مقابلات

حقوقي: السيسي يود الحكم مدى الحياة.. والجيش هو حزب الأغلبية

بهي الدين حسن أكد أن مصر ليست بصدد انتخابات برلمانية بل "عرض استربتيز"- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
بهي الدين حسن أكد أن مصر ليست بصدد انتخابات برلمانية بل "عرض استربتيز"- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

* التعديلات الدستورية الأخيرة أجهزت على ما يسمى "سلطة قضائية" وألحقت عمليا النظام القضائي بديوان رئاسة الجمهورية

 

* الهاجس الرئيسي للسيسي هو الاستمرار في الحكم مدى الحياة حتى لو تطلب الأمر تعديلا دستوريا جديدا

 

* السيسي لن يقبل بوجود أي مسؤول طموح بجواره سواء كان نائبا له أو وزيرا للدفاع

 

* أحدث أدوار المؤسسة العسكرية الآن هو دور الحزب السياسي الأوحد.. وجرى تخريب دور الجيش بعهد السيسي

 

* المصريون سيسيرون خلف مَن يُقدّم لهم مشروعا مُقنعا للتقدم بصرف النظر عن هوية مُقدّمي المشروع وتحالفاتهم

 

* مصر ليست بصدد انتخابات برلمانية بل "عرض استربتيز" شبه سياسي يستهدف استكمال ديكورات حكم الديكتاتور الفرد

 

* لا أظن أن أي حزب أو جماعة سياسية رشيدة ستقبل الاضطلاع بدور في "استربتيز" انتخابي

 

* المعادلة الابتزازية التي يتبعها السيسي مع المجتمع الدولي ستستمر إلى أن تصير التكلفة المطلوبة من المجتمع الدولي لمنع انهيار مصر أكبر من قدراته

 
شنّ الحقوقي المصري البارز مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، هجوما حادا على الانتخابات البرلمانية المقبلة، قائلا إن "مصر ليست بصدد انتخابات، ولكن بصدد عرض استربتيز شبه سياسي، يستهدف استكمال ديكورات حكم الديكتاتور الفرد".

وأضاف حسن، في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلته الخاصة مع "عربي21": "لا أظن أن أي حزب أو جماعة سياسية رشيدة ستقبل الاضطلاع بدور في هذا الاستربتيز الانتخابي، خاصة أن أبرز الشخصيات التي كان من المحتمل ترشحها في انتخابات حقيقية هم إما في السجون أو مختفون".

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تحاور الحقوقي بهي الدين حسن في ذكرى انقلاب مصر

واستبعد قيام السيسي بتعيين نائب له، كما نصت التعديلات الدستورية التي تم إقرارها قبل نحو عام، قائلا: "لست متأكدا من أن السيسي كان يرغب في هذا التعديل، أم أن موازين القوى داخل المؤسسة العسكرية هي التي فرضت عليه قبول من حيث المبدأ تعيين نائب له"، متوقعا أن يؤجل السيسي ذلك التعيين إلى أن يجد نائبا "مأمونا"، أو أن تفرض عليه المؤسسة العسكرية نائبا له، أو أن يتمكن من إلغاء ذلك التعديل الدستوري.

وأكد الحقوقي المصري البارز أن "الهاجس الرئيسي للسيسي هو الاستمرار في الحكم مدى الحياة، حتى لو تطلب الأمر تعديلا دستوريا جديدا، لكي يتجنب الخضوع لمحاسبة جنائية على فساده وجرائم قتل الأبرياء. لذلك هو لن يقبل بوجود أي منافس طموح بجواره، سواء كان نائبا له أو وزيرا للدفاع".

وتاليا نص الحلقة الثانية والأخيرة من المقابلة الخاصة:

 

كيف ترى موافقة لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان على مشروع قانون يقضي بعدم جواز الترشح للضباط سواء الموجودين بالخدمة أو من انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟

 

في عهد السيسي جرى تخريب دور الجيش الذي خُلق له ومنصوص عليه في دستور مصر وكل دساتير العالم؛ فصار يمارس الزراعة، والصناعة، والمقاولات، ويدير المؤسسات الإعلامية والتعليمية ومحطات البنزين وأعمال البقالة والخردوات، وحتى الباعة الجائلين.

