قضايا وآراء

أحكام ضحايا كورونا.. الغسل والصلاة والعزاء!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

يمتاز التشريع الإسلامي بالمرونة والتيسير، ومراعاة مصلحة الإنسان الدنيوية والأخروية، وعدم تعارض أحكامه مع مصلحة الإنسان الخاصة والعامة، بل يقيم توازنا كبيرا بينهما. وقد احتاج الناس إلى إيضاح رأي الشرع في قضايا وجدت بعد انتشار وباء كورونا، وقد أودى بأرواح آلاف من الناس في شتى بقاع الأرض، وقد شُغل المسلمون بالسؤال عنها.

وينبغي على الفقيه المسلم أن يكون مشغولا بالبحث عن مثل هذه الأحكام والأسئلة، ينطلق في الإجابة عنها من ثوابت الشرع، ناظرا إليها بعينين: عين تراعي هذه الثوابت، وعين تراعي الواقع الذي يعيشه الناس، فلا يجعلهم يشعرون بتناقض بين دينهم ودنياهم، ولا بين الإسلام والحياة.

 

الحالة الآن استثناء وليست طبيعية، فالمرض وباء وعدوى خطيرة، فهل تظل هذه الأحكام على حالتها في ظل هذا المرض؟


وقد أفتى عدد من العلماء المسلمينَ بعدم الذهاب للمساجد للجمعة والجماعات مراعاة لصحة الناس، ومخافة أن تصيبهم الأوبئة بالعدوى، والفقه الإسلامي فيه أحكام للإنسان في جميع حالاته، من حيث الصحة والمرض والموت، ولكل حالة منها أحكامها وتفاصيلها، خاصة من يمرض أو يموت بهذا الوباء.
فالأصل في الإسلام: أن الميت له أحكام مكلف بها المسلمون نحو أخيهم المسلم الميت، من حيث: تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه صلاة الجنازة، ثم الدفن، ثم العزاء فيه، هذا حق أصيل للمسلم، لا يسقط عن المسلمين أداؤه في الظروف الطبيعية، وكلها فروض كفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، لكن الحالة الآن استثناء وليست طبيعية، فالمرض وباء وعدوى خطيرة، فهل تظل هذه الأحكام على حالتها في ظل هذا المرض؟

وليس تناولنا للموضوع عن تخيل وافتراض، بل هو الآن واقع، يسأل فيه المسلمون في بلاد عربية مسلمة، ويسأل فيها أيضا مسلمون في بلاد أوروبية، إذا تسلمت الدولة مريض الكورونا، ومات في أحد مستشفياتها، فهم من يقومون بالإجراءات وبخاصة عندما يكون المرض معديا، عند الاقتراب من جسده، أو التعامل معه مباشرة، كما في أحكام الجنائز.

وقد تعامل فقهنا الإسلامي مع مثل هذه الحالات، وضرب لها نماذج كانت وقتها تخيلا وافتراضا، لكن الزمن بتطوره أصبح المتخيل واقعا، فمن المسائل التي ناقشها الفقهاء في غسل الميت: ماذا لو مات رجل بين نسوة لا محرم له منهن، أو ماتت امرأة بين رجال لا محرم لها منهم؟ فماذا قال الفقهاء في هذه الحالة؟

لقد اتجه الفقهاء إلى أن المسألة عدة أقوال: منهم من قال: ييمم ولا يغسل، وهو قول سعيد بن المسيب، وحماد شيخ مالك، ومالك، وأبي حنيفة، لأن في غسله النظر إلى من ليس بمحرم.

وقول آخر قال: يجعل على بدن الميت ثوب، ويصب الماء من تحت الثوب، ويمر الغاسل يده عليه، وعليها خرقة، لأنه يمكن غسل بذلك، وهو قول: قتادة، والزهري، والنخعي. وقول ثالث: بأنه لا ييمم ولا يغسل، بل يدفن بلا غسل، وهو قول الإمام الأوزاعي.
 
الحالتان الأوليان لا تستقيم معنا في وضع العدوى، فتبقى الحالة الثالثة التي يمكننا الفتوى بها، وهو أنه يسقط الغسل عن الميت في هذه الحالة، ويعتبر في هذه الحالة ينطبق عليه حالة: فاقد الطهورين، وذلك مراعاة لحال الميت من عدم انتقال العدوى منه لمن يقوم بغسله، أو بالتعامل المباشر معه، فعندئذ لا يغسل ولا ييمم، بل يتم دفنه بلا غسل.

