قضايا وآراء

كورونا.. هل يعصف بحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وأوبك؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
على وقع فيروس كورونا الذي لم يكتف ببث الذعر في البشرية جمعاء بل تعداها إلى نشر رائحة الموت في كل الأمكنة، الناس حول العالم في حجر منزلي أشبه بسجن كبير وأبواب مفتوحة للنظر، مغلقة للخروج والتجول، وكأني بالكون يرتدي قفازات ويلبس كمامة على وجهه لعلها تقيه الوباء الذي ينتشر كالنار في الهشيم.

لقد أوصل هذا الوباء العالم إلى محطات اقتصادية خطرة تعادل في شدتها أزمة الكساد الكبير 1929 وأزمة 2008، أو ما تعرف بأزمة الرهونات العقارية التي حولت العالم إلى دومينو حجارة يتدافع واحد تلو الآخر للسقوط والإفلاس. وعلى ما يبدو، التاريخ سيعيد نفسه في أزمة جائحة كورونا التي نسمع عن تحفيزاتها الاقتصادية في كل الدول. فالولايات المتحدة تتحدث 2.2 تريليون دولار، وكندا عن 170 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي عن 750 مليار يورو، بخلاف ألمانيا التي تتحدث عن 550 مليار يورو والمملكة المتحدة عن 330 مليار جنيه إسترليني. إنه عالم مجنون اقتصاديا وماليا ونقديا، وربما الآتي أعظم.

لقد جعلت جائحة كورونا الشعوب تعود إلى ذاتها الفردية وكياناتها المستقلة البحتة، باحثة عن دورها المركزي السيادي بعيدا عن التكتلات المنضوية تحتها، تكتلات برأي الكثير من أبنائها وأحزابها لم تقدم لها سوى الوعود الكاذبة والأحلام الوردية، وفي اللحظات الحرجة عمدت التكتلات الكبرى إلى البحث عن ذاتها الفردية المستقلة باحثة عن أمنها القومي الصحي الاجتماعي تارة والاقتصادي والسياسي تارة أخرى، في تجاهل صارخ للتعاون بين دولها!

لم أسرد هذه التفاصيل لأتحدث عن أن الجنون والهستيريا التي تجتاح الدول يبدو مقدمة لتفتت التكتلات الكبرى السياسية والاقتصادية في العالم. لقد باتت الدول تسطو على بعضها ضمن نفس التكتل الواحد، وكي لا ننسى فقد بدأ زمن السطو العلني الفاقع قبل كورونا، حينما عمدت الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب إلى سرقة القدس الشريف والجولان العزيز ومنحهما إلى دولة الكيان في منطق "الكاوبوي الأمريكي"، حيث عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.

قد يهتز العالم كله بمنظوماته السياسية والاقتصادية ، فالعالم ما قبل جائحة كورونا ليس كما قبله، والتاريخ سيؤكد أن ما قبل العالم 2020 ليس كما بعده، وسيظهر ذلك تباعا. وحسبنا أن نذكر ببعض الحوادث المتفرقة من هنا وهناك حول العالم وتكتلاته الاقتصادية والسياسية، والتي تشير إلى مزاج جديد قادم لا محالة. الرحلة تبدأ من سطو أمريكا على كمامات طبية عائدة للشرطة الألمانية، فهذا ضرب من القرصنة الجديدة، حيث اتهمت ألمانيا الولايات المتحدة بتحويل مسار شحنة من الأقنعة الموجهة للشرطة الألمانية من مطار تايلاند إلى الولايات المتحدة. وهذا ضرب من الجنون في التجارة والقانون الدولي، ما دفع أندرياس جزيل، وزير داخلية ولاية برلين، لوصف التحويل بأنه "عمل من أعمال القرصنة الحديثة". وناشدت الحكومة الألمانية مطالبة واشنطن بالامتثال لقواعد التجارة الدولية. وقال جزيل: "هذه ليست طريقة للتعامل مع شركاء عبر الأطلسي"!! وهنا نسأل هل استمرار فيروس كورونا بحصد الأرواح لكي يفاقم الأمر بين دول حول شمال الأطلسي، أما ستبقى الأمور في نصابها؟!!

كذلك روح الانقسام والقرصنة حلت ضيفا ثقيلا على دول الاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد قامت التشيك بمصادرة الآلاف من الأقنعة الطبية الموجهة من الصين نحو إيطاليا تحت غطاء عملية أمنية ناجحة لشرطة براغ لإحباط عملية تهريب لمئات الآلاف من الأقنعة الطبية خارج البلاد. وأقرت سلطات التشيك على لسان وزير داخليتها يان هاما تشيك؛ بمصادرتها 680 ألف قناع واق وأجهزة تنفس في مستودع شركة خاصة في لفوشيتي بشمال براغ، وبعد تحقيقات تبين أن جزءا قليلا من هذه المصادرة هي هبة صينية لإيطاليا، معربا عن أسفه للحادثة وأن بلاده تجري مشاورات مع الصين وإيطاليا، في حين أكد المسؤولون الإيطاليون أنه سطو منظم على الهبة الصينية لإيطاليا.