وأحدث أدوار المؤسسة العسكرية الآن هو دور الحزب السياسي الأوحد. فهي فعليا الحزب الذي يرشح رئيس الجمهورية، وعند اللزوم يقوم أيضا بإقصاء أخطر منافسي مرشحها، حتى لو كانوا عسكريين. ذلك التطور سرعان ما انعكس في البرلمان الحالي، حيث صار العسكريون يشكلون أكبر كتلة فيه تنتمي لمهنة أو فئة واحدة. ما يعني أن المؤسسة العسكرية صارت هي حزب الأغلبية غير المعلن، والتي تدير البرلمان من خلال ما يسمى الأحزاب الورقية المُعلنة مثل "مستقبل وطن" وغيره.

لذا، يُلاحظ أن التعديلات القانونية الأخيرة المتعلقة بالقوات المسلحة التي عُرضت في البرلمان، لا يتعلق أي منها بدور الجيش كجيش أو بأي اعتبارات عسكرية، وإنما بتنظيم الدور السياسي للعسكريين كأفراد وبتنظيم المنافسة السياسية داخل المؤسسة العسكرية. وبمقتضى ذلك يضطلع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في التعديلات القانونية الجديدة بدور أشبه بدور اللجان المركزية أو المكتب السياسي في الأحزاب الشيوعية، التي من حقها أن تمنح أو تمنع أعضاءها بشكل ديكتاتوري من الترشح في الانتخابات، كما تعين ممثليها السياسيين في المحافظات، تحت اسم "المستشار العسكري"، رغم أنه ليس مطلوبا منهم أي دور عسكري. هذا انزلاق أكبر في ذات المنحدر، ونتائجه الكارثية تتوالى كل يوم أمام عيون المصريين، في الاقتصاد والسياسة والصحة والتعليم وفي الجيش ذاته. هذا أيضا تخريب منهجي حتى للذريعة التي يتشدق بها السيسي كل ساعة، وهي "الأمن القومي".

 

قررت محكمة جنايات القاهرة، الدائرة 5 إرهاب، حجز محاكمتك، لاتهامك بنشر أخبار كاذبة والتحريض ضد الدولة، وإهانة سلطة القضاء، لجلسة 25 آب/ أغسطس للحكم، وقبل ذلك أصدرت إحدى المحاكم المصرية حكما غيابيا بحبسك 3 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه، عقابا لك على رأي بموقع تويتر.. لماذا هذا التنكيل القضائي المتواصل ضدك؟ وهل فقدت السلطة القضائية استقلالها حاليا؟

 
يبدو أن السيسي يتخيل أن مَن لم يرتدع بتهديده بالقتل، ثم بقيام إعلامييه المقربين منه شخصيا بالتحريض على الهواء على قتله، سيجبره حكم بالسجن على التخلي عن الدفاع عن حقوق المصريين.

للأسف القضاء فقد تحت حكم السيسي ما بقي من هامش استقلالية كان متاحا في عهد مبارك، بل إن التعديلات الدستورية الأخيرة أجهزت على ما يسمى "سلطة قضائية"، وألحقت عمليا النظام القضائي بديوان رئاسة الجمهورية. مصريون عديدون – من بينهم البرلماني السابق المختفي قسريا د. مصطفى النجار - جرت إدانتهم قضائيا بتهمة إهانة القضاء بسبب تصريحات بناءة في إطار حرية الرأي والتعبير تستهدف مصلحة الوطن والعدالة وصيانة المكانة الأخلاقية للنظام القضائي المصري.

ويحاول نظام الحكم الحالي أن يحصن القضاء من أي نقد، لأنه يتستر خلفه ويستخدمه لقمع الأبرياء وخصومه الحقوقيين والسياسيين وإرهابهم. وهو أمر توثقه مئات التقارير الحقوقية المصرية والدولية والإعلامية. بل إن الأمم المتحدة وصفت بعض الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم مصرية بأنها تشكل بحد ذاتها "سخرية بالعدالة".

