مقالات مختارة

مَن وسوَسَ للسيسي بالانتحار؟

توفيق رباحي
1300x600
1300x600

تفاصيل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحدود المصرية الليبية، يوم السبت، وطريقة تنفيذها وتغطيتها إعلاميا، تشي بقائد عسكري يلتقي جيشه ليرفع معنوياته قبيل الدفع به إلى جولة قتال مع عدو خارجي.


لكن الخطاب الحربي الذي ألقاه السيسي يشي بقائد مرتكب اُسقط في يده. تحديد سبب الارتباك لا يحتاج إلى جهد: خسائر خليفة حفتر الكبرى عسكريا ومعنويا.


السيسي اعتبر سرت والجفرة خطا أحمر، «سقوطهما» في يد قوات حكومة الوفاق مساس بالأمن القومي المصري ويبرر للجيش المصري التدخل في ليبيا. سرت أقرب إلى الحدود التونسية. المسافة من سرت إلى الحدود المصرية تناهز الألف كيلومتر. الجفرة، بقاعدتها العسكرية الجوية، أقرب إلى الجزائر وتونس منها إلى مصر. فلماذا لم تهدد تونس والجزائر بأن الجفرة وسرت خط أحمر؟ فتّش عن السياسة. لأن الموقف المصري من الصراع في ليبيا منحاز وغير نزيه. والنتيجة أن سرت والجفرة تصبحان خطا أحمر فقط عندما تسقطان في أيدي قوات حكومة الوفاق. أما إذا كانتا تحت سيطرة حفتر، فلا بأس، هما خط أخضر!


السؤال الآخر الملحّ: هل تأكد للسيسي بأن سرت والجفرة توشكان على السقوط؟ وهل يترتب على مخاوف كهذه استنتاج أن حفتر انتهى وأصبح خارج اللعبة؟


إذا ما سقطت سرت والجفرة (هذه يطالب الروس بقاعدتها الجوية مقابل التوقف عن دعم حفتر)، وردَّ السيسي بتنفيذ تهديداته، سيكون أمامه خياران: التوغل الأرضي في العمق الليبي، أو الاكتفاء بغارات جوية تنفذها مقاتلات مصرية ثم تعود إلى قواعدها داخل مصر.


التوغل الميداني سيكون محرقة عسكرية وسياسية واستراتيجية وأخلاقية. ماذا ومَن سيحارب الجيشُ المصري في صحاري ليبيا الشاسعة القاحلة ومدنها المترامية الجغرافيا؟ على القادة العسكريين المصريين أن يذكّروا السيسي بأن زمن الحروب التقليدية ولّى، وأن التاريخ لا يحفظ في الثلاثين سنة الأخيرة، حربا انتهت بحسم عسكري محض، وأن العالم يمضي نحو أنواع جديدة من الحروب. وعليهم تذكيره بأن أمريكا بعتادها العصيِّ على الوصف وعديدها وأموالها، مدعومة بتحالفات دولية، أقرّت بالفشل في حربين متزامنتين، أفغانستان والعراق، وبأن فرنسا غارقة في وحل مالي والساحل الأفريقي.


أما الغارات الجوية، فلا أمل منها. بإمكان سلاح الجو المصري أن يستمر في قصف ليبيا نصف قرن ولن يفيده ذلك في شيء. هنا أيضا، يستحسن بالقادة العسكريين المصريين تذكير رئيسهم بأن الغارات الجوية مساعِدة في الحروب وليست حاسمة. وعليهم أن ينصحوه بالتعلم من آخر درس، التجربة السعودية المستمرة منذ 2015 في اليمن، حيث انهزمت السعودية أخلاقيا وسياسيا ولم ينهزم الحوثيون عسكريا. السيسي سيجعل من ليبيا، إذا قرر قصفها جوا، ما جعلت السعودية من اليمن.

 

وسيقال ساعتئذ إن أكبر بلد عربي يحارب بلا جدوى أضعف بلد عربي، مثلما قيل في 2015: أغنى بلد عربي (السعودية) يحارب بلا جدوى أفقر بلد عربي (اليمن). ليبيا لمصر ستصبح مثل اليمن للسعودية. وسينتحر السيسي أخلاقيا وسياسيا مثلما انتحر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.


سؤال لا يقل إلحاحا: ماذا عن تركيا؟ هل ستقف متفرجة. هل يتحمل المصري كلفة خوض حرب ضد القوات التركية في ليبيا؟


لابد أن أحدا ما يدفع بالسيسي إلى الانتحار في هذا المستنقع. هل هي الإمارات التي دفعت بابن سلمان إلى اليمن ثم تخلت عنه لتنفذ أجندة خاصة بها؟ هل هي روسيا؟ ربما الاثنان معا، الأولى تموّل والثانية تسلّح. دون إهمال دور فرنسي، عندما يحين وقته، يضمن للسيسي تواطؤ نصف أوروبا وحق النقض في الأمم المتحدة إذا تطلب الأمر.


لحسن حظ مصر والمنطقة ككل، هناك ظروف داخلية وإقليمية متراكمة لا تخدم مصر ولا تسهّل تنفيذ المغامرة التي يهدد بها السيسي. ظروف تبدو للوهلة الأولى في غير صالح مصر، لكنها في العمق يمكن أن تحميها من السيسي، إذ قد تفرض عليه التريث قبل خوض مغامراته.


هذه الظروف أبعدت مركز الثقل عن مصر نحو الخليج، وجعلتها بلا تأثير. مصر مأزومة داخليا وخارجيا، وآخر ما تحتاجه حربا جديدة بدايتها معروفة لكن لا يمكن التكهن بنهايتها. الأزمة مع إثيوبيا بسبب سد النهضة تستهلك جهد الدبلوماسية المصرية ووقتها. الأزمة الاقتصادية القاتلة داخليا. الجيش المصري منهك في حرب استنزاف بشبه جزيرة سيناء طالت أكثر مما يجب، ضد عدو هلامي يتجدد باستمرار.
قبل التفكير في حرب بليبيا، يحتاج السيسي إلى تسوية أزماته العالقة، وأبرزها الانهيار الاقتصادي والثقة المفقودة من شعبه بعد سبع سنوات من الحكم زادت خلالها أحوال مصر سوءا ومكانتها تراجعا، ثم الحرب الصامتة في شبه جزيرة سيناء، وأيضا الأزمة مع إثيوبيا.

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل