قضايا وآراء

أبناء مرسي وانتقام العسكر

عصام تليمة
1300x600
1300x600

أخلاقيات الحكم العسكري في الانتقام من أصحاب الفضل عليه، واحدة في كل العصور، لسنا هنا نتحدث عن انتقام الحكم العسكري من خصومه السياسيين، بل نحن هنا نتحدث عن انتقامهم ممن كان لهم فضل عليهم، والحديث عن هذا الموضوع بمناسبة ما يجري مع أسامة ابن الرئيس الشهيد محمد مرسي، والذي يتم التنكيل به، والانتقام منه، وممارسة كل ألوان التكدير والإيذاء البدني والنفسي لأنه ابن محمد مرسي.

 

سلوك عسكري قديم

وهذا السلوك الدنيء، نلاحظه في مسيرة الحكم العسكري، فلو قلبنا صفحات التاريخ المعاصر منذ عبد الناصر وحتى السيسي، سنجد هذا السلوك واضحا، فقد نكل عبد الناصر بكل أصحاب الفضل عليه، بداية من محمد نجيب رحمه الله أول رئيس لمصر بعد إنهاء الملكية، والذي وضع يده على رقبته في ليلة 23 تموز (يوليو) سنة 1952م، وقد غامر بكل تاريخه وحياته، ليقف مع هؤلاء الضباط الشباب الذين قاموا بانقلابهم.

ومع ذلك غدر به عبد الناصر، ولم يكتف بعزله من رئاسة الجمهورية، بل وجدناه وزملاءه يهينون الرجل، وهو الرتبة العسكرية الأعلى منهم، ويتطاولون عليه، بالأيدي والألسنة، بكل بذيء من الكلام والفعل يهين الرجل، وعزلوه لسنوات طويلة، لا يعيش إلا مع القطط والكلاب، الذين وجد منهم الوفاء الذي افتقده مع زملاء ورفاق طريق الثورة والعسكرية.

 

أخلاقيات الحكم العسكري في الانتقام من أصحاب الفضل عليه، واحدة في كل العصور،


وانتقل التنكيل من نجيب إلى أبنائه فيحكي محمد نجيب في مذكراته: "كنت رئيسا لمصر" ما قام به حكم العسكر من التنكيل بأبنائه: علي، وفاروق، ويوسف. أما علي ففي ليلة كان يوصل زميلا له فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وامرأة تهجم عليه، وتحاول قتله، وعندما هرب جرت وراءه السيارة وحشرته بينها وبين الحائط، ونزل الرجال الثلاث وأخذوا يضربونه حتى خارت قواه، ونزف حتى الموت، ونقل جثمانه إلى مصر فطلب اللواء نجيب أن يخرج من معتقله ليستقبل نعش ابنه ويشارك في دفنه... لكنهم رفضوا، كان هذا في عام 1968.
 
أما ابنه الثاني: (فاروق) فقد استفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه، وقال له: ماذا فعل أبوك للثورة؟ لا شيء، إنه لم يكن أكثر من خيال مآتة، ديكور واجهة لا أكثر ولا أقل. فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر. يومها لم ينم فاروق في البيت، فقد دخل ليمان طره، وبقي هناك خمسة أشهر ونصف.. خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب، وبعد فترة قليلة مات. 

ولا يختلف الأمر في الحديث عن السادات، فعندما فصل من عمله، لم يكن يمد له يد العون سوى الشيخ حسن البنا، وعبد المنعم عبد الرؤوف أحد أعضاء التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، ومع ذلك كان السادات أحد القضاة العسكريين الذين حكموا على الإخوان بالإعدام والسجن في محاكمات الثورة، ومن هؤلاء الذين حكم عليهم: عبد المنعم عبد الرؤوف، الذي باع ذهب زوجته وأعطاه للسادات عندما فصل من الجيش في قضية اغتيال أمين عثمان.

