اضطررت للسفر للخارج بعد عامين فقط بسبب الملاحقات الأمنية؟


طبعا. فالحنين لمصر لا يغيب ولم ينقطع لحظة، كما أن كل معاناتي ومعاناة زملائي وأصدقائي بالخارج، إنما هي من أجل مصر وحُبّا في ترابها، ورغبة في إنقاذ شعبها من المصير البائس الذي كتبه عليها الطغاة.

ما هو أكثر شيء تألمت له في غربتك؟

 
بطبيعة الحال تألمي لمن فقدتهم في هذه الظروف الحالكة، وهم أحب الناس وأقربهم إلى قلبي: أبي، وأمي، وشقيقتي (أم الهيثم) الذين ظلوا يتحمّلون معي محنتي بالسجن على مدى ثلاثين عاما دون أن يشكوا يوما من قسوة الظروف، وبرغم ذلك فإني لم أستطع أن أشيعهم أو أقف - ولو لحظة - عند قبرهم، وحسبي أن قلوبهم التي تحملت معي محنتي ثلاثين عاما ستغفر لي ما قصرت في حقهم بعدها.

إذا أردنا أن نحيط المهتمين علما بدور مركز حريات للدراسات السياسية بعد مرور ما يقرب من 3 سنوات على تأسيسه.. ماذا يمكن أن تقول؟ وما هي أهم أعماله ومشاريعه وأبحاثه السياسية والاجتماعية؟


عند وضع خطة مركز حريات راعينا فيها الظروف التي تمر بها بلادنا، وما يمكن أن نقدمه لها، وكذلك التحديات المحيطة بالتيار الإسلامي، وما تمر به منطقتنا بشكل عام، وكذلك طبيعة ظروفنا في المهجر التي تواجهها العديد من التحديات والمشكلات.

وفي ضوء ذلك وضعنا خطتنا للخدمة البحثية في هذه المجالات والقضايا، وكان من مستلزمات ذلك: رعاية العديد من ورش العمل والندوات التي استضفنا فيها عددا مهما من الأكاديميين والسياسيين ذوي الشأن، وتعاملنا مع العديد من القضايا والمشكلات التي تتعلق بالشأن المصري، وكان منها الانتخابات الرئاسية والتعديلات الدستورية.

ومن أهم الأبحاث التي عالجها المركز ما يتعلق بالعلاقات المدنية العسكرية باعتبارها جوهر الأزمة المصرية، وما يتعلق أيضا بتجربة العدالة الانتقالية في مصر ولماذا فشلت، ومنها ما يتعلق بمستقبل التيار الإسلامي في مصر في ضوء تحديات نظام 3 تموز/ يوليو، وما يتعلق بإعادة بناء المفاهيم اللازمة للتموضع الجديد للتيار الإسلامي مثل: "تحديات الحركات الإسلامية في ما بعد الربيع العربي"، و"التمييز بين الدعوي والسياسي".

وكذلك، المبادرة التي أطلقناها لاستعادة فاعلية التيار الإسلامي، وما يتعلق بالتصدي العلمي لأفكار العنف والإرهاب وتقديم تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية للقارئ العربي، ومنها ما يتعلق بإعادة الاعتبار لقيم التعايش بين الحضارات التي بشر بها الإسلام، حيث أطلق المركز مبادرة "مرحبا أخي"، كما أنه أطلق منصة إلكترونية لذات الغرض.

ومنها ما يتعلق بإعادة تقديم التيار الإسلامي للعالم بعد الحملة العالمية التي تعرض لها منذ أيلول/ سبتمبر 2001، حيث "الخطاب الإسلامي الموجّه للغرب بين التحديات والأهداف"، ويدخل في هذا الإطار المؤتمر العام الذي سندعو إليه هذا العام للإعلان عن أهم ملامح المشروع الإسلامي في قرن التحديات ـ القرن الحادي والعشرين ـ وأهم أهدافه خلال العقد القادم حتى 2030.

وأطلق المركز "منصة صالون يناير"، وهو منصة إعلامية دورية لكل المصريين وهي تتعامل مع الشأن المصري في ما يخص ثورته، وتعتمد أساسا على استراتيجية الاصطفاف الوطني الذي نراه المدخل الرئيس لإخراج مصر من أزمتها، وإعادة بناء مصر الجديدة على أسس توافقية.

وأيضا، أطلق المركز "منظمة نجدة لحقوق الإنسان" لتراقب أخطر جنايات نظام 3 تموز/ يوليو، حيث الانتهاك الواسع والفاضح لحقوق الإنسان. كما يعمل المركز على إطلاق منصة حقوقية لمراقبة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، حيث تشهد أيضا تدهورا كبيرا، كما أطلقنا "منصة هويتنا" لتكون دليلا للشباب في عصر اهتزت فيه القيم والعقائد ودفاعا عن الهوية الإسلامية التي تتعرض لحصار هائل في عصر العولمة الثقافية..

