صحافة دولية

هل تستطيع دول الغرب اتباع طريقة الصين الصارمة لمواجهة كورونا

اتخذت الحكومة إجراءات صارمة لاحتواء انتشار الفيروس واستخدمت كل إمكانياتها في المراقبة والتكنولوجيا لذلك- جيتي
اتخذت الحكومة إجراءات صارمة لاحتواء انتشار الفيروس واستخدمت كل إمكانياتها في المراقبة والتكنولوجيا لذلك- جيتي

ناقشت صحيفة "التايم" البريطانية فرضية قدرة الدول الغربية على اتباع الطريقة الصارمة والمتطرفة التي اتخذتها بكين لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، بغض النظر عن معايير حقوق الإنسان.

 

تقول الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21": انتشرت فيروس كورونا المستجد بسرعة في أنحاء الصين، واتخذت السلطات موقفا صارما لمحاربته. كانوا بطيئين في الاستجابة في البداية، فقد أنكروا أنه يمكن أن ينتشر بين البشر، وحاولوا قمع كل الروايات التي تؤكد عكس ذلك. ولكن مع ارتفاع أعداد الحالات بشكل كبير، اتجهت بكين إلى أبعد الحدود لمحاربة الفيروس في حملة وصفها الرئيس الصيني شي جين بينغ، بأنها "حرب الشعب".

كانت الإجراءات الأكثر إثارة للجدل، هي عزل عشرات الملايين من الناس في ما يُعتقد أنه أكبر حجر شبه صحي في تاريخ البشرية.

بعد أقل من شهرين من دخول الإغلاق حيز التنفيذ، يبدو أنه آتى أكله وفقا لمسؤولي الصحة الصينيين، الذين أعلنوا الخميس الماضي أن البلاد تجاوزت ذروة وباء الفيروس التاجي.

تلقت بكين المديح لجهودها الشاقة؛ فقد قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، "إن الحكومة الصينية تستحق التهنئة على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها لاحتواء تفشي المرض، على الرغم من التأثير الاجتماعي والاقتصادي الشديد لهذه التدابير على الشعب الصيني".

ويحاول المسؤولون في أماكن أخرى في العالم اتخاذ تدابير مماثلة؛ فقد تم وضع إيطاليا بأكملها تحت الإغلاق، وأعلن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي أن جميع وسائل النقل البري والبحري والجوي داخل منطقة العاصمة مانيلا وخارجها، موطن 13 مليون شخص، سيتم منعها حتى منتصف نيسان/ أبريل. في الولايات المتحدة، أمر حاكم نيويورك أندرو كومو بـ "منطقة احتواء" في ضاحية مدينة نيويورك في نيو روشيل، حيث تم إغلاق جميع أماكن التجمعات العامة، وتم نشر الحرس الوطني للمساعدة في توصيل الطعام وتعقيم المناطق العامة.

لكن آخرين يشككون في تكلفة احتواء الصين للفيروس بهذه الطريقة الصارمة، ويتساءلون عما إذا كان الأمر يستحق التحول إلى إجراءات قاسية، تنتهك الحريات المدنية للمواطنين بشكل عشوائي وتعيق سبل عيشهم.
 الآن، بينما يواجه بقية العالم وباء متزايدا، يتطلع صانعو السياسة إلى النموذج الصيني لتحديد ما إذا كانت الإجراءات الأكثر عدوانية ممكنة، أو حتى مرغوبة.

يقول توماس بوليليكي، مدير برنامج الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية ومقره واشنطن العاصمة: "لا يمكن لأي دولة أخرى (غربية أو غير ذلك)، أن تسعى أو يجب أن تسعى لتكرار تصرفات الصين". ويتابع، "إن تجاهل الحريات المدنية وحقوق الإنسان التي أظهرتها الحكومة في الحجر الصحي وأنشطة الرقابة، لا تنفصل عن سياسات الحكومة وأفعالها، التي ساهمت في تفشي المرض في المقام الأول".

في 23 كانون الثاني/ يناير قطعت السلطات الصينية جميع وسائل النقل من وإلى مدينة ووهان، وهي مدينة في وسط الصين يسكنها 11 مليون شخص يعتقد أن الفيروس نشأ فيها، وأمرت الناس بالبقاء في منازلهم ما لم يحتاجوا إلى شراء البقالة أو طلب الرعاية الطبية. تم إغلاق المدارس والمكاتب والمصانع. تم حظر المركبات الخاصة من شوارع المدينة. في غضون أيام، توسعت عملية الإغلاق لتشمل عدة مدن أخرى تضم 60 مليون شخص.

