تقارير

ما بقي من العيد في فلسطين بوجود كورونا

حمزة عقرباوي:  أصعب ما في عيد هذا العام التحسر على ذكرياته وطقوسه- (الأناضول)
حمزة عقرباوي: أصعب ما في عيد هذا العام التحسر على ذكرياته وطقوسه- (الأناضول)
مما لا شك فيه أن الاهتمام بالأعياد والاستعداد لها نابع من رسوخ التقاليد المُرتبطة بالفرح والاحتفالات قديماً وعبر العصور، حيث تتزين البلدات ودورها، ويتأنق الناس ويتجملون فتكون الأعياد أياماً للزينة والجمال، ويزيد من أهميتها البُعد الديني والدور الاجتماعي الذي يرافقها. 

ولعل أصعب ما في عيد هذا العام التحسر على ذكرياته وطقوسه، ذلك أن هذه الممارسات هي ما يجعل لهذا اليوم معنى يختلف عن غيره من أيام السنة. فكيف يكون العيد عيداً في ظل فرض منع التجول، ومنع الحركة في الأراضي الفلسطينية بسبب وباء كوفيد-19 (كورونا)، والعيد على رأي المثل: (للي بعيّد فيه).

تحاول هذه المقالة استعادة ما بقي من مظاهر العيد في فلسطين عبر تذكر الكاتب الفلسطيني حمزة عقرباوي لأجواء العيد التي عاشها، ولا تزال بقاياها معروفة حتي اليوم، علّها تحفظ للعيد بقيّة من جماله المسلوب.

فرحة العيد

الاحتفال بعيد الفطر والتجهز له يبدأ في ختام شهر رمضان، فيكون الأهالي في حالة استنفار استقبالاً لأجمل أيامهم، ونراهم مُنشغلين بإعداد ما يتصل بالعيد من حلوى وملبوس وأطعمة وأشربة، وهناك تبرير للإسراف والمبالغة في هذا اليوم (مهو يوم في السنة)، والفرحة مشروعة لأن العيد كما يقولون: (عيد الله).
 
أما المساجد فتتزين مآذنها وتُنار، وتضاء مصابيحها وثرياتها، وتُزين بالأعلام الخضراء وألوان الزينة، ويعمد الشباب لتعطيرها وتنظيف مُحيطها. وتكون يومها في أُبّهَةٍ تليق بالعيد، ويتجمع الناس للصلاة فيها. 

أما تكبيرات العيد فتبدأ بعد إفطار اليوم الأخير من رمضان، حيثُ يتسارع الفتية والأطفال للالتفاف حول من يُكبرون في المساجد فيعلوا صوتهم وصراخهم فرحاً بهذه التكبيرات التي لا تتوقف إلا بعد العشاء، وتعود مُجدداً قبل آذان الفجر، حيثُ يكون التكبير جماعياً عبر مُكبرات الصوت. 

صبيحة العيد يجتمعُ الناس معاً للصلاة في مكان واحد، وما أن يُنهي الإمام خطبته حتى يتعانق الناس ويتصافحون. ثم ينطلقون خارج المسجد حاملين سرور العيد ومجاملاته ولسانهم يقول: كل عام وأنتم بخير، تقبل الله طاعتكم، عيد مبارك، كل سنة وأنت سالم، وإنت من العايدين والفايزين. 

ومن أغاني الأطفال التي لا تُنسى فرحاً بالعيد والتي تتردد جيلاً عن جيل:

بكرا العيد وبنعيد .. وبنذبح بقرة اسعيد
وإذا ما عنده بقرة .. بنذبح بنته هالشقرة
وإذا ما فيها دم  .. بنذبح بنته هالسمرة
وإذا ما فيها دم ..  بنذبح بنته بنت العم
هالبنت الشلبية ..  اللي عيونها عسلية

ومن لطيف العادات الشعبية التي ترتبط بليلة العيد قديماً مُسارعة النساء في الأرياف لملئ الجرار بالماء من العيون، ومردُّ ذلك لإعتقادهم بأن ماء العيون ليلة العيد يكون مُباركاً لأن ماء زمزم يفيض على عيون الماء في هذه الليلة.
 
