قضايا وآراء

كورونا إذ يحصد غرورنا

محمد حسني عودة
1300x600
1300x600

أسئلة كثيرة تجوب في الأذهان عما تتطور إليه مآلات الأحداث  فيما يخص جائحة كورونا في خضم أرقام الإصابات والوفيات المتصاعدة التي تضرب قطاعات كبيرة في هذه المعمورة، في نفس الوقت الذي يعيش فيه أكثر من نصف سكان الأرض ظروف الحجر والإغلاق. 


ولكن هل يمكن أن نفهم ونتدبر ما ينزل في أمة الإنسانية من دون التفكر في مآلات حضارات أقوام سابقين؟ هل يمكن للحضارات أن تتطور وترتقي وتدوم طويلا دون إدراك وتفعيل لنظرية الأخذ بالسنن الكونية؟

لقد كاد القرآن أن يكون موسى!

ألم نشهد توالي نزول آيات وسور القرآن الكريم في العهد المكي تصف ما حدث لقوم موسى من ذبح لذكورهم واستحياء لنسائهم، ولم يكن جلّ هؤلاء القوم يعيشون بين ظهراني أهل مكة أو المدينة المنورة. إنها سُنة الابتلاء قبل التمكين يُعلِّمُها رب العالمين لتلك النواة المحمدية المستضعفة المعتدى عليها في حاضرتها، والمسلوبة حقوقها الإنسانية بأكملها. لقد تعلمت وتربت تلك النواة المحمدية على سنة التمكين هذه، مثلما تعلمت وتربت على وعي سنن الاضمحلال والانهيار وذهاب الريح أبدا.

ألم نقرأ التأريخ قراءة واعية لندرك أن جند التأديب وجند الإفناء لهم علاقة نوعية متجانسة مع نوعية بنيان الحضارة؟


ألم تُهلك قبيلة ثمود العربية بالطاغية؟ الطاغية هي ذلك الجندي الذي لم تستطع قوى بنيانهم ومعمارية مهندسيهم الفريدة أن تقيهم وتحميهم وتكف شر هذه الرياح التي عصفت بهم، فطوتهم وغمرتهم غمرا. ألم تكن قصورهم بل قبورهم (في مدائن صالح عاصمة مملكة الأنباط الثانية بعد مدينة البتراء) التي شيدوها بأرقى المعماريات، ثم تركوها خلفهم شاهدا عليهم بعد أخذهم بالطاغية؟ بالطبع هذا البناء الرفيع يؤكد تواجد قوة عظمى اقتصادية وتقنية في البناء وتفاضل مميز في التركيبة الاجتماعية عندهم. سقطت تلك القوة كلها بذلك الجندي "الطاغية" بعدما طغوا واغتروا بحضارتهم وقواهم العظمى؛ إنه مشهد حصاد الغرور!!

وهلاك قبيلة "عاد" العربية يسترعي انتباها وتفكرا في غاية الأهمية، وذلك لنتدارس ونتعلم من بعض ما يمكن أن نستقيه في عصر جائحة كورونا، انطلاقا من البعد الزمني لمدة إهلاك قوم عاد بتلك الريح الصرصر العاتية، والتي توالت في سبع ليال وثمانية أيام حسوما. هؤلاء القوم زادهم الله بسطة في الجسم، فزادهم ذلك قوة وتمكينا في بناء مساكنهم ذات الأعمدة الممتدة والقواعد الفريدة. لقد رأوا مشاهد الريح تعصف بهم وبديارهم، وتحول أجسادهم كأعجاز نخل خاوية في كل يوم وليلة، وهم عاجزون في قوتهم الجسدية والعددية وإمكانياتهم المادية وجبروتهم وطغيانهم.

مشهد حصاد غرور قوم عاد يحتاج تفكرا وتدبرا في عصر جائحة كورونا فيما نعقب عليه لاحقا.

ولو تمعنّا مشاهد الطوفان الذي أخذ قوم نوح وهم يرون مصارعهم أمامهم بأوقات متلاحقة السرعة، لعقلت مشهد حصاد غرورهم طاغيا أمام الأعين، مثلما ترى ذلك شاخصا في مشهد حصاد الغرور لقوم لوط في ارتكابهم الفاحشة وشذوذهم عن الإنسانية القويمة الفطرة. وكذلك مشهد غرق فرعون وجنوده وتبعيتهم في مشهد مريع من حصاد الغرور.

تلك كانت مشاهد من حصاد الغرور لأقوام وأمم مضت، والقاسم المشترك بينها في حصاد الغرور هو حصد غلال الظلم والطغيان والانحراف عن مسيرة وأمانة الإنسانية، والتخلف عن حمل رسالتها وعمارة الأرض. ولكن الذي استرعى انتباهي بشكل خاص، مشهد حصاد غرور قوم عاد، وما يمكن التفكر فيه للتدبر فيما نعيشه في عصر جائحة كورونا.

