مقالات مختارة

يجب رفض مساعي الإمارات لتطبيع الفصل العنصري الإسرائيلي

جمال جمعة
1300x600
1300x600

بينما تدفع الدول العربية باتجاه التطبيع مع إسرائيل، ينبغي على الفلسطينيين الاستمرار في النضال من أجل الحرية والمساواة.


نواجه اليوم كفلسطينيين حملة منظمة لتصفية قضيتنا – كانت آخر تجلياتها سرقة الأراضي الجارفة التي تخطط إسرائيل للقيام بها، من خلال ضم 30 بالمئة من الضفة الغربية المحتلة.

من معالم المرحلة الأخيرة من مشروع إسرائيل الاستعماري الاستيطاني الهادف نحو تطهير الأرض عرقيا استعدادا لضمها تكثيف العدوان ضد الفلسطينيين في المناطق المستهدفة من خلال هدم البيوت وحرق الأراضي الزراعية وهجمات المستوطنين ومصادرة الأراضي.

قوبلت خطط إسرائيل للضم بتنديد على نطاق واسع بدءا بما صدر عن خبراء الأمم المتحدة الذين طالبوا بإجراءات فعالة لمواجهة الفصل العنصري (الأبارتيد)، الذي تمارسه إسرائيل في القرن الحادي والعشرين وانتهاء بالسلطة الفلسطينية التي هددت بتجميد كافة العلاقات، بما في ذلك التنسيق الأمني، مع إسرائيل.

رد الفعل العربي


في خضم ذلك، اتخذ سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة خطوة غير مسبوقة إذ نشر مقالا بعنوان "إما الضم أو التطبيع" في صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، منتهكاً بذلك إجماعا فلسطينيا وعربيا كان قائما منذ زمن طويل ضد التطبيع مع النظام الإسرائيلي.

يُزعم أن المقال إنما كتب لإقناع الجمهور الإسرائيلي بالوقوف ضد الضم. ولكن، هل كان العتيبة يعتقد فعلياً بأن الإسرائيليين سينزلون إلى الشوارع في اليوم التالي مباشرة ليطالبوا حكومتهم بوقف عملية الضم؟ ذلك مستبعد جداً. إذن، فماذا كانت الغاية الحقيقية من المقال؟

مخاطباً النظام الإسرائيلي باعتبار ذلك "فرصة، وليس كعدو"، بدا العتيبة قلقا من أن الضم سيولد مقاومة فلسطينية وسيؤدي إلى رد فعل عربي ضد التطبيع مع إسرائيل. وهذا من شأنه أن يدمر مساعي الإمارات العربية المتحدة، والتي ما لبثت تبذلها منذ وقت طويل – ووثقتها صحيفة ذي إنترسيبت قبل سنوات معدودة – لبناء تحالف ضد إيران بالشراكة مع إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول خليج أخرى.

يقال إن مقال العتيبة تمت كتابته بمساندة من أفراد مقربين من الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي حاييم سابان. وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما يكاد يكون اتصالاً دائماً عبر الهاتف والإيميل مع جاريد كوشنر، فمن المحتمل أيضاً أن يكون قد حصل في ذلك على مباركة إدارة ترامب.

يبدو المقال جزءاً من جهد مكثف ومنظم غايته حماية مشروع التطبيع المتنامي، وإن كان مضطرباً، لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعدد من دول الخليج الأخرى، وذلك في تعارض سافر مع المبادئ التاريخية للجامعة العربية والعديد من الدول العربية.

منظومة اضطهاد ثلاثية التكوين

نشأت إسرائيل عام 1948 من خلال تهجير الغالبية العظمى من الفلسطينيين من وطنهم. وماتزال الدولة الإسرائيلية مستمرة في اقتلاع الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم وطردهم والاستيلاء على أراضيهم.