امتدت عمليات الإغلاق إلى ما وراء الأماكن العامة، وفرضت السلطات ضوابط اجتماعية على الحركة الخاصة للسكان. تفاوتت في درجات التشدد؛ من نقاط التفتيش عند مداخل المباني إلى القيود الصارمة عند الخروج. في بعض المجمعات السكنية، منع حراس الأمن الناس من الدخول والخروج. في ووهان، تم نشر جيوش التنفيذيين لضمان امتثال المواطنين للحظر، وذهب المتطوعون من بيت إلى بيت للتحقق من درجات حرارة السكان. تم إرسال أولئك الذين تبين أنهم مصابون بالحمى إلى مراكز الحجر الصحي.

أطلق المسؤولون جهودا واسعة النطاق لتتبع الاتصالات بالمصابين، واستفادت الحكومة من أنظمة المراقبة الجماعية والتكنولوجيا لتقييد تحركات الأشخاص. وقال أحد أصحاب المطاعم في مقاطعة سيتشوان، الذي سافر إلى مقاطعة هوبي، إن الشرطة حضرت إلى منزله وأمرته بالحجر على نفسه. عندما خرج لالتقاط الفجل والملفوف، قال إنه تلقى مكالمة هاتفية تطلب منه العودة إلى المنزل على الفور.

جندت الحكومة أيضا شركات التكنولوجيا لإنشاء تطبيقات لمنح الأشخاص تصنيفا صحيا مرمّزا بالألوان، بناء على الظروف الصحية للشخص وتاريخ السفر، للتحكم في من يذهب إلى أي مكان.

وفقا لكثير من الخبراء ، فإن الإجراءات التي نفذتها بكين لاحتواء الفيروس نجحت. يقول تقرير كتبه خبراء الصحة الذين سافروا إلى مركز تفشي المرض لدراسة استجابة الفيروس التاجي للعالم، "إن نهج الصين الجريء لاحتواء الانتشار السريع لهذا العامل التنفسي الجديد، غيّر مسار الوباء المتصاعد والمميت بسرعة".

وبحسب التقرير، بلغت الحالات في الصين ذروتها في أواخر كانون الثاني/ يناير. ويقول التقرير: "هذا الانخفاض في الحالات عبر الصين حقيقي". إن إغلاق مدينة ووهان ومدن أخرى في مقاطعة هوبي "منع بشكل فعال تصدير المزيد من الأفراد المصابين إلى بقية البلاد".

يجادل البعض بأنه نظرا لفعالية استجابة بكين، لا ينبغي للحكومات في أماكن أخرى أن تتردد في تنفيذ إجراءات صارمة في المناطق التي ترتفع فيها العدوى.

يقول ديل فيشر، أستاذ الطب في جامعة سنغافورة الوطنية، الذي كان من بين الخبراء الذين انضموا إلى البعثة التي تقودها منظمة الصحة العالمية في الصين في نهاية شباط/ فبراير: "كان الوضع متطرفا، ولكن كان الأمر كذلك". "لقد علموا مما حدث في ووهان، أن الأرقام يمكن أن تنتقل بسهولة من 300 إلى 800 إلى 2000، بينما ما تزال تفكر في ما يجب عليك القيام به."

لكن منتقدين يقولون، إن الإجراءات التي نفذتها الصين لفرض حظرها انتهكت حقوق الإنسان.

قال بعض سكان المناطق المتضررة، إنهم لم يتمكنوا من الحصول على الضروريات والرعاية الطبية، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

في حالة واحدة، توفي مراهق مصاب بالشلل الدماغي عندما أجبر والده وشقيقه على الحجر الصحي وتركوه وحده. قال رجل مصاب بالسرطان في هوانغقانغ، وهي مدينة بالقرب من ووهان تحت الإغلاق أيضا، إنه غير قادر على شراء الأدوية المنقذة للحياة، وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

وبحسب ما ورد، يعاني بعض الأشخاص المحظورين من مشاكل في الصحة العقلية، ناجمة عن الخسائر العاطفية لأسابيع في شقق صغيرة، غير قادرين على رؤية الأصدقاء والعائلة.

مع إغلاق المكاتب والمصانع، توقف الاقتصاد وتوقف العديد من الصينيين عن العمل.

يقول بن كاولينج، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في جامعة هونغ كونغ: "الإجراءات المطلوبة لوقف انتقال العدوى بالكامل قد تكون شديدة التطرف اجتماعيا أو اقتصاديا". "يجب أن يكون هناك توازن بين حماية حياة الناس وسبل عيشهم".

وقد اتبعت بعض الدول بالفعل القيادة الصينية واتخذت إجراءات صارمة. قامت إيطاليا، وإسبانيا بتطبيق حظر وطني.