 

مبارك تنكر لأهله قبل مرسي وأبنائه

ومبارك، يحكى عنه أكثر من سابقه، بل يكفيه فقط أنه تنكر لأهله وهم أصحاب الفضل عليه، فقد اكتشفت ورقة حكم نفقة عليه لصالح أمه، ونسيت الأوراق ولم ينتبه أحد لتمزيقها، أو لإغلاق الملف نفسه، ولما سقط مبارك، وجدت القضية من يبحث عنها، ويخرجها للعلن. وموقفه من المشير الجمسي، وقد كان قائده، وكيف تعامل معه بنكران لفضله.

وليس غريبا ما نراه الآن من حكم السيسي العسكري، ومن معه، والتنكر والتنكيل بالدكتور محمد مرسي رحمه الله، في سجنه، والإجراءات التي تمت معه، بما تلقي بأدلة وقرائن على أن الرجل قتل في محبسه، أو مورس معه ما يؤدي إلى وفاته، فكل الطرق وكل الممارسات لن تؤدي قطعا إلا إلى وفاته.

 

يد التنكيل والانتقام تنتقل إلى ابن آخر من أبناء مرسي، وهو أسامة محمد مرسي، من اعتقال وتلفيق تهم له زورا، بلا بينة ولا دليل، سوى أنه ابن مرسي


ثم بعدها نفاجأ بوفاة ابنه عبد الله، وهو في ريعان الشباب، ومحاولة الحكم العسكري إلصاق التهم بسمعة الشاب تنكيلا به وبوالده الذي مات قبله بفترة قصيرة جدا، ولا تخلو وفاة عبد الله مرسي من شكوك حولها كذلك، وتشير أصابع الاتهام أيضا إلى حكم العسكر.

والآن نرى يد التنكيل والانتقام تنتقل إلى ابن آخر من أبناء مرسي، وهو أسامة محمد مرسي، من اعتقال وتلفيق تهم له زورا، بلا بينة ولا دليل، سوى أنه ابن مرسي، وأنه كان كثير التصريح والكتابة والحديث في وسائل الإعلام المتاحة، ليعبر بها عن الظلم الذي يمارس ضد والده.

وقد أعلن ـ منذ أيام قلائل ـ فريق الدفاع عنه أنه قد دخل في إضراب عن الطعام، بسبب ما يمارس معه، وأنه غير آمن على حياته في سجن العسكر، وإذا كان التقصير من أنصار مرسي قد تم معه إلى أن مات في سجنه شهيدا، فإن الأمر لم يعد يحتمل أن يكتفي الحقوقيون والسياسيون بمجرد هاشتاج على تويتر، أو كتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أصبح الحال الآن خطيرا على أسامة مرسي، وعلى كل السجناء والمعتقلين، من كل الاتجاهات.

وإذا كان أسامة ومن معه في المعتقل قد دخلوا في إضراب عن الطعام، من قبل، والآن، فإن مستجدات السجون تجعل التحرك القوي والسريع لازما على الجميع، فالعالم كله يحبس أنفاسه، ويصيبه الرعب من فيروس (كورونا)، وهم خارج السجون، وفي إمكان الكثيرين منهم  التحصن من الإصابة، فما بالنا بآلاف الأشخاص في السجون، يترك أي مريض منهم يصارع الموت وحده داخل زنزانته، فما بالنا بوباء خطير كهذا صنفته منظة الصحة العالمية بأنه وباء عالمي.

لا بد من ممارسة كل الضغوط عالميا، سياسيا وطبيا وحقوقيا، بإخراج المعتقلين، لأن علاجهم لن تسمح به هذه السلطات المجرمة، فقد مورس القتل البطيء مع كل مرضى السجن، وقد كان العلاج متوافرا لديهم، وعرض أهالي السجناء علاجهم، فما بالنا والحال الآن، في وباء لم يكتشف له علاج بعد، وليس هناك من وسيلة سوى الوقاية. هذا ما لا بد من السعي فيه الآن من كل الشرفاء، وعلى كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وإلا كانوا عرضة لانتقام العسكر كما فعلوا مع سابقيهم.

[email protected]

التعليقات (0)