تقارير

لماذا يسعى الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على جبل العرمة؟

يعي الفلسطينيون أن السيطرة الصهيونية على جبل العرمة تعني قطع طريق "بيتا- أوصرين- عقربا"
يعي الفلسطينيون أن السيطرة الصهيونية على جبل العرمة تعني قطع طريق "بيتا- أوصرين- عقربا"

شهدت الأسابيع الأخيرة مواجهات في جبل العُرمة شرق بلدة بيتا، حَيثُ تصدى الأهالي لمُحاولات المستوطنين الوصول للجبل، وحالوا دون قيام جيش الإحتلال من إنزال السارية التي رُفعت على قمته.
ويتساءل البعض: لماذا جبل العُرمة؟ لماذا صار الاحتلال مُهتماً بالوصول للجبل والسيطرة عليه؟

 



وكي نفهم السياق الاستعماري الذي يدفع باتجاه السيطرة على جبل العرمة علينا أن نعود لقراءة الخارطة الاستيطانية في المنطقة، ثم نُطالع المخططات المنوي تنفيذها لنفهم ما الذي قد يُغيره الاستيلاء على جبل العُرمه؟
 
البدايات الأولى

مَرّ الاستيطان في جنوب نابلس بعدة مراحل بعد العام 67، وكانت المرحلة الأولى قد تجلت بفصل الأغوار والسفوح الشرقية عن قرى جنوب شرقي نابلس، وتوج ذلك بإقامة المستوطنة الأولى في الأغوار عام 1969 وحملت اسم (مُسواه)، وتعني المنارة أو الشعلة، وهو اسم توراتي هَدف لربط المكان بالجبل الأعلى في الغور هو جبل قرن سرطبة.

ثم تلا ذلك سلسلة مُصادرات وتوسّعات لإقامة تجمعات استيطانية في المنطقة كان منها: (بتسائيل 1972، جيتيت 1972، معاليه افرايم 1978، تفوح 1978، ايتمار 1983، مجدليم 1983)، وهي أسماء توراتيه استُحضرت لخلق هوية تربط المستوطنين بالمكان الذي سيطروا عليه.

 



وقد شكلت هذه المُستوطنات طوقاً حول قُرى مشاريق نابلس، ثم خدمتها شبكة الطرق التي شقها الاحتلال لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض قاطعاً الطريق بين التجمعات العربية.

غير أن التجمع الاستيطاني الذي شكل الثقل الأساس في الضغط باتجاه سلب الأراضي والسيطرة عليها، وتغيير جُغرافية الأرض، كان مستوطنة ايتمار (تل حاييم)، التي أقيمت عام 1983 على أراضي عورتا ـ يانون ـ روجيب، ثم بدأت تتوسع وتصادر الأراضي في تلال الغور والسفوح الشرقية التابعة لقرى: بيت فوريك، عقربا.
 
تُعتبر مستوطنة ايتمار نموذجاً للخلايا الصهيونية الحية التي تتوسع بشكل دائم، حتى أنها فَرّخت عِدّة بؤر استيطانية تابعة لها منها: جفعات عولم 1996، وجفعات أرنون (التلة777) 1998. وقد استطاعت هذه البؤر السيطرة على التلال العالية الواقعة بين القرى في المنطقة. وكان داعي الإستيطان الأبرز في هذه التلال الصهيوني (أفري ران) الذي كان ضابطاً في الشاباك ثم ضابطاً كبيراً في الجيش الصهيوني، والذي بدأ مشروعه الاستعماري بالسيطرة على التلال والسهول في شفا الغور من خلاله صبيانه وزعرانه.
 
وبعد العام 1999 تحولت البؤر الاستيطانية التابعة لمستوطنة ايتمار لعامل إرهاب دائم في المنطقة من خلال الاعتداء على الرعاة والمزارعين والهجوم شبه اليومي على قرية يانون، مما أدى لترحيل أهلها بالقوة عام 2001، ثم أقدموا على إعدام المواطن محمد حمدان بني جابر 60 عاماً، بالقرب من جبل العرمة في العام 2005، أثناء رعيه للأغنام في سفح الجبل الشرقي. وصار التواجد الصهيوني حاضراً في محيط الجبل مدعوماً بقوة السلاح، وصار بإمكان المُستوطن (جدعون) سوق أغنامه إلى جبل العرمة حاملاً سلاحه وبرفقته مجموعة من القتلة، في وقت يُمنع العرب من الاقتراب من المنطقة، وصار التواجد العربي بحاجة إلى تنسيق مع الإرتباط الصهيوني. وصارت المنطقة بين بلدتي بيتا ـ عقربا مُهددة بالاستيطان.