أمر رئيس الوزراء الإيطالي بإغلاق جميع المتاجر - بما في ذلك المطاعم والمقاهي والحانات - حتى أواخر شهر آذار/ مارس، باستثناء متاجر البقالة والصيدليات. تم حظر جميع الفعاليات العامة وتم تعليق الدراسة في جميع أنحاء البلاد. تم إغلاق الأماكن العامة، مثل الصالات الرياضية ودور السينما. يمكن للأفراد الذين يتحدون الإغلاق، أن يواجهوا ما يصل إلى ثلاثة أشهر في السجن أو غرامة تصل إلى حوالي 230 دولارا.

المسؤولون يحثون المواطنين على الامتثال. وحث رئيس الوزراء الإيطاليين: "يجب أن نفهم أنه يجب علينا جميعا التمسك بهذه الإجراءات، ويجب ألا نقاومها". "يجب ألا نحاول أن نكون أذكياء."

ما إذا كان الإغلاق في إيطاليا يبطئ انتشار الفيروس ويعطي المسؤولين الوقت لاستعادة السيطرة، يبقى أن نرى. ومع ذلك، يقول الخبراء إن فعالية الإجراء ستتوقف على التزام مواطنيها بالقواعد. من المؤكد أنه سيكون من الأصعب مراقبة مكان الأشخاص مثلما يحدث في الصين، حيث تم استخدام أسراب من المسؤولين المحليين والمراقبة عالية التقنية لمتابعة تحركات المواطنين.

بيلي كويلتي، مصمم نماذج الأمراض المعدية في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي يقول: "يعتمد ذلك على مدى مراعاة القيود وتطبيقها، وإلى متى، حيث من المحتمل أن يكون من الصعب تحملها والحفاظ عليها لفترات طويلة".

في الأماكن الأكثر تضررا في الولايات المتحدة، بدأت السلطات في فرض تدابير إلزامية في محاولة لمنع الفيروس من الانتشار أكثر. وفي ولاية واشنطن، حظر الحاكم تجمعات لأكثر من 250 شخصا في ثلاث مقاطعات. يبدو أن منطقة الاحتواء في نيو روشيل، نيويورك، هي أصعب إجراء حتى الآن لوقف انتشار العدوى، على الرغم من أنه حتى هناك، يُسمح للسكان بالقدوم والخروج من المدينة كما يحلو لهم.

ولكن الحياة توقفت بالفعل في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، أغلقت مسارح برودواي أبوابها، وعلّق الدوري الأمريكي للمحترفين موسمه، وألغت الرابطة الوطنية لكرة السلة بطولة كرة السلة، وأعلنت عدة ولايات إغلاق المدارس. طلبت العديد من الشركات الكبرى بالفعل من الموظفين العمل من المنزل.

يقول بعض خبراء الصحة، إنه لم يحن الوقت بعد للنظر في عمليات الإغلاق الجماعي في الولايات المتحدة. د.إيفون مالدونادو، عالمة الأوبئة وأخصائية الأمراض المعدية في ستانفورد ميديسين، أخبرت الصحيفة أن الارتفاع السريع في أعداد الحالات المسجلة في الصين، قد يكون إشارة على أن انتشار المرض دون رادع لمدة تصل إلى بضعة أشهر قبل اكتشافه. لكن المسؤولين في الولايات المتحدة، حيث تم تأكيد أكثر من 1600 حالة إصابة بالفيروس، لديهم المزيد من الوقت للاستعداد.

وتقول: "يبدو وباؤنا مختلفا حقا عن الوباء الصيني". "أعتقد للأسف أن الصين تتحمل العبء الأكبر، وهذا منحنا المزيد من الوقت للاستعداد."

يقول آخرون، إنه حتى لو تم تنفيذ إجراءات الإغلاق، فهذا وحده لا يكفي لوقف انتشار الفيروس. أخبر كاولينج، من جامعة هونغ كونغ، الصحيفة، أن إغلاق الصين ما كان ليعمل إذا لم يقترن المسؤولون أيضا بإجراءات الاحتواء الصارمة، اختبار واسع النطاق للعثور على أكبر عدد ممكن من الحالات، ثم عزل المصابين، وفرض حظر أي اتصالات على الذين قد يصابون وذلك لوقف سلاسل انتقال العدوى. ووفقا لتقرير مهمة منظمة الصحة العالمية، في ووهان وحدها، قام أكثر من 1800 فريق من علماء الأوبئة بحد أدنى 5 أشخاص لكل فريق، بتتبع عشرات الآلاف من جهات الاتصال يوميا.

التعليقات (0)