كتاب عربي 21

هل يقف السيسي وراء الفوضى في إثيوبيا؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

ليس أكثر من غريق يتعلق في "قشاية"، وقد ورد في الأثر أن الغريق يتعلق في "قشاية"، عامية "قشة"!

إنه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عندما اتهم جهات خارجية بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها بلاده، ولو توقف عند ذلك، لكانت دائرة الاتهام أوسع، لكنه حددها بمحاولة هذه الجهات والدول وقف مشروع سد النهضة، ليضيق الخناق على المستهدف باتهامه، وكما يقول المثل المصري الدارج: "الكلام لكِ يا جارة"!

الدولتان المعنيتان بسد النهضة بجانب إثيوبيا هما السودان ومصر، والأولى في حالة رضا عن اتفاق المبادئ وما أنتجه من آثار، رغم أن الحكومة الحالية جاءت بعد ثورة على من وقع على هذا الاتفاق نيابة عن الدولة السودانية، وهو الرئيس المعزول والمسجون الآن عمر البشير، فجاءت حكومة ما بعد الثورة لتكمل مسيرته، وهي التي تبحث دائما عما يمثل أداة للتشهير بالبشير وزمانه وسياساته!

والمعنى أنه لم يتبق سوى مصر، دائمة الشكوى من التعنت الإثيوبي، سواء لمجلس الأمن أو للرئيس الأمريكي، والتي تتحدث عن أضرار لا تعد ولا تحصى إذا بدأ الملء من قبل الطرف الإثيوبي كما يهدد، فهل فعلها السيسي؟!

 

لم يتبق سوى مصر، دائمة الشكوى من التعنت الإثيوبي، سواء لمجلس الأمن أو للرئيس الأمريكي، والتي تتحدث عن أضرار لا تعد ولا تحصى إذا بدأ الملء من قبل الطرف الإثيوبي كما يهدد، فهل فعلها السيسي؟!

والحال كذلك، فلا يخفى على لبيب أن الاتهام، وإن مثل تلميحاً، فهو يكاد يتحول إلى تصريح، ويشير إلى المستهدف به، وهو ما دفع السلطات المصرية إلى تكليف قنصلها في السودان للرد على آبي أحمد.

لاحظ أن الرد من "القنصل" وليس الخارجية ، أو رئيس الحكومة المصري، لأن الهبوط بمستوى من يقوم بالرد وإن مثل تقليلا من قدر من وجه الاتهام، فإنه من ناحية أخرى يستهدف ألا تتسع دائرة الخلاف، وأهل الحكم في القاهرة لا يريدون توسيع الدائرة. فرغم كل التعنت الإثيوبي باعتراف السلطات المصرية على مدى خمس سنوات، ورغم الهجوم على السيسي في الإعلام الإثيوبي بطريقة فيها إهانة كبيرة لشخصه، فإن الأبواق الإعلامية في مصر لم تهاجم النظام الإثيوبي ومن يمثله، ولم تقترب بالإهانة من آبي أحمد ولو بشطر كلمة، فهي عُرفت بالهروب من هنا بالهجوم على تركيا وقطر!

مولود الذباب الالكتروني:

بيد أن الأحداث التي تشهدها إثيوبيا، بجانب تلميح آبي أحمد بضلوع مصر فيها، دفع الذباب الالكتروني للترويج بأن مصر وراء ما يحدث، فيد الحاكم العسكري طويلة، وقد وصلت إلى "أعالي البحار"، وقدرته على إيقاع الإيذاء لا يحد منها حدودا. ولاحظ أن الذباب ذاته الذي لا يمل من الإعلان عن أن "أهل الشر" يريدون دفع مصر للحرب مع إثيوبيا، ويقول قائلهم ببلاهة منقطعة النظير: إنهم يريدون أن يُهزم الجيش المصري ليشمتوا فينا. وكأن الهزيمة قدر، فماذا يمكن أن يقول المحرضون على الحرب، استعداداً للشماتة، إذا حدث المستحيل وتحقق الانتصار؟! فلماذا لا يضعون هذا في اعتبارهم؟!

 

الأحداث التي تشهدها إثيوبيا، بجانب تلميح آبي أحمد بضلوع مصر فيها، دفع الذباب الالكتروني للترويج بأن مصر وراء ما يحدث، فيد الحاكم العسكري طويلة، وقد وصلت إلى "أعالي البحار"، وقدرته على إيقاع الإيذاء لا يحد منها حدود

غير أنهم هنا يتعلقون في أي نصر، ولو كان سراباً بقيعة يحسبه الظمآن ماء، تماماً كما انطلقوا فرحين بعد القصف الذي تعرضت له قاعدة الوطية الليبية من قبل طائرات مجهولة، وروّجوا بأنها من قبل النظام المصري، في حين أن الإشارات الليبية لا توحي بهذا أبدا، ولماذا لا يعلنها النظام المصري صريحة إن كان قد فعلها ويختبئ خلف ذبابه الالكتروني؟!