علما بأن مركز حريات يقوم على سواعد فريق من الباحثين السياسيين المتطوعين، كما أنه يعتمد في أعماله وأنشطته المختلفة على التعاون مع عدد كبير من الأكاديميين والباحثين والسياسيين المتطوعين من خارج المركز ونجد لديهم كل الترحيب والعون.

لماذا كثرت مراكز الأبحاث بعد انسداد الأفق في مصر؟ وهل يمكن أن يكون لها دور في المعارضة السياسية والخروج من الأزمة؟

 
الاتجاه نحو تأسيس مراكز تفكير هو توجه رشيد أرى أنه تأخر كثيرا، وخاصة من قبل الحركات الإسلامية التي تمثل قوة مجتمعية وشعبية على درجة كبيرة من الأهمية، والتي يجب أن تتعدد مراكز تفكيرها وتتعدد وتتنوع مجالاتها، وذلك لمعاونتها في تجديد أفكارها وتطوير استراتيجياتها، فضلا عن العمل على تقويم أدائها بشكل مستمر وإمدادها بما يساعدها في تقويم أنشطتها وفق منهجية علمية ومراجعة رؤيتها للعالم الذي تغير كثيرا، والذي أصبح ينظر إليها بريبة شديدة.

ويجب أن تكون هذه المراكز مصدرا لإمداد الحركات الإسلامية بالبدائل والاستراتيجيات التي تجنبها المطبات وتعافيها من الكوارث التي وقعت فيها بعضها، لكن لأن التجربة لا تزال في بدايتها فمن الصعب أن نحكم عليها الآن، علما بأنها تحتاج للدعم والمساندة لكي تستكمل دورتها بشكل مناسب ويكون الحكم عليها عادلا.

أما عن دور المراكز البحثية في المعارضة السياسية فهو دور هام، حيث المساعدة في تقدير المواقف وقراءة التحولات والمستجدات، وكذلك التعاون في تشكيل رؤى سياسية تعمل على تجديد المعارضة وطرح سيناريوهات بديلة عند الأزمات واقتراح الحلول السياسية الممكنة، والتي يمكن أن تكون مناسبة للحالة المعارضة، والتي تتفق مع قناعاتها وأهدافها.

إلى أين وصلت مبادراتكم "مرحبا أخي" للتعايش بين الحضارات؟


أطلقنا في نيسان/ إبريل من العام الماضي 2019 البيان التأسيسي للمبادرة، حيث رأينا ضرورتها في ظل تصاعد استباحة المدنيين واتساع نطاقها في السنوات الأخيرة في كافة المجتمعات الإنسانية دون تمييز، وإن كان ذلك يستند لأسباب مختلفة تدور في غالبها بين العنصرية والقتل على الهوية. كما أننا أكدنا أن الإسلام يرفض ذلك قطعيا، وهو أحد الأهداف التي نسعى إليها من خلال مبادرتنا التي تنطلق من قلب العالم الإسلامي لتقول للمجتمع المدني في كل مكان من العالم: تعالوا إلى كلمة سواء نبني عالما جديدا يليق بالقرن الحادي والعشرين ويقوم على قيم الإنسانية الواحدة.

أما عن الخطوة التالية المتوقعة هذا العام فستكون منصبة تجاه إصدار الميثاق التأسيسي للمبادرة، والذي يشمل أهداف وقواعد البناء الإنساني الذي يؤمن سلام المجتمعات كافة، ويكفل التعايش والتكامل، ويعمل على فتح خطوط وقنوات الاتصال بينها دون عوائق، علما بأن الميثاق سيكون متضمنا توقيعات هامة من رموز وشخصيات عامة من كافة الحضارات والثقافات والأديان والأعراق، وستكون التوقيعات مفتوحة بعد ذلك للشخصيات والرموز العامة في كافة المجالات الثقافية والسياسية والفنية والرياضية والحقوقية والخيرية.

وتستعد المبادرة كذلك لإطلاق حملة عالمية تعمل على ترشيح رئيسة وزراء نيوزيلندا "جاسيندا أرديرن" للحصول على جائزة نوبل للسلام، حيث تعتبر المبادرة أن سلوكها وقيادتها في أثر الهجوم العنصري على المسجدين هو النموذج المعاصر الذي تسعى المبادرة لتعميمه عالميا في مواجهة العنصرية والقتل على الهوية، فضلا عن تسليط الضوء والإشادة بسلوك حكومتها والمجتمع النيوزيلندي أثناء الأزمة.