وقد يكون أكثر الناس فرحاً بالعيد، الأطفال حتى قيل في المثل: (العيد للصغار) أو (العيد عيد الصغار)، ولذا يمضون أكثر وقتهم لعباً في الطرقات والساحات العامة، ولا يدخرون وسيلة للمرح واللعب إلا وطرقوها.

وقد يكون من فرحة العيد في المدن مشاهدة عروض السينما أو متابعة الحكواتي وصندوق العجب، وكذلك اللعب على المراجيح وهي أكثر ما يتذكره الناس من فرحة العيد وسروره أيام طفولتهم، ولا تزال بعض أغانيهم حاضرة:

هاي شوط القملة .. وهاي شـوط البرغوث
إللي ما ينزل هون .. ريته ينزل في بيروت

لباس العيد

يوم العيد يتزين الناس بأجمل لباسهم وأجدده، كما تتزين البيوت والدور، وتسارع النسوة لكنسها وشطفها وتجميلها بما يليق بهذا اليوم من فرحة، وقديماً كان الاعتقاد الشعبي يشترط رش الملح على باب الدور صبيحة العيد، لدفع العين الحاسدة ومنع الشياطين من دخول البيوت.
 
وشعبياً يُعتبر اللباس الجديد من أهم مظاهر العيد، حيث يبدأ الاهتمام بشرائه في العشر الأواخر من رمضان، حتى أنهم جعلوا العشرة الأخيرة (عشرة الخَلَك) أي الثياب. والمثل الشعبي يقول: (العيد بطلع لمخبا) أي يُخرج الملابس الجديدة، ويظهر الجمال المخبوء.
 
ومن أغاني الفتيات عن لباس العيد:

من اليوم عيــدي   يا لالا
واللبس جديـدي    يا لالا
فستان مكشكش  يا لالا
عالصدر مرشرش  يا لالا

وتعتبر النساء الأكثر اهتماماً بالتزيين في هذا اليوم لاستقبال أهلهن الآتين للمعايدة، فيلبسن أجمل ثيابهن وشعارهن المثل القائل: (إذا أجا العيد إلبس له الجديد)، ويقُمن بصبغ شعورهن بالحناء، وقديماً كانت النسوة تنقش الحناء على أيديهن بأشكال الورود أو السبل أو النجوم والقمر، رمزاً للسعادة والسرور بهذا اليوم. 

وكانت الحاجة آمنة السلامة رحمها الله تُغني صبيحة العيد واصفة عادة الحناء عند النساء، وهي تتذكر ابنها الأسير المحبوس في سجون الإحتلال أحمد أبو هدبة رحمه الله:

هَلَّت ليالي العيد هَلَّت .. وإللي عندها حِنا تحنت
وإللي إلها غايب لفاها .. إلا آمنة محبوس ظناها

معمول العيد: 

بلا منازع تعتبر صناعة المعمول وكعك العيد وحلوى البرازق من أهم مظاهر فرحة العيد في فلسطين، والإقبال على هذه الحلويات لا يتوقف، حتى قالوا للأمر الذي ينفق سريعاً: (راح زي كعك العيد).

وتبدأ السيدات بإعداد المعمول والكعك وحلويات العيد في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وحجتهن: (بعد العيد بنعملش معمول) أو على رأي المصريين: (بعد العيد ما يتفتلش الكحك). ولذا تسمح طرقات القوالب وأصوات المدقات في غالبية البيوت آخر رمضان. ومن جميل عادات هذه الحلوى أن العمل فيها يكون جماعياً مما يخلق جواً لطيفاً، يُصاحبه التنافس بين النسوة في مهارة صُنعه، حيث تُمدح المرأة الأكثر اجادة ودقة في نقش حبات المعمول وذلك قبل ظهور القوالب الجاهزة. 

