مقالات مختارة

اتهام الإعلام بالتهويل

عبد الرحمن الراشد
1300x600
1300x600

الأكيد أنه لو امتنع كل شخص عن المخالطة الاجتماعية، لما انتشر «كورونا». ولو أن أحدا لم يخرج من المدينة الموبوءة، ووهان، لما صار «كورونا» وباء.


كثيرون يلومون الإعلام على التعامل مع جائحة «كورونا المستجد»، وهي هواية مفضلة عند مَن لا يعمل فيه. يتهمونه بنشر الرعب في قلوب الناس، فتهدد المدن بالفوضى، من التدافع على الأسواق فارتفاع الأسعار، بل وانقطاع الإمدادات، وأن بث الهلع يدمر حياة الناس.


وفي هذا شيء من الصحة، إنما في التهمة مبالغة وتناقض في آن.


فرسالة الحكومات للناس «أن تحجر على نفسها في بيوتها»، من أجل سلامتهم. أغلبيتهم لم تفعل في البداية، مع وقف العمل، ملأ الناس الشواطئ والأسواق والمقاهي. جاءت النتيجة أسوأ مما خطط له. فاضطرت معظم الحكومات إلى إغلاق المحلات ووقف الخدمات. وحتى هذه لم تمنع نسبة من الناس من ممارسة حياتها العادية، واستمرّت التجمعات.

 

مع مرور الوقت وارتفاع الإصابات، اتضح، بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك علاقة بين الخروج والتخالط وارتفاع الإصابات، لتفرض الجهات الرسمية الحظر الجزئي. وبعد تمعّن، تبين أن مدنا وأحياء انتشر فيها الوباء أكثر من غيرها بسبب التهاون واللامبالاة، لهذا تم استهدافها بالحظر الكامل الذي يمنع الخروج. لا نتوقع من الإعلام وسط هذه الإجراءات التي لا سابقة لها في العالم أن يقوم بدور المطمئن وتسويق الوهم بأن كل شيء على ما يرام، وترديد ما يقوله البعض بان «كورونا» لا يستحق هذه الفرقعة الإعلامية والإجراءات الحكومية المتشددة.


الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اختار في البداية خطاب التهوين، وعندما وصلت إليه الإحصائيات التي تشير إلى كارثة كبرى ستصيب نيويورك، خرج للعلن وحذر بأنه سيفرض الحجر الكامل على المدينة، وبعدها بيوم تراجع.

 

الحقيقة ليس لأن كل أهل نيويورك المكتظة بالسكان التزموا البقاء في منازلهم، بل لأن الحكومة لا تملك ما يكفي من العسكر لإجبار عشرة ملايين إنسان على عدم الخروج، بخلاف الصين؛ ففي مقاطعة هوبي، عاصمتها ووهان التي انطلق منها الفيروس، لجأت السلطات إلى القوة العسكرية لوقف الحياة العادية، وانتشر الجيش مسلحا في الأحياء، وتم إغلاق كامل المدينة الموبوءة، وتم منع الناس بالقوة من الخروج، وجُرّ من بيته كل من عُرِف أنه يعاني من أعراض المرض للمستشفيات أو الحجر الصحي. ولو لم تفعل الصين ذلك، لربما صار عدد المصابين عشرات الملايين.


ما علاقة ذلك بالإعلام والتهمة الملصقة به؟ في ظل عدم استعداد معظم الحكومات أو عجزها عن مجاراة الصين، فإن التوعية والتحذيرات الصحية من أهم وسائل الوقاية، وإلا فإن الكارثة ستكبر. إن التهاون في إيصال رسائل إعلامية واضحة إلى ملايين الناس نتيجتها كارثية. ومن دونها، فإن العديد من أفراد المجتمع لن يتفاعل، وستستمر المقاهي والتسوق والتجمع ونشر الفيروسات على نطاق واسع جدا.

 

لا بد أن تكون المعلومات صحيحة وصادقة مهما كانت صادمة. الخوف من «تخويف» الناس نتيجته سلبية، وهذه مسؤولية خطيرة في زمن الكوارث الكبرى. القرارات الحكومية القاسية تعكس القلق عند صُنّاع القرار، لأنهم يملكون معلومات كافية عن الآتي، وهنا يختلف القادة في تحملهم المسؤولية وإصدار القرارات الضرورية. ولا يمكن للإعلام بدوره أن يقنع الناس بتقبل النصح والتوجيهات دون أن يصارحهم مهما كانت الحقيقة مؤلمة.

 

بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي ألقى خطابا مكتوبا بعناية، قال كلاما كثيرا، لكن المستمعين له استوقفتهم جملة روّعت الناس عندما رددتها وسائل الإعلام: «المزيد من العائلات ستفقد أحبة لها». واتهمه البعض باللامسؤولية لأن لندن، في اليوم التالي، صارت مدينة أشباح، وتوقفت حركتها التجارية. الحقيقة نعرفها اليوم، مرّ على الخطاب نحو عشرين يوما، وفي المستشفيات 25 ألف مصاب، وحتى جونسون وعدد من قيادات حكومته أصيبوا أيضا. الحقيقة أننا نواجه كارثة أخطر مما قلنا ويُقال.


ووظيفة الإعلام أن ينقل الأخبار مهما كانت سيئة أو مروّعة.

عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية

1
التعليقات (1)
الصعيدي المصري
الخميس، 02-04-2020 02:35 م
لا اعرف كيف يمكن ان نخاطب كيانات ومؤسسات كبيرة كما لو كانت هي شخص واحد .. فالاعلام هو بالبداية والنهاية عبارة عن كيانات ومؤسسات متعددة ينضوي تحتها مئات الالاف بل وملايين من البشر .. على مختلف ايدلوجياتهم ومصالحهم وتوجهاتهم .. وبالتالي فإن مجرد اعتبار ان الاعلام بريء او متهم قولا واحدا هو رأي غير صائب. فبعض الاعلام يكذب وبعضه يصدق ومن يكذب مرة قد يصدق في مرة اخرى .. كما ان بعض الاعلام يقوم بالتهويل وهو نفسه احيانا يقوم بالتهوين .. وكل ذلك على حسب المصلحة والتوجه .. بل والتضليل احيانا لخلط الوراق عند المشاهدين او القراء .. عندنا في مصر .. على سبيل المثال ومنذ الانقلاب العسكري على ارادة الشعب في بداية يوليو 2013 .. فإن كل ما بثه الاعلام الرسمي كذب في كذب ويدار الاعلام مباشرة من مكاتب المخابرات والامن .. ويقوم بتبجيل الحاكم العسكري الجديد باعتباره موهوبا وحكيما وفيلسوفا في حين انه لا يعرف قراءة جملة واحدة بدون اخطاء لغوية .. وفيما يخص تفشي الوباء فقد قام الاعلام الرسمي بتبني نظرية التهوين حتى اتسع الرتق على الراتق فرمي تفاقم المرض على الالشعب واتهامه بالجهل وعدم المسئولية بدلا من اعتراف السيسي وزمرته بالفشل في ادارة الازمة .. بل وادارة كل الملفات التي تولاها منذ انقلابه الدموي على الديمقراطية .. الشاهد هنا .. انه وحسب مصلحة القائم على الاعلام .. فقد يهول في اشياء ويهون منم اخرى .. وفي النهاية فهو التضليل .. العنوان الاكبر للمرحلة

خبر عاجل