أخبار ثقافية

قراءة في المجموعة القصصية الموسومة بـ"مملكة النمل"

صدرت الطبعة الأولى من هذه المجموعة القصصية منذ ما يزيد عن عشرين سنة- عربي21
صدرت الطبعة الأولى من هذه المجموعة القصصية منذ ما يزيد عن عشرين سنة- عربي21

ولد جمال أبو حمدان سنة 1944م، ومن المهم التنبيه إلى أنّ معجم الأدباء الأردنيين، يقول بأنه ولد في عمّان(1)، والصّحيح أنّه ولد في محافظة السويداء السّورية، وبالتحديد في قرية رساس، التي لم يعش فيها، وعاشت فيه، وهذا هو تمامًا ما كتبه في استهلال إهداء رواية الموت الجميل(2).


ويؤكّد ما ذهبنا إليه، أنّ الباحثة نسرين أبو سعيد حصلت على هذه المعلومة من جمال أبو حمدان بشكل شخصي، في أثناء إعدادها لرسالة الماجستير(3).


 جمال أبو حمدان، قاص، وروائي، وشاعر، وكاتب مسرحي، له أكثر من عشرين عملًا أدبيًّا، ومن أعماله الأدبية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: المجموعتين القصصيتين الموسومتين بـ أحزان كثيرة، وثلاثة غزلان (1969)، ومكان أمام البحر (1993)، ورواية الموت الجميل (1998)، وقصائد حب من العالم (1972)، ومسرحية زمان آخر (2002)، وغيرها. توفي أبو حمدان في الرابع من نيسان، سنة 2015، في الولايات المتحدة(4).


وجدير بنا أن نذكر بداية، بأنّ الطبعة الأولى من هذه المجموعة القصصية، الموسومة بـ "مملكة النمل" صدرت منذ ما يزيد على عشرين سنة، عن وزارة الثقافة الأردنيّة، والمجموعة تقع في مئة وإحدى وأربعين صفحة، وتتوزع على خمس قصص، تحمل العناوين التالية:
-      مملكة النمل.
-      كشف التباريح في ذكر المفاتيح.
-      تولا في أرض الفرح.
-      نافذة خاصّة على الشارع العام.
-      يوم دفن الملك المنذر بن ماء السماء.

وقبل الولوج في قراءة المجموعة القصصية، لا بدّ أن نشير إلى أنّ الدّراسة الموسومة بـ جمال أبو حمدان أديبًا، التي قدمتها الباحثة نسرين أبو سعيد، التي عاينت في أحد مباحث الدّراسة مضامين القصص، فهذه الدراسة على أهميتها، إلا أنها لم تستوفِ المجاميع القصصية؛ خاصة مجموعة مملكة النمل، إذ كان عرضا موجزا وسريعا وخاطفا، اكتفت بالإشارة إلى أن قصة كشف التباريح في ذكر المفاتيح، تندرج ضمن القصص المغايرة للإطار العام، وذات دلالة رمزية(5).

 

اقرأ أيضا: عن وفاة مؤلف موسيقى الـ"سباغتّي ويسترن"

وهذه الإشارة الأخيرة، هي نفسها ما انتهى إليه ناقد عتيد، مثل الدّكتور إبراهيم خليل، إذ تنبّه إليها ووقف إزاءها، في كتابه الموسوم بـ "جمال أبو حمدان، قريب من الذاكرة بعيد عن النسيان"، حيث يقول بأنّ الرموز لا تظهر في قصصه ظهور الماركة المسجّلة، التي تلصق على البضائع الكاسدة، شأن غيره من الكُتّاب، بل هي رموز لها جذور بعيدة في تربة النّص"(6).


وإذا أغفل أستاذي الدّكتور إبراهيم خليل ـ أطال الله في عمره ـ المجموعة القصصيّة، التي نحن الآن في صدد قراءتها، في كتابه السّالف الذّكر، إلا أنّ الحقيقة التي لا مراء فيها، بأن هذا يحسب له لا عليه، ويضاف إلى جهوده الكثيرة في مجال الدرس النّقدي، وللمؤلّف العذر في ذلك، فقد توزع الكتاب على الرّواية والقصة والمسرحيّة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ الإلمام بالنتاج الأدبي للكاتب يحتاج إلى دراسة كبيرة ومطوّلة جدًّا، لا يتسع المجال بطبيعة الحال لدراستها في هذا الكتاب المكثف، ولا أقع في المبالغة إذا ما قلت بأنّ نتاج جمال (أبو حمدان) الأدبي، بين قوسين، يحتاج إلى فريق كبير من الباحثين، من مختلف التوجهات الأدبية والميول النقدية، تمامًا كما يحصل في المؤتمرات العلمية، وعلى ذلك، لا غرابة في أن يعتمد المؤلف على مبدأ الانتقاء والاختيار من هذا النتاج الغزير.


في قصّة مملكة النّمل، إذ تتبع خطّ سير واحد، حول طفل مختلف تمامًا عن بقية الأطفال، وقد تميّز في القصة بالجرأة المفرطة، عاش كلّ حياته حتّى مماته طفلًا.


صدمة المتوقع


نجد القصّة التي حملت المجموعة عنوانها، لا تخلو من الإشارات إلى التنظيم، والعمل، والنشاط، والحيوية، والعنوان هو في الحقيقية اسم كتاب، جلبه والد الرّاوي في القصة، بتوصية من زوجته إلى هذا الطفل المشاكس، وبعد أن فرغ من قراءته، ألقاه في النّار، الأمر الذي جعل أمّه تصرخ، وعلى أثر ذلك، أخبره والده بأنه لا يستحق الكتاب الذي يحضره له، وإذا كان سيتعلم فمن الحياة نفسها.