وفي مسار مشابه نسمع لغة تصدر من سيد قصر الإليزيه بين الفينة والأخرى عن السيادة الفرنسية في كل مضمار، من الصحة إلى الاقتصاد والمال، بعد الانتكاسة حينما طلبت فرنسا من ألمانيا وسويسرا استقبال بعض مصابيها بالفيروس، ولكنهما لم تلبيا النداء وكأنما لغة التجاهل والانقسام باتت سيدة الموقف!!

ولا أبلغ من المؤشرات الانقسامية التي تلوح في الأفق الأوروبي مما قاله رئيس الوزراء البرتغالي، أنطونيو كوستا، إن "من الضروري ألا تتخلى أوروبا عن نفسها" في أزمة الفيروس الشهير. وأضاف السياسي البرتغالي أن التضامن أساسي في الاستجابة للأزمة التي تُعد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، واعتبر أن المهم هو أن تثبت أوروبا أنها "قادرة على إعطاء رد مشترك على التحدي، وهناك العديد من الطرق للقيام بذلك.. لقد حان الوقت لتعزيز روح الاتحاد وعدم ترك أنفسنا مصابين بفيروس الانقسام".

وليس بعيدا عن انقسامات دول حلف الأطلسي وانقسامات دول الاتحاد الأوروبي، نرى تضاربا لا يوصف في تكتلات اقتصادية كبرى تشكل في وجودها أحد أبرز وجوه العالم الاقتصادية، كمنظمة دول الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، و"أوبك بلس" التي تضم إلى أوبك روسيا وغيرها من الدول، حيث باتت الخلافات سيدة الموقف بين قطبي إنتاج النفط العالميين المملكة العربية السعودية وروسيا لمدى أسابيع خلت، أودت بأسعار النفط إلى هاوية استلزمت دخول الولايات المتحدة للملمة الأوضاع بين دول أوبك وروسيا في واسطة غير نزيهة، حفاظا على مصالح شركاتها النفطية الصخرية التي باتت على شفير الإفلاس وتسريح العمال ووقف الحفارات، وتاليا أزمة قد تودي برأس الإدارة الأمريكية الحالية في الانتخابات القادمة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، أمام ضغوط اللوبي النفطي في أمريكا.

 انطلاقا من هذه الظروف اجتمعت أوبك والدول المعنية نفطيا عبر الشاشات الخميس، ومن المرجح أنها ستقلص الإنتاج تدريجيا فيما بينها، في خطوة اعتبرها البعض انصياعا للسيد الأمريكي، فيما الظروف تؤكد أن الأمريكي نفسه أعلن أنه سيخفض الإنتاج مرغما في ظل انخفاض الطلب العالمي إلى مستويات غير مسبوقة، وتاليا سيدخل الأمريكي وغيره من الدول غير المنضوية تحت لواء أوبك نادي مخفضي الإنتاج، ولكن السؤال الجوهري هو: هل سيكون هذا الخفض للإنتاج كافيا لتوازن السوق النفطي العالمي باتجاه الأسعار المرجوة؟

وتاليا، كم سيصمد أطراف الاتفاق القادم بالالتزام؟ وهل سيكون بداية تحول في أعضاء أوبك في ظل الحديث عن ضعف هيبة المنظمة أمام السيد الأمريكي؟

وماذا عن دول في منظمة أوبك ميزانيتها قائمة بالكامل على مدخولها النفطي مع تراجع الأسعار؟

إن الدول الكبرى والمنظمات العالمية الفاعلة تبدو هشة وضعيفة أمام قوة كورونا الذي يجتاح العالم بلا رحمة، حتى وصلنا من منطق الدول إلى منطق العصابات في سطو بري وبحري في فيلم بوليسي على المعدات الطبية وأجهزة التنفس الصناعي والكمامات، مضافا إليه الشاشات الحمراء في البورصات وانخفاضات أسعار السلع العالمية وفي مقدمتها أسعار النفط. 

هل تبقى هذه الأحلاف والمنظمات قائمة على وضعها الحالي؟ أجزم أن الندبات والجروح ستبقى ظاهرة للعيان في وجوه كل هذه الأحلاف.

وكخاتمة لهذه المقالة، أن الآتي من الأيام في زمن كورونا قد يدهشنا ببعض التصرفات الأنانية لبعض الدول، لا سيما الدول الكبرى.
التعليقات (0)