طالبتم صندوق النقد الدولي بتأجيل التصويت على قرض بقيمة 5.2 مليارات دولار أمريكي لمصر، حتى يتم تضمين متطلبات قوية لمكافحة الفساد في البرنامج ونشر شروط القرض للعموم، لكن الصندوق وافق على القرض قبل أيام.. فكيف ترون القرض الجديد؟ ولماذا لم يستجب الصندوق لمطالبكم؟


المعادلة الرئيسية التي تحكم علاقة الأطراف الرئيسة في المجتمع الدولي - بما في ذلك المؤسسات المالية الدولية الكبرى كصندوق النقد الدولي - بمصر، هي أن الأضرار الكارثية لانهيارها - ليس المقصود نظام السيسي بشكل خاص - أكبر من أن يحتملها العالم. وبالتالي فإن هذا يجعل المجتمع الدولي مستعدا للمساعدة دون تمحيص كبير، خاصة أن النظام الدولي ذاته في محنة لم تبدأ مع تفشي كوفيد-19.

هذا الوضع ساعد نظام السيسي على تطوير نمط من العلاقة الابتزازية، تسمح له بالابتزاز السياسي والمالي للمجتمع الدولي، دون أن يتخذ أي خطوات جادة لمنع انزلاق مصر التدريجي إلى هذا المصير المخيف. هذه المعادلة الابتزازية ستستمر إلى أن يحدث إصلاح داخلي حقيقي في مصر يوقف استنزاف الفساد السياسي والاقتصادي والمالي والإداري لثرواتها ومواردها وقواها الحيّة المتواصل لعدة عقود ويؤمنها من احتمالات الانهيار الداخلي، أو إلى أن تصير التكلفة المطلوبة من المجتمع الدولي لمنع الانهيار أكبر من قدراته ومن تكلفة حدوثه.

كيف تنظر للانتخابات البرلمانية المقبلة (مجلس النواب والشيوخ)، والتي من المقرر إجراؤها خلال الشهر المقبل؟ وهل قد تشبه الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2010؟


مصر ليست بصدد انتخابات، ولكن بصدد عرض استربتيز شبه سياسي، يستهدف استكمال ديكورات حكم الديكتاتور الفرد.

ومن الظلم الفادح لأسوأ انتخابات جرت في عهد مبارك أن تُقارن بالانتخابات القادمة في مصر. الانتخابات القادمة ستكون النسخة البرلمانية لما وصفت زورا منذ عامين بأنها انتخابات رئاسية، التي خاضها الجنرال عاريا تماما، وقام خلالها بالقبض على أبرز منافسيه وإجبار الآخرين على الانسحاب، ثم تأبط ذراع أحد أنصاره ليترشح أمامه "كمنافس" وحيد. هذا استربتيز وليس انتخابات بأي شكل من الأشكال.

هل تتوقع مشاركة قوى المعارضة في هذه الانتخابات؟


لا أظن أن أي حزب أو جماعة سياسية رشيدة ستقبل الاضطلاع بدور في هذا الاستربتيز، وخاصة أن أبرز الشخصيات التي كان من المحتمل ترشحها في انتخابات حقيقية هم إما في السجون أو مختفون مثل مصطفى النجار.

على صعيد آخر، هل ترى أن الافتراق السياسي الذي حدث بين الإسلاميين والعلمانيين عقب ثورة يناير لا رجعة فيه أم أنه يمكن إيجاد صيغة ما للتعايش بين الطرفين؟


أظن أن عموم المصريين تجاوزوا هذه الصيغ الرمزية الموقوتة بزمن ولى، ولم تعد تشكل هما لهم.

مشكلة مصر بعد 7 سنوات من انقلاب 3 تموز/ يوليو صارت معضلة بقاء على كل المستويات، نقص المياه هو فقط أحد أوجه هذه الأزمة. لدي شكوك عميقة في أن الشعارات التاريخية الملهمة أو المعادلات السياسية التي كانت مطروحة منذ 9 أو 7 سنوات وما زال يجري استحضارها في كل مناسبة بحنين عاطفي جارف، يمكن أن تكون "تعويذة" تحمل في طياتها حلا سحريا لمعضلات مصر الوجودية. أظن أن المصريين سيسيرون خلف مَن يُقدّم لهم مشروعا ملموسا ومقنعا - لا شعارات - لتذليل هذه المعضلات ووضع مصر على طريق التقدم، بصرف النظر عن هوية مُقدّمي المشروع وتحالفاتهم.