لقد قصف السادات ليبيا من قبل، وأعلن هذا، في رسالة للقذافي بأن يده يمكن أن تطاله ولو في عقر خيمته، لكن نحن في زمن تحقيق الانتصار عبر الذباب الالكتروني أو من خلال الدراما التلفزيونية: "مسلسل الاختيار نموذجا". وهل يليق بدولة مثل مصر، يرأسها جنرال، ويرى من حقه التدخل في ليبيا، أن يضرب ويجري دون إعلان؟!

تداعيات الأحداث:

تداعيات الأحداث في إثيوبيا لا تشير البتة إلى أن أيادٍ خارجية يمكن أن تكون وراء ما جرى، فقد نشبت الأحداث بعد الحادث الغامض باغتيال المغني والناشط "هاشالو هونديسا"، والذي عرف بانحيازه لمطالب قبيلته "الأورمو"، ونضالها من أجل الحق في تقرير المصير. وقد اعتقل لمشاركته في واحدة من المظاهرات التي نظمتها هذه القبيلة وحُكم عليه بالسجن خمس سنين، ولم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره. وعُرف بغنائه المقاوم.. وقبيلته وإن كانت الأكثر عدداً، فإنها لا تملك قوة قبيلة "الأمهرا" التي تتغلغل في أوصال الدولة الإثيوبية وتسيطر على مواقع القوة فيها من جيش وأجهزة أمنية، فهي تمثل الدولة العميقة في إثيوبيا!

 

تداعيات الأحداث في إثيوبيا لا تشير البتة إلى أن أياد خارجية يمكن أن تكون وراء ما جرى، فقد نشبت الأحداث بعد الحادث الغامض باغتيال المغني والناشط "هاشالو هونديسا"، والذي عرف بانحيازه لمطالب قبيلته "الأورمو"

الغالبية من قبيلة "الأورمو" هم من المسلمين، وينتمي آبي أحمد إليها، وهو من أب مسلم وأم مسيحية، ولعل هذا الانتماء جعل تقارير صحفية منسوبة لوكالات معروفة تؤكد أنه مسلم الديانة، وهو ما تبين أنه ليس صحيحاً، فالصحيح أنها المرة الأولى التي يفوز فيها أحد من هذه القبيلة التي تشكو الاضطهاد بمنصب رئيس الحكومة. وتكمن المشكلة في أن آبي أحمد يدرك قوة القبيلة الأخرى، لذا فقد قرر أن يتصرف على أنه رئيس لكل الإثيوبيين، باعتباره يضمن ولاء قبيلته التي لم تشعر بأنه قد جد على أحوالها جديد بفوزه بهذا المنصب الرفيع. وقد عبّر عنهم "جوهر محمد"، المناضل الإثيوبي الأكثر تعبيراً عن قضايا الأورمو، والذي وقف مع آبي أحمد في الانتخابات، لكنه يراه الآن قد خان قضية قبيلته ومن ثم يدعو لإزاحته!

وفضلا عن هذا، فإن مصر من عهد مبارك قد سحبت يدها من أفريقيا، وفي السنوات الأخيرة لعهده البائس، أغلقت مكاتب لفصائل أفريقية في القاهرة، كانت تستغلها في الضغط على هذه الدولة أو تلك، وهي المكاتب التي تمثل اختصاصا لجهاز المخابرات الذي لم يكن راضيا عن هذا الانسحاب غير المبرر، ولم يجد النظام نفسه مشغولا بتبريره، وجاء في وقت كانت قد تفجرت الرغبة الإثيوبية في خلق المشروع القديم ببناء سدود عند منبع النيل الأزرق!

أزمة الشرعية:

 

إذا أراد السيسي أن يضع حداً لتعنت إثيوبيا بإثارة النعرات القبيلية، فقد ذهب بعيداً، لأن موضوع السد هو ما يجمع الإثيوبيين باعتباره مشروعا قومياً عندهم مع الصراع القبلي

وجاء السيسي ليسير في نفس الاتجاه، وبصورة أكثر سلبية، فلم ير في أفريقيا سوى "الاتحاد الأفريقي" الذي حجب شرعيته عما جرى في مصر يوم 3 تموز/ يوليو 2013 واعتبره انقلابا يستوجب تجميد عضوية القاهرة، فقدم السيسي التنازلات اللازمة من أجل تغيير الوضع، فكان توقيعه على اتفاق المبادئ سيئ الصيت، والذي مثل موافقة مصرية مكتوبة على بناء سد النهضة بدون قيد أو شرط!

وإذا أراد السيسي أن يضع حداً لتعنت إثيوبيا بإثارة النعرات القبيلية، فقد ذهب بعيداً، لأن موضوع السد هو ما يجمع الإثيوبيين باعتباره مشروعا قومياً عندهم مع الصراع القبلي، ولهذا كان تلويح آبي أحمد بأن الهدف وراء هذه الأحداث التي شهدتها بلاده هو تعويق بناء وملء سد النهضة، فهو كرجل صاحب خلفية عسكرية، يجيد استخدام المشروعات القومية للهروب للأمام، وهو كغريق يتعلق ولو بقشة لإعادة جمع الإثيوبيين حوله، والهروب من مطالب لا يستطيع تحقيقها في ما يختص بإنصاف قبيلته.

واهم من بنى آماله على أن ما يحدث في إثيوبيا سيعطل بناء وملء سد النهضة.

twitter.com/selimazouz1

التعليقات (0)

خبر عاجل