قضايا وآراء

الفرصة الذهبية التي ضيّعها النظام المصري

جمال حشمت
1300x600
1300x600
كالعادة، ضيّع النظام فرصة ذهبية كان يمكن أن تساهم في ترميم صورته المنهارة أمام الرأي العام المصري والعربي والإسلامي.

انتشار فيروس كورونا في العالم أجمع كان فرصة لا تعوض لإنهاء أو تأجيل كل الخلافات والصراعات.

كان يمكن للنظام أن يقدم خطابا مختلفا خلال الأزمة يكون أساسه الجانب الإنساني، ويصدر بيانا يقول فيه إنه قرّر إجراء مصالحة مجتمعية وسياسية مع جماعة الإخوان والمعارضة، وطلب من مؤسساته مد يدها لكل من يساهم في البحث عن حلول للأزمة أو تقليل آثارها.

الذي حدث عكس ذلك تماما.

الخطأ الجوهري الأكبر الذي وقع فيه النظام وإعلامه أنه تعامل مع الفيروس باعتباره مرضا ظهر في العالم كله ما عدا مصر، وأن الإخوان هم من يسعون لنشره بين الشعب المصري لإحداث الفوضى وإحراج النظام.

الخطأ الثاني أن إعلام النظام تجاهل خطورة المرض، ولم يعلن الأرقام الحقيقية للمصابين، وكانت دول العالم تعلن من حين لآخر اكتشافها لحالات مصابة جلها من المصرين الوافدين إليها!

الخطأ الثالث أن إعلام النظام أو المموّل من دول تدعمه لم يكن له من هم سوى الادعاء بأن الأمور على ما يرام، في حين كان بعض من كبار مسؤوليه على شفا الموت جراء إصابتهم بالمرض، وتم تسريب خبر إصابتهم ثم وفاتهم عبر قنوات المعارضة قبل إعلانها من قبل إعلام النظام، كما أن رأس النظام الحاكم ظل مختفيا عن الأنظار لمدة طويلة في حين كان رؤساء دول كبرى يخرجون يوميا لطمأنة شعوبهم.

الخطأ الرابع أن إعلام النظام وبدلا من أن يدعو مؤسساته إلى الابتهال إلى الله أن يزيح هذا الوباء والبلاء عن المصريين عبر تقديم خطاب تصالحي، وإصدار عفو عام عن المحبوسين ظلما، فقد ارتكب الخطأ الأسوأ بتصدير خطاب الكراهية وبزيادة الاعتقالات دون مبرر.

نسي إعلام النظام تماما أن الفيروس عالمي، وأن دول العالم الغربي ودول الخليج لديها من الإمكانيات والشفافية ما ليس لدى مصر معشاره، وأنه لن يستطيع الاستمرار في خداع الشعب فترة طويلة حتى يستفيق على كارثة حقيقية تشبه كارثة الهزيمة في حرب 1967.

لا أقارن بين دول، وأدعو الله أن تتمكن دول العالم من التغلب على هذا الوباء، لكن أتحدث عن المناكفة والمكايدة التي صارت أقرب إلى الفيروس الذي ضرب إعلام النظام.

إعلام النظام يطالب ليل نهار بمواجهة الإرهاب المتمثل في جماعة الاخوان التي هي سبب كل مصيبة حدثت وستحدث في مصر، وليس مسموحا لأي كاتب من الإخوان أو حتى متعاطف معهم أن يكتب في أي صحيفة رسمية أم غير رسمية معبّرا عن رأى يخالف توجه النظام إلا على سبيل المناشدة والاستجداء.

سؤالي للنظام وإعلامه: ما الذي سيدفع الإخوان والمعارضة إلى تغيير سياستها تجاه النظام إذا كان هو لم يغير سياسته قيد أنملة، بل يزداد توحشا وقمعا يوما بعد يوم دون مراعاة لأبسط حقوق الإنسانية والمروءة باستمراره في حبس النساء والأطفال، فضلا عن الشيوخ والعجائز والمرضى في ظل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية؟!

الخطأ الأكبر الذي يقع فيه النظام دائما أنه ما يزال أسيرا ليوم 30 حزيران/ يونيو 2012، حينما تولى أول رئيس مدني منتخب رئاسة الدولة عقب ثورة شعب كان يحلم بدولة العدل والحرية والمساواة، إلا أن ذلك لم يكن في مصلحة النظام العسكري والدول التي تدعمه، ومن ثم عمل على إجهاض هذا الحلم بالانقلاب المغلف بثورة مصطنعة، ومضى في معركته الصفرية ضد كل من يعارضه ليكسب هو كل شيء ويخسر الطرف الآخر كل شيء.

من حق النظام ألا ينسى ما حدث، لكن أن يعيش كل حياته في هذه الدوامة فهو ضد كل منطق.

السياسة هي فن التعامل مع المعطيات الراهنة. ونصيحتي المخلصة لهذا النظام وإعلامه أن يبحث عن بداية جديدة ومختلفة، وأن يعيد تقييم نفسه وسياسته وأفكاره وإعلامه.

هل معنى كلامي أن أداء جماعة الاخوان خلال الأزمة كان مكتملا؟ بالطبع لا، وهناك أخطاء ونقص موارد وإمكانيات، لأنها لا تمتلك موارد وإمكانيات دولة بحجم مصر، لكن أيادي الإخوان البيضاء (منذ نشأة الجماعة) تشهد لها في كل موضع تعرض لأزمة أو وباء داخل الوطن أو خارجه.

يفترض أن يكون النظام قد وصل إلى أن سياسة التصفية والقمع قد فشلت فشلا ذريعا طوال السنوات السبع الماضية، وبالتالي حان وقت تجريب أدوات أخرى. ولا يظن النظام أن تصفية أو حبس المعارضين يعد مؤشرا لنجاح سياسته تلك، بل على العكس ستؤدى إلى مزيد من العداء والكراهية والرغبة الكامنة في الثأر عند أول فرصة.

إن الأوضاع الحالية تنذر بمخاطر تحيط بالجميع، وما لم يبادر العقلاء بتصفية خلافاتهم وتهيئة الأجواء لمصالحة سياسية ومجتمعية فإن النار لن تبقى أحدا ولن تذر، وقد يفقد النظام السيطرة على الوضع في أيه لحظة ونجد أنفسنا في مواجهة ثورة جياع ومرضى تأتى على الأخضر واليابس. والأمر كما قال القائل منذرا بني أمية قبل انهيار دولتهم:

أرى تحت الرماد وميض جمر   ويوشك أن يكون له ضرام

إن كبر المستبد وغروره يعمياه عن رؤية الواقع والمستقبل، فقد رأى فرعون وجنده انشقاق البحر لموسى ومن معه فأبى إلا أن يسير وراءه حتى غرق وأغرق جنوده معه.

إن أركان النظام العالمي اليوم تتصدع، وستنهار تبعا لذلك الأنظمة المتساندة عليها، ولا عاصم من هذا الانهيار إلا بوجود مجتمع متماسك ومتكافل كالجسد الواحد، وهذا لن يكون إلا بإعادة اللحمة للشعب الذي وقع ضحية لدعاة الفرقة والتقسيم. فهل يعي العقلاء ذلك؟

أتمنى أن يكون فشل النظام في التعامل مع أزمة كورونا هو الفشل الأخير له وألا يكرر خطأ سيزيف القاتل!!
التعليقات (0)