عقدت ندوة منذ أيام تحت عنوان "هل تصلح التنظيمات المسلحة أداة للتغيير السياسي في عالمنا العربي؟".. ماذا أردت أن تقول فيها؟

 
أردت أن أحذر شبابنا من دروب العنف التي أصبحت مفتوحة على مصراعيها بفعل الاستبداد والثورات المضادة؛ فقد أصبحت تمثل فخا مركبا لاصطياد شبابنا ومعهم تسقط المنطقة بكاملها في شراك الحروب الأهلية. فالحقيقة أن هذا المسار يُعد من أخطر التحديات التي باتت تهدد عالمنا العربي وتضع كل بلاده في حروب أهلية تمزق مجتمعاته وتدمر دوله.

ولأن أبواب التغيير قد فُتحت مع الربيع العربي، ولا أتصور أن تُغلق قبل أن تحقق أهدافها؛ فقد وجهت نصيحتي لشبابنا بأن يركز جهوده نحو الاحتجاج السلمي الذي نمتلك فيه القوة الحقيقية، والتي لا تستطيع النظم المستبدة أن تقاومه مهما بدا غير ذلك.

وتضمنت الندوة استعراضا لتجربة مراجعات الجماعة الإسلامية التي تُعد تجربة مهمة ولم تأخذ حقها من الاهتمام والإفادة حتى الآن.

وفي نهاية محاضرتي أكدت على أن عمليات التغيير السياسي والاجتماعي تُعد من أعقد عمليات التغيير، كما أن لها دروبا ومسالك علمية وعملية كثيرة لا بد من دراستها والوقوف على كل أبعادها. كما أن نجاحها مرتبط بتفاعلات كثيرة ليس من بينها العنف أو العمل المسلح الذي يزيدها تعقيدا وربما يقطع الطريق على إمكانيات نجاحها.

كما أن التغيير عملية معقدة ولا تتم فجأة، وإنما تحتاج للتراكم ولفترات زمنية طويلة نسبيا. كما أن اختزال عمليات التغيير السياسي في مجرد القدرة على بناء تنظيم مسلح أو القدرة على شنّ عدة عمليات ضد السلطات الفاسدة سيعقد عملية التغيير ويزيدها صعوبة، فضلا عن المخاطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يرتبها، وخاصة أن منطقتنا مُقبلة على أزمات استراتيجية كبرى تستهدف دولها وهياكلها السياسية وبنيتها الاجتماعية.

كما أنه من خلال استقراء تجارب غالبية التنظيمات المسلحة في عالمنا العربي نجد أنها في غالبها لم تحقق هدف التغيير السياسي الذي سعت إليه، بل قد صبت في صالح دعم النظم المستبدة وكرست بقاءها. ويجب النظر لتجربة الربيع العربي برغم ما تعرضت له على أنها لا تزال فرصة كبيرة لتوطين قواعد وبرامج وآليات الاحتجاج والتغيير السلمي. وأكدت في محاضرتي على أن نجاح الثورات المضادة لا يعني إخفاقا لنظرية "الاحتجاج السلمي"، وإنما لعدم دراستها بشكل كاف وعدم استيفاء شروط نجاحها وعدم التوظيف الصحيح لإمكانيتها الهائلة.

خرجت بعض المبادرات المنسوبة لبعض المعتقلين بهدف إخراجهم من السجون وتسوية أوضاعهم.. فكيف ترون تلك المبادرات؟

 
بيانات المعتقلين في رأيي حقيقة واقعة، وإن بدت فيها أحيانا اللهجة والنفس الأمني، وذلك لأننا نعلم باستفاضة حجم المعاناة التي يعانيها المعتقلون الآن، ونعلم أنهم يعيشون ظروفا لا يحتملها بشر، ولهذا فمن الواجب ألا نشكك فيها، بل ننصرف إلى العمل على رفع هذه المعاناة بكل طريق. وفي رأيي أن الأولوية الأولى للمعارضة اليوم وخاصة معارضة الخارج قد أصبحت مرتبطة بالعمل على إنقاذ لحمنا الحي في السجون قبل أن يلتهمها الجبابرة والوحوش، وسُبل ذلك كثيرة.

أنت، وعدد من القيادات المصرية، تتحدثون منذ سنوات عمن تصفونهم بالحكماء أو الشرفاء في المؤسسة العسكرية.. فأين هؤلاء الحكماء أو الشرفاء؟

 
ما زلت عند رأيي في ضرورة الاستمرار في مخاطبة الحكماء والشرفاء داخل المؤسسات، وخاصة المؤسسة العسكرية، لأسباب كثيرة منها علمي بطبيعة الشخصية المصرية التي تحتفظ في داخلها بقيم الشرف والأمانة مهما تراكم فوقها من الفساد، وإن ظلت كامنة لا تبدي تبرما. ومنها احتكاكي بكثيرين ممن يعملون داخل هذه المؤسسات على مدى سنوات طويلة سواء كانوا معارف أو أقارب وكيف أن منهم من يتمتع بأمانة وحس وطني لا تجده في أي مكان آخر من العالم.

ومنها أن الخطايا السياسية التي تُرتكب في هذه الحقبة فوق احتمال وطاقة أي ضمير إنساني، ولا تحتاج لوطنية مفرطة لإنكارها، وخاصة لمن هو داخل المؤسسات، ومنها أن الخطاب السياسي لأي معارضة وطنية ذكية يجب أن يعتمد على قوته وموارده التي تعيش وتسكن خلف الخطوط الحمر للصراع، بل ويمكنها أن تُشكّل أذرعا هامة للتغيير المنشود؛ فما دك حصون فرعون غير موسى الذي تربى داخلها.

ولعلك تذكر كيف أن الفريق عنان الذي وجّه إليه بعض الثوار العديد من الاتهامات واتهمه البعض بالجبن، لأنه انسحب في انتخابات الرئاسة الأولى إذا به يعود في الانتخابات التالية مقررا خوض المعركة نيابة عن شرفاء القوات المسلحة، وعن قيم الوطنية المصرية التي ظن البعض لسبب ما أنها قد ماتت داخله.

كما أن المستشار هشام جنينة تلك الشخصية النبيلة والأمينة صاحبة الخصال الفريدة في الرجولة والوطنية التي يجب أن نفخر ونعتز بها هو خريج هذه المؤسسات وتربية هذه المدرسة. أما أن نعلق كل المؤسسات على المشانق لأنها لم تتحرك ضد الفساد فرادى وجماعات فهذا يدل على عدم إدراك طبيعة المؤسسات المصرية وطبيعة العمل داخلها ولا طبيعة الشخصية المصرية.

كيف استقبلت بدء ضخ وتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر وهي الخطوة التي وصفتها تل أبيب باليوم التاريخي والأعظم بعد كامب ديفيد؟ وإلى أي مدى وصلت علاقة السيسي بإسرائيل؟ وهل تُعد إسرائيل هي المستفيد الأول من تكميم أفواه المصريين كما يقول البعض؟


من أهم مضامين تصريح نتنياهو هو أنه قام بالربط بين خطوة تصدير الغاز وبين كامب ديفيد؛ فالحقيقة التي يجب أن ندركها أن كامب ديفيد هي قاعدة الأساس للقوة والغطرسة الإسرائيلية الحالية، والتي بدأت في الظهور في المنطقة بشكل واضح منذ ذلك التاريخ، كما أنها مهدت الطريق للانفراد بالعرب، ومن ثم جاءت أوسلو ثم وادي عربة، ولولاها ما كنّا قد وصلنا اليوم لصفقة القرن التي تشطب تماما دولة فلسطين، كما تتوج إسرائيل القائد الإقليمي الوحيد في ظل عمليات تجري على قدم وساق لتمزيق المجتمعات وتقزيم الدول الكبرى بالمنطقة وتجريف كافة القوى والكيانات السياسية الفاعلة.

وكل هذا في رأيي يشير بوضوح لأهمية مصر ومحورية دورها في المنطقة، وهذا هو أحد أهم أسباب دعم إسرائيل للانقلاب العسكري فيها؛ فضلا عن أن ثورة يناير كانت تبشر بإعادة التوازن الاستراتيجي للمنطقة بما يمكن من بناء استقرار قائم على السلام والعدل.

كيف تنظرون لملف المصالحة الخليجية "المتعثرة" وفرص نجاحه؟

 
لا بد من أن أؤكد أولا أنني مع إعادة ترتيب البيت العربي ابتداء بالمصالحات مع الشعوب ثم المصالحات بين الأنظمة السياسية العربية، وبدون ذلك فإننا مُقبلون على حقبة من أحلك الحقب في التاريخ العربي كله. ولهذا تمنيت أن تتوج الأزمة الخليجية بحل عربي، لكني للأسف ما زلت ألمح إصرارا على تركيع قطر صاحبة السياسات العربية الذكية والحكيمة، والتي أحرجت خصومها بقيمها العروبية حتى في فترات الحصار المهين الذي أضر بسمعتنا في العالم كعرب ومسلمين.

 

الحلقة الأولى للمقابلة: طارق الزمر: ثورة يناير انتصرت.. وخلع مبارك تحول تاريخي


الحلقة الثانية للمقابلة: الزمر: مؤتمر عام لبحث وتطوير التيار الإسلامي العام الجاري

 

التعليقات (0)