ربما قال البعض: ألم يكن معه طاقم طبي يتعامل معه بلباس طبي، وأدوات طبية، عند مرضه، لماذا لا يقومون هم بهذا الإجراء؟ وهو كلام نظري، بعيد عن العمل، فليس من مهام الأطقم الطبية: الغسل والتكفين، والصلاة على الموتى، في زمن الاختصاص الآن، ولو أمكن تجهيز من يستطيع القيام بهذه المهام مع الميت، فلا بأس، فهذا هو المطلوب، لكن لو تعذر ذلك، ففي هذه الحالة، يراعى حالة الأحياء، والمتوفى يسقط عنه فرض الكفاية المطلوب، لتعذر القيام به مخافة الضرر.

 

في هذا الزمن، وبعد تزايد أعداد الوفيات، وهي أحداث غير مسبوقة في تاريخ البشرية، ولذا تحتاج إلى توضيح وبيان من الفقهاء والعلماء، حتى لا يقع الناس في أخطاء توقعهم في كوارث صحية،


وما يقال عن الغسل، يقال عن الصلاة عليه، فلو تعذرت أيضا مخافة العدوى، ففي هذه الحالة، يمكن دفنه، ويصلي عليه المسلمون صلاة الغائب فرادى، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي صلاة الغائب عند موته، وصارت حكما شرعيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

أما العزاء، ففي هذه الحالة يمنع شرعا اللقاء للعزاء، لأنه اجتماع يسبب ضررا للناس، وانتقالا للعدوى، وذلك عند التيقن، أو التحذير من الجهات المختصة من ذلك. فإذا أفتينا الناس بعدم الذهاب للمساجد للجمعة والجماعات حفاظا على الصحة، فهل نجيزه في عزاء يمكن أن يتم بوسائل الاتصال الممكنة، وهو يتم بالمكالمة الهاتفية، أو الرسالة، أو أي وسيلة تصل لأهل المتوفى، وهو أهون وأيسر الإجراءات في أحكام الجنائز.

هناك تفاصيل فقهية وشرعية في القضايا المذكورة، لكني أحببت أن أذكر أحكامها اختصارا لحاجة الناس إليها، في هذا الزمن، وبعد تزايد أعداد الوفيات، وهي أحداث غير مسبوقة في تاريخ البشرية، ولذا تحتاج إلى توضيح وبيان من الفقهاء والعلماء، حتى لا يقع الناس في أخطاء توقعهم في كوارث صحية، سببها: وقوعهم في حيرة بين حكم الشرع وحكم الواقع، كما يتصورون، لا كما يقضي الشرع، والذي يحرص كل الحرص على صحة الناس، ومن القواعد الشرعية: صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان.

وهناك سؤال يطرح افتراضا بعد انتشار وباء كورونا، لم يتم الحاجة إليه عمليا الآن، ولذا نؤجله لوقته، وهو: ماذا لو ثبت انتقال العدوى عن طريق الجثمان، هل يجوز حرق الجثمان في هذه الحالة لعدم انتشار العدوى أم لا؟ 

التعليقات (2)
جمال نور
الخميس، 26-03-2020 08:29 م
بارك الله فيكم شيخناونسأل الله عزوجل أن يفرج هذه الغمة عن البشرية جمعاء وأن يردنانحن المسلمين خصوصاإلى دينه رداجميلا
اتجاه محمود!
الخميس، 26-03-2020 07:48 م
أحسنت يا شيخ عصام إذ تتناول مسائل فقهية من وجهة نظر حريصة على سلامة مبدأ صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. وقد أجدت في تناول هذه المسائل، مثل المسألة الحالية ومسألة الرجم من قبلها. وأثر هذه البحوث باقٍ ومأجور إن شاء الله. ولذلك أنصحك بالابتعاد عن تناول المسائل السياسية الخلافية التي لن يخلو أي كاتب عند تناولها من ترك آثار التحيز والتحامل، فضلاً عن إثارتها للخلافات. وفقك الله تعالى