صلة الأرحام: 

من عادات العيد في فلسطين أن يبدأ الرجال جولتهم الصباحية على المقابر لزيارة موتاهم وقبور الشهداء وتلاوة الفاتحة لهم، وهي عادة قديمة يهتم بها كبار السن ويحرصون عليها حتى اليوم، على اعتبار أنها من صلة ذوي القربى والإحسان لهم وهم موتى. وفي الدلعونا نسمعهم يغنون:

زوروا المقابر بيوم الأعياد .. امشوا لعكا زوروا الأمجاد
أصحاب الشهامة عطا وفؤاد .. ما هابوا الردا ولا المنونا

وعند المقابر يأكلون بعض أنواع الحلوي التي أعدها الناس ثواباً لأرواح أمواتهم كالمعمول والكلاج والكعك والبقلاوة وغيرها.

وبعد ذلك يتوجهون لمضافة الحمولة أو العائلة للمعايدة على بعضهم البعض، ولمواساة من فقد عزيزاً قبل العيد، وهو اجتماع مُبرر فالعيد على حد قولهم (بجمع الأجاويد). ثم ينطلقون إلى بيوتهم استعداداً للجولة على الولايا والأرحام والأقارب والمرضى وكبار السن. هذه الجولة التي تفرض عليهم حمل الهدايا والحلويات لمن يزورونهم، بالإضافة لدفع العيديات لأرحامهم وقريباتهم. 

ومن أغاني العيد والعيدات:

والعيد رَوّح ع حيفا .. جاب الخُرج مليانّـه
فرّق على بَنَاتُـه ..  وخلّى العروس زعلانَه
لا تزعلي يا عروس .. بَعْدَها الخُـرج مليانّه
و إحنا بنات  العـيـد .. و العـيـد  أبــــونــا
أجو شــبـاب  البلـد .. تا  يُخـطبُــونــا

طعام العيد:
 
الطعام هو الحاضر الذي لا يغيب عن أي فعالية أو مناسبة اجتماعية، لكن حضوره في العيد له رونق خاص، وخصوصاً وجبة الإفطار، حيث لها طقوسها وتقاليدها المميزة، حيث اجتماع العائلة صباحاً قبل البدء بالجولات العائلية وصنع مائدة تراثية مُرتبطة بتقاليد العائلة.


ومن خلال متابعتنا للعادات المطبخية المرتبطة بوجبة الافطار صبيحة العيد يتبين لنا تنوع هذا الطبق بين المدن والقرى الفلسطينية، فبعضهم لا يتخلى عن سمك الفسيخ المالح، وآخرون يُعدون طبق السماكية الغزاوية، وأهالي القدس لا يستبدلون كعكهم الشهير بأي شيء آخر. وآخرون يعدون افطارهم من الزيت والزيتون وخبز الطابون. ولبعض التجمعات اهتمام بأكلات المشمل والملاتيت أو المناقيش، أو المعلاق (الكبد والقلب والرئتين).
 
وبالعادة يأتي هذا الافطار لحماية المعدة من تنوع الأكل يوم العيد في البيوت التي سيتم زيارتها، وذلك بعد شهر من الصيام وانتظام أوقات الطعام، ولأجل ذلك يأتي التحذير من (بغلة العيد) وهو وصف شعبي طريف لمن يأكل بغير انتظام يوم العيد مما يصيبه بإعياء او وجع في معدته، فيقولون: (فلان رفصته بغلة العيد).

وداع العيد:
 
يقولون في المثل الشعبي: (راح العيد وقَلَقُه، كُل واحد يِرجَع لِخَلَكُه)، أي لثوبه القديم، فما أن ينتهي العيد وفعالياته، حتى يعود الناس لحياتهم العادية ولمشاغلهم، حتى أنهم يقولون للأطفال: (راح العيد وفرحاته، وأجا المعلم وقتلاته)، بمعنى أن العطلة انتهت وستعودون للمدرسة وواجباتها. وتحذيراً من المبالغة في التفاعل مع العيد يقولون: (العيد يوم والرعنة، قتلت حالها) بمعنى بالغت بالإستعداد له. 
التعليقات (0)