قضايا وآراء

هل تنصف العدالة الدولية السوريين؟

نزار السهلي
1300x600
1300x600
فهمَ النظام السوري منذ أول مجزرة ارتكبها عام 2011، وأول جريمة إبادة بحق المجتمع السوري، أن تغطية موسكو وطهران وبعض السياسات العربية والغربية، أنها تؤازر جرائمه إلى ما لا نهاية، وفهمَ السوريون جيدا أي تعويل عقدوه على عدالة انتظروها طويلا من المحاكم الدولية والمؤسسات القانونية لمحاكمة مجرمي الحرب في سوريا، فكان هناك تقييد ومحاصرة لعمل اللجان الدولية المختصة بالتحقيق بكل الجرائم. والحماية التي حظي بها النظام والعدالة التي افتقدها الشعب السوري، تدفع للمطالبة بقراءة متأنية لمشهد سوريا، منها تغييب عوامل القوة المكملة لخوض المواجهات المختلفة مع الأسد، وتُبقي بعض السياسات البائسة الشكل والمضمون والتي بحاجة لاستخلاص العبر.

انطلاق محاكمة أفراد من جهاز مخابرات الأسد، أمام المحاكم الألمانية بتهم ارتكاب جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل وانتهاك الكرامة الإنسانية، يعطي بصيص أمل للضحايا، إذ لم تعد مهمة تحقيق العدالة للسوريين من المهام "المستحيلة"، وتحقيقها وتلبيتها يعدان شرطا موضوعيا لإنهاء الصراع في سوريا المستقبل، وبدونها لن يكون بناء مجتمعي، ولا سياسي ولا إنساني تصاغ فيه العلاقة بين السوريين، وهو الأهم في كل المطالب التي تأتي بعد نيل الحرية وبناء الديمقراطية.

ضحايا التعذيب وجرائم الإبادة والتطهير العرقي في سوريا، وجريمة تغييب آلاف المعتقلين وحرمان السوريين من العدالة؛ هي جرائم يحتاج السوريون لفتح ملفاتها أمام المحاكم الدولية. وقد يقول البعض إن في الأمر "مؤامرة" لرفع الدعاوى أمام محاكم غربية وأمريكية، والجواب بسيط أيضا: لخلو القضاء العربي من شفافية قانونية، وهو الأقرب لقضاء معظم أنظمة الاستبداد ومحاكمه الأمنية والعسكرية المتحالفة فيما بينها لقهر الإنسان لا لعدالته.

ملف العدالة للسوريين لا يرتبط ببداية الثورة، فهو مفقود في سوريا منذ خمسة عقود، ويشكل سببا من أسباب الثورة على جرائم لم يتح للسوريين الكشف عنها ورواية تفاصيلها، تقديم الذرائع لإفلات المجرمين من العقاب. لن يسهل الأمر كثيرا على رعاة الإرهاب في دمشق وموسكو وطهران وتل أبيب لحماية سفاح دمشق، بل سيحاولون تأجيل العدالة مع تضحيات كثيرة قادمة أصبحت ضرورات لا مستحيلات. وتصاعد المطالبة بالحرية والعدالة بالتأكيد لن ينتهي إلى الشكل الذي يريده كل من بوتين وخامنئي وترامب ونتنياهو للأسد، فالعدالة لا تحتاج لذرائع لا جسر لها مع الحقيقة أبداً.

تقارير كثيرة تشير لمسؤولية نظام بشار الأسد عن جرائم الحرب والتطهير العرقي، آخرها تقرير مجموعة "الشراكة الدولية لمكافحة الإفلات من عقاب استخدام الأسلحة الكيميائية"، والتي تضم الاتحاد الأوروبي و40 دولة، منها الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والجبل الأسود والكويت، حيث ترحب المجموعة بتقرير فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والذي أعلن أن نظام الأسد مسؤول عن هجمات كيميائية في سوريا، إضافة إلى تحقيقات منظمات دولية وحقوقية، وشهادات وصور ولجان تحقيق أفضت كلها لحصر مسؤولية النظام عنها. ودائماً كان سؤال: ماذا بعد كل هذه التقارير والأدلة الضخمة؟ وإلى متى تظل قدرة المحتلين مشدودة لهذا الحد على حماية النظام للإفلات من العقاب؟ الأجوبة تتعلق بإرادة السوريين والحقوقيين الذين لم تكل عزيمتهم في محاولة إبقاء هذا الملف مفتوحا أمام المحاكم الدولية، واستصدار مذكرات توقيف لشخصيات أمنية بارزة من جسم النظام، وهو لم يكن بالأمر السهل أمام القضاء الأوروبي والأمريكي.

لكن ذلك لا يكفي مع انفضاح وتر اللعب والتكتيك الفاشل للتعامل مع جرائم نظام الأسد. فسياسة التخبط والارتباك تحمل في مضامينها نتائج كارثية، جعلت النظام يكرر المجزرة تلو الأخرى، ظناً منه أنه فوق القانون الدولي وبما يعيد للأذهان تجربة الفلسطينيين والعرب عموما، مع ازدراء العقلية الصهيونية لكل المؤسسات الدولية. والأمر الذي يدفع لاستنتاجات من هذا النوع هي تجربة التعاطي الدولي مع جرائم الأسد، والتجاهل التام لاعتماد سياسة واضحة تعمل على لجم المجرم، وبما يذكر مجددا بالتعاطي مع ملف الجرائم والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والملفات القانونية الضخمة المركونة جانبا، ومآلات تقرير غولدستون وشاباس بعد عدوان 2008 على غزة. فهذه تشبه تقارير التحقيق بالهجمات الكيماوية، والتحقيق بالأفران والمسالخ البشرية التي أدراها الأسد ونظامه، وهي يُفترض أن تفضي إلى سوق نظام الأسد لمحاكم دولية تقتص للسوريين من جرائم كثيرة، وتفتح الباب واسعا لنرى مجرمي الاستبداد والاحتلال في محاكم واحدة. فالقتل تحت التعذيب والتطهير العرقي والتمييز العنصري وجرائم الإبادة ليست بحاجة لعدالة دولية فقط، بل لعدالة من يحمل القضية نفسها.
التعليقات (0)