تقوم إسرائيل على منظومة ثلاثية التكوين من حيث القهر الذي تمارسه، تتشكل من الاستعمار الاستيطاني، والفصل العنصري، والاحتلال. يرفض الفلسطينيون أي تعامل مع مثل هذه المنظومة كما لو كانت دولة "طبيعية" يمكن إقامة العلاقات وإبرام التعاون معها. ولكن بالنسبة لسفير الإمارات، تعتبر إسرائيل "فرصة" – وليست دولة تمارس الاستعمار والفصل العنصري وتضع نفسها فوق القانون الدولي.

يقول العتيبة في وصفه للإمارات العربية المتحدة بأنها توفر "الاندماج وتقليص الصراع" في المنطقة.

يحق لنا أن نسأل: أي سلام ذلك الذي تسانده دولة الإمارات العربية المتحدة؟ هل هو السلام في اليمن، حيث تساهم الإمارات العربية المتحدة بكثافة في تدمير وتجزئة وإفقار البلد؟ أم هو السلام في ليبيا حيث تدعم الإمارات العربية المتحدة المليشيات وتؤجج نيران الحرب والعسكرة مما يؤدي إلى تدمير البلد؟

فيما يتعلق بالنضال من أجل السلام والعدل في فلسطين، تتزعم الإمارات العربية المتحدة الجهود التي تبذل لتطبيع الفصل العنصري. بل إن عرض العتيبة التطبيع مع إسرائيل مقابل وقفها مشروع الضم يتجاوز حقيقة أن الضم الوشيك الذي تنوي إسرائيل شرعنته يأتي في خضم قهرها المستمر للفلسطينيين وتشريدهم. إنه يعرض على إسرائيل جزرة ما فتئت تقضمها، فالبلدان يمارسان التطبيع منذ فترة وبكافة الأشكال.

في فبراير / شباط، ساعدت الإمارات العربية المتحدة إسرائيل في التنصل من انتهاكاتها للحقوق الفلسطينية عندما رحبت بحرارة بالفريق الإسرائيلي المشارك في سباق الدراجات الهوائية الذي نظم في الإمارات. وفي العام الماضي، قبلت إسرائيل دعوة من دبي للمشاركة في إكسبو 2020.

كما عززت دول خليجية أخرى علاقاتها بإسرائيل، ومنها البحرين التي استضافت مؤتمراً اقتصادياً مرتبطاً بخطة السلام الأمريكية، وذلك في يونيو / حزيران 2019، ومنها عُمان، التي رحبت برئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو في 2018.

تطبيع الفصل العنصري

يستحق مقال العتيبة، وما مثله من سياسات، أن يقابل بالسخط والامتعاض والمعارضة، فلا يجوز بحال التساهل مع تطبيع الفصل العنصري.

رغم ذلك، كلنا ثقة، معشر الفلسطينيين، أن قيم الحرية والعدالة والمساوة ستنتصر في النهاية على تحالف الأنظمة التي تؤجج نيران الحرب وتحرض على العنصرية وتنتهك حقوق الإنسان. نؤمن بقوة الشعوب على مستوى العالم، من الشوارع العربية إلى الشوارع الأمريكية، في قلب الإمبراطورية.

فاليوم، وفي أوج المظاهرات المتنامية داخل الولايات المتحدة وفي أجزاء كثيرة من العالم، يقف الحكام الذين ينتهكون حقوق الإنسان، على أرض هشة. أما الشعوب، سواء في العالم العربي أو حول العالم بأسره، فباتت تدرك قيمة نضالنا المشترك.

وأما العتيبة ومن هم على شاكلته في هذا العالم، فكل ما يفعلونه هو أنهم يوجهون لنا رسالة مفادها أن فلسطين هي الاختبار الحقيقي لمدى احترام حقوق الإنسان في العصر الحديث. بإمكاننا معاً أن ندافع عن الكرامة الإنسانية وعن حق تقرير المصير.

ترجمة خاصة لـ"عربي21" نقلا عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني

0
التعليقات (0)