خلال الأزمات الكبرى نجد هناك جدلا بشأن دعوات الاصطفاف "الاضطرارية" بين المعارضة والنظام، وتأجيل الخلافات من أجل التفرغ لتلك "الأزمات الكبرى"، بينما يرى آخرون أن الاصطفاف مع السيسي هي دعوة حسنة النية لكنها تقود البلاد إلى المجهول.. فهل أنت شخصيا تؤيد دعوات تأجيل أي خلاف سياسي مع النظام لمواجهة الأزمات الكبرى كفيروس كورونا أو قضية سد النهضة مثلا؟


أتمنى أن توجد إمكانية جادة للاصطفاف الوطني، لكن المشكلة أن السيسي أهدر ويهدر كل إمكانية جدية لحدوثه، ويختزله في اصطفاف كقوالب طوب دون مساءلة.

لم تكن لدى السيسي وليس لديه الآن أي خطة مدروسة لمواجهة أي من التحديات الكبرى التي واجهت مصر خلال السنوات السبع الماضية. أوضح برهان على ذلك هو طريقة تصديه لأخطار سد النهضة وكورونا والإرهاب في سيناء وفي ليبيا. وتحركاته غير العقلانية في كل هذه الجبهات أدت إلى مفاقمة الأخطار على مصر عما كانت عليه منذ 7 سنوات. تركيزه الوحيد هو على كيفية تأمين اصطفاف الجميع خلف مشروعه الشخصي لتعزيز سلطة الديكتاتور الفرد، وربما إعادة سيناريو التوريث العائلي للحكم، ولكن بخلفية عسكرية.

إنه يريد اصطفافا خلف مشاريعه التي يفخر علنا بأنها غير مدروسة، وخلف دعمه لمجرم حرب في ليبيا مطلوب للعدالة الدولية، وخلف الأوهام المتوالية التي بثها حول حسن نوايا المفاوض الإثيوبي، وخلف استراتيجيته الفاشلة على مدار 7 سنوات في مكافحة الإرهاب.

أدعو حسني النوايا أن يتأملوا مصير مَن طالبوا بالاصطفاف الوطني خلف الأطباء في معركة غير سياسية ولا أيدولوجية مع كورونا، وبتوفير الحد الأدنى من الدعم لهم، أدعوهم أيضا لتأمل مصير الأطباء ذاتهم، بين الاختفاء والسجن والقبر.

التعديلات الدستورية الأخيرة أتاحت للسيسي تعيين نائب له أو أكثر، وله أن يفوضهم في بعض اختصاصاته، وترددت أقاويل حينها حول اعتزامه تعيين نائب له.. فلماذا لم يعين السيسي نائبا له حتى الآن رغم مرور أكثر من عام على إقرار هذه التعديلات؟

 
لست متأكدا من أن السيسي كان يرغب في هذا التعديل، أم أن موازين القوى داخل المؤسسة العسكرية هي التي فرضت عليه قبول من حيث المبدأ تعيين نائب له.

أظن أن الهاجس الرئيسي للسيسي هو الاستمرار في الحكم مدى الحياة حتى لو تطلب الأمر تعديلا دستوريا جديدا، لكي يتجنب الخضوع لمحاسبة جنائية على فساده وجرائم قتل الأبرياء. لذلك هو لن يقبل بوجود أي منافس طموح بجواره، سواء كان نائبا له أو وزيرا للدفاع.

أتوقع أنه سيؤجل ذلك التعيين إلى أن يجد نائبا "مأمونا"، أو أن تفرض عليه المؤسسة العسكرية نائبا له، أو أن يتمكن من إلغاء ذلك التعديل الدستوري.

التعليقات (0)