لقد كان مع قوم عاد من الوقت ثمانية أيام في الليل والنهار ليجمعوا قواهم، ومجالس أمنهم، ومجلس حكومة طوارئهم. وكأننا نتدبر ما يحدث: خذوا وقتكم لتنقذوا أنفسكم في مشهد حاضر مريع، تتساقط فيه أجسادكم واحدا تلو الآخر. اجتمعوا في مجلس أمنكم. نظموا خططكم. رتبوا جندكم. حصنوا قادتكم. نادوا للمكوث في مساكنكم. اعملوا بكل ما شئتم في تلك الأيام الثمانية ذات الليالي السبع العاصفة الصرصر. ألا يذكرنا هذا بالوقت الذي نعيش فيه كيف تتسارع جائحة كورونا، والعالم أجمع بكل قواه العلمية والدفاعية عاجز عن وقف التسارع المريع لأعداد الإصابات بفيروس كورونا، والأجساد المتوفاة بعشرات الآلاف في مختلف أنحاء المعمورة؟ 

إن العصر الذي نعيش هو عصر الثورة الجينية والطب العميق المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. إننا نذكر هذا لنتفكر في هذا الجندي المجهري، ذي الأبعاد النانوميترية، ذي الحمض الأميني والمتعدد الطفرات الجنية، هذا الذي دك البنيان المرصوص لعلماء الثورة الجينية، والطب العميق، وعلماء الأوبئة ليقال لهم: ها أنتم تحاولون في مختبراتكم ليل نهار وبأحدث التقنيات المحوسبة، كم يكفيكم من الوقت للتعامل مع تاجية هذا الفيروس؟ ألا تتفكروا أيها العلماء وطواقمكم وحصونكم العلمية لتعلنوا وتعلموا قياداتكم السياسية والعسكرية والمجتمعية أنكم قد تخسرون معركة البقاء عاجلا أو أجلا، وكثير من أمة الإنسانية مالم تغيروا مساركم وتعتذروا لربكم وتكفوا طغيانكم وعبثكم في القيم والفطرة الإنسانية؟  

كم أخذت وتأخذ الصين من الوقت والجهد للتصدي لكورونا؟ كم فعلت وتفعل أوروبا وأمريكا؟ وكم تعيش أمة الخيرية في خداج مقفل وهي التي تخلت عن رسالتها، فأصبح وزراؤها يهرولون في مؤتمرات صحفية ولم يقدموا شيئا يذكر للإنسانية في البحث والتطوير التشخيصي ولا العلاجي، وذلك ببساطة لأنهم تركوا رسالتهم في الإعداد والتمكين ما استطاعوا؟

إن المقابلة بين حصاد الغرور لقوم عاد، وما يحصل في عصر جائحة كورونا تستدعي إرجاع النظر كرات عدة؛ وذلك حتى لا ينقلب البصر خاسئا وهو حسير؛  فلا مدة زمنية بلا حدود يمكن أن تترك، ولا قدرات لا محدودة توجد علميا ولا طبيا ولا بحثيا ولا اقتصاديا. هل المدة الزمنية ستكون كافية لنا مثلما لم تكن كافية لقوم عاد في تلك الأيام الثمانية الحِسام؟

كثير ما يهجس في خاطري للمستقبل القريب الخوف من انهيار البنى التحتية التي نرتكز عليها في تدبير أمور معيشتنا، بعد التوكل على الله عز وجل ؛ وندعو الله عز وجل ألا يحدث هذا ولكن المؤمن كيس فطن.

ماذا لو أصيب سواد عظيم من أطقم الرعاية الصحية بفيروس كورونا ونفق منهم أعداد كبيرة واعتل الكثيرون؟ 


ماذا لو تعطلت خدمات الإنترنت، والاتصالات الخلوية، وخدمات النقل، وشبكات الكهرباء والمياه والغاز بسبب إصابة قدر كبير من العاملين فيها بفيروس كورونا وبطفراته الجينية المختلفة؟ ماذا عن ضياع الأمن واندلاع الجريمة؟ 

إنها أمور تشيب لها الولدان!!

إنه حصاد الغرور الذي نخشاه قريبا جدا!!

إنه الغرور بعينه عندما ترى حصادا بسيطا لقوة عظمى يُقال فيها قائد سلاح البحرية من موقعه على خلفية فشل إدارته لأزمة تفشي كورونا في بارجة، ورئيس تلك القوة العظمى يتهم منظمة الصحة العالمية أنها حجبت عنهم معلومات مبكرة عن الوضع في الصين. أي فشل استخباري علمي أمني قومي هذا؟ إن كشف العورات وحصاد الغرور يتجددان.   

لقد علمنا رسول الهدى "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". 

هل تفيق أمة الإنسانية وشعوبها لتصرخ في وجه الظلم والطغيان، ولترحم الإنسان والحيوان والنبات والبيئة وتلوثها؟ هل سيظل احتلال الأوطان والمقدسات مشرعا؟ هل ستبقى شعوب تحاصر وتهان على المعابر، ويحجب عنها قوتها وعلاجها ، بل آدميتها؟ هل ستبقى سجون الظالمين تعج بالمظلومين والمكلومة أسرهم؟  هل ستبقى الثروات وركاز الأرض يُسرق من أصحابه مثلما يحدث لمعادن أفريقيا من الذهب والماس ونحوهما، فتجوع ويُستعبد أهلها؟ و هل سترحم أمة مثل الصين الإنسان، وهل سترحم الحيوان البري وغيره، فتعيده لبيئته ولا تعتدي على حرماته وخصوصيته؛ طائرا خفاشا كان، أم ماشيا، أم زاحفا، أو غيره؟ هل سيسمح للشذوذ عن الفطرة الإنسانية أن يستفحل في الأمصار وكأنه حقيقة؟ 

وها نحن نشهد كورونا إذ يحصد الغرور.

ولكننا في سنن نتدبرها لنكون من ممن وصفتهم الآية الكريمة في سورة السجدة "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".

1
التعليقات (1)
كورونا
الخميس، 09-04-2020 05:42 م
أرجوا نشر التعليق. مقال ركيك، طويل جدا وافكاره مفككة وغير منسجمة، وكأنه مطلوب من الكاتب يعد كلمات. الرجاء من الموقع اختيار الكتب بعناية للحفاظ على جودة الموقع. وشكراً لكم