الصهيونية مُجدداً

من الواضح أن جهود الحركة الصهيونية في خلق رواياتها التاريخية عن المعالم الأثرية هو مما يحرك المستوطنين للسيطرة على التلال الأثرية في فلسطين. وقد نشط مؤرخو الحركة الصهوينة بالزج بتأويلاتهم وخيالاتهم في وصف تاريخ البلاد وأماكنها الأثرية، وكان من بين ذلك جبل العرمة الذي تسعى نصوصهم المُختلقة لربطه بالتاريخ التوراتي.
 
وهذا ادعاء تكذبه الحقائق الأثرية والسياق التاريخي المُرتبط بالجبل وطبيعة عمارته التي تعود لفترات تاريخية عدّة، لكن المشروع الصهيوني الحالم لا يزال مُؤمناً بأن مثل هذه الروايات المَسنودة بالقوة ستكون قادرة على دفع غُلاة الإستيطان للتحرك نحو الجبل وبسط السيطرة عليه بالكامل، أو عزله عن محيطة العربي.

 

 



مزاعمٌ صهيونية لدوافع استعمارية تتلبس ثوب التاريخ بهدف السيطرة على معلم أثري حي في علاقته مع الأهالي منذ أول حضارة عَمّرت به حتى اليوم.

وكان غُلاة الاستيطان قد دعوا عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الإجتماعي للتحرك إلى جبل العُرمة، وجاء في أحد الدعوات:
 
"سنعود إلى الحصن لنحافظ على تراثنا. يوم الجمعة عند الـ 7:45 صباحًا، سنذهب في رحلة مشي أو بالدراجات إلى القلعة التاريخيّة (العرمة) بقيادة وتوجيه يوسي دغان؛ رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية. وسنستمع لمحاضرة عن أهمّية الحصن في العصر التوارتي. سنرى بقايا الحصن الذي شُيّد لحماية الحدود الشمالية لمملكة السامرة. الرحلة مصرّح بها من قبل سلطات الجيش الإسرائيلي" / مكان التجمّع: في مستوطنة "ايتمار".

هذه الدعوة الصهيونية هي ما حرك المواجهات ودفع بالشباب للتحصن بالجبل منعاً للاستيطان من تدنيسه، بدافع خلق روايات عن الجبل الأثري الذي شهد تتابعا حضاريا من العصر البرونزي الوسيط حتى الفترة الأموية. والذي ظل عامراً بأهله والمزراعين في محيطة حتى اليوم.

لماذا العرمة؟ 

استطاع المشروع الصهيوني خلال الـ 30 سنة الماضية السيطرة على التلال الرابطة بين القرى الفلسطينية في جنوب شرق نابلس، وصارت الطرق بين هذه القرى مقطوعة ويجب أن تمر من تحت عيون المستوطنين، الذين سيطروا على التلال العالية. وبات بإمكان مستوطني ايتمار التحرك من شرق نابلس حتى الأغوار دون الحاجة للمرور بأيٍ من الطرق أو التجمعات العربية، وبذا نجح المستوطنون بقطع التواصل الجغرافي بين القرى الفلسطينية.

 



ثم بدأت الحركة الصهيونية تنشط لخلق طرق تربط (ايتمار) بالمستوطنات المُحطية بها وتحديداً (جيتيت) الواقعة شرق بلدة عقربا عبر طريق يمر من سهول خربة الطويل المُهددة بالمُصادرة بحجة أنها منطقة عسكرية، وثانياً راج الحديث عن مُحاولات لشق طريق يربط (ايتمار) بمستوطنة (مجدليم) أو بالشارع الالتفافي الواصل بين زعترة والأغوار. الأمر الذي الذي من الصعب شقه دون أن يكون للمستوطنين إشراف على هذه الطريق من خلال الجبال التي تطل عليها وأعلاها جبل العُرمه، وهنا مربط الفرس في الصراع على الجبل.

يعي الأهالي بأن السيطرة الصهيونية على جبل العرمة تعني قطع الطريق بين (بيتا ـ اوصرين ـ عقربا)، وهي ثلاثة بلدات تمتد حالياً نحو التلال الواقعة بينهما، لأنه لم يبقَ لها مكان تتوسع بإتجاهه بسبب الطرق الإستيطانية ومصادرة الأراضي الشرقية التي تمتد شرقاً للأغوار. وخلال سنوات قريبة يُمكن لهذه القرى أن تلتقي عُمراياً. وهذه من الأسباب التي تسبب القلق من سيطرة المستوطنين على هذا الجبل المرتفع والمُشرف على ما حوله.

وهذا الوعي الفلسطيني بأهمية الجبل المرتفع والمُشرف على ما حوله، والذي يُشكل نقطة الوصل بين القرى الفلسطينية في جنوب نابلس، هو ما يدفع الأهالي للمرابطة فيه والإعتصام على قمته لافشال المخططات الصهيونية.

 

التعليقات (0)