وبعد أن عرف حقيقة النمل، وتكشّفت أسراره، أحسّ بالنّدم، وتمنّى لو أنّه لم يحرق الكتاب. الملاحظ أنّ النمل يحضر على مدار القصّة، ويمارس استبداده اللغويّ والمعرفي على الشّخصية.


إنّ مملكة النمل في قضة جمال أبو حمدان، مكان خارج حدود الزمن، ويفيد في الدلالة على الحرية، ولقد تجلت اللغة بمظهر الشذوذ واختراق المألوف، ذلك من خلال حضور المشهد الغريب والعجيب، وما يمكن أن أسميها بالواقعية العجائبية، عبر دمج المكون غير الواقعي بالواقعي، وتكمن عجائبية هذه القصة في عقد الطفل صداقة مع نملة، والتجول في مملكة النمل.

 

اقرأ أيضا: عبد القاهر البغدادي: عن تكفير المعتزلة..

وعلى ضوء ذلك، يتضح أنّ شخصية الطفل، تعيش واقعين متناقضين: واقع الحضور والغياب، الحرّية العبودية، الحقيقة والخيال، المعرفة والجهل، الصّدق والكذب، الفناء والبقاء، الرهبة والرغبة.


وفي نهاية القصة، التي لا تخلو من السّخرية والنّقد اللاذع، يعلن الرّاوي الخيبة والصّدمة والموت المجازي الذي هو أشد وقعًا على النفس من الموت الحقيقي، ذلك عندما حصل على المعرفة من مملكة النمل، وأراد أن ينقل تجربة ما تعلمه، حدث ما لم يكن متوقعًا.


لقد أدرك أنّ أهل البلدة في أثناء غيابه الطويل، كانوا يتعلمون أغنية الصرصار، حتّى أتقنوها، والخلاصة التي يودّ الراوي تأكيدها في هذه القصة، هي أنه يعيش في حالة وهم وسراب وواقع، لا يمكن أن يتحقق في ظل أناس ما زالوا يرزحون تحت واقع العبودية وعقلية التخلف والجهل.


أمّا قصة "كشف التباريح في ذكر المفاتيح"، فتنهض على استدعاء الشخصية التاريخية، من نحو الملك أبو عبد الله الصغير، وهولاكو، وعمر بن الخطاب، كما أنّها حافلة بالإشارات التاريخية والأحداث المتداخلة، وما هذا الاستدعاء إلا دليل على شدة صلة الكاتب بالتراث والإصرار على استلهامه.


وتجدر الإشارة إلى أنّ الزّميلة والباحثة هنادي سعادة، في كتابها فنّية الرّمز، تذهب إلى أنّ جمال أبو حمدان، يقف في هذه القصّة ليرمز إلى الظن الذي يلتبس بالتاريخ، من خلال ضياع فلسطين(7)، وهذا تمامًا ما أشار إليه جمال أبو حمدان في القصة ذاتها، كما أنه لا يخفى على قارئ القصّة حضور الرّمز بقوة، فضلًا عن أن الباحثة لم تتنبه ولم تتفطن إلى عنوان القصّة، الذي يمثل مفتاح الرؤية.


وبعيدًا عن الجزم والقطع، واستكمالًا للتحليل الظاهر السابق، أرى أنّ القصة ترمي إلى ما هو أبعد من مجرد كونها رمزًا لضياع فلسطين، بقدر ما يتحوّل الراهن والتاريخ من منطوق الرمز في القصة إلى تشهير، وإدانة، وفضح، ومكاشفة، وهذا نفسه ما يشير إليه عنوان القصة، المأخوذ أصلًا من كتاب اسمه، كشف التباريح في بيان صلاة التّراويح لأبي الفضل السنوري.


 وعلى ضوء ذلك، يمثل العنوان مؤشرًا واضح الدّلالة على أنّ القصة تحمل من بدايتها مسكوتًا عنه، بأنّ التاريخ والواقع صنوان، لهذا حالف استدعاء الإشارة التاريخية، التوفيق في القصة، ذلك من خلال ربط الماضي بالحاضر، لتأكيد ديمومة الضياع، والتفكك، والتشتت، والضعف، والاغتراب، والاستلاب، والانكسار، وما سوى ذلك من دلالات.


وقصة تولا في أرض الفرح ونافذة على الشارع العام، تحتفيان بلغة الرّمز، كما تكثر الإشارات التاريخية في المجموعة القصصية، التي تستثير اهتمام جمال أبو حمدان، وتحمل أبعادًا دلالية سياسية، فيستخدم يوم دفن الملك المنذر بن ماء السّماء كمقابلٍ للضعف، إشارة إلى أنّ الواقع في أشد حالات القوة يكون له قيمة وسيطرة، وفي حالات الضعف يحدث عكس ذلك، تمامًا كما حصل للمنذر بن ماء السماء، ما إنّ دفن حتى بدأ يظهر من لم يكن له وزنٌ وقيمة.


وختامًا، الذي يلفت النظر، ويسترعي الانتباه في قصّة مملكة النمل، هو الرّاوي، الذي يقوم بدور البطل.

المصادر والمراجع

(1) انظر، معجم الأدباء الأردنيين في العصر الحديث، 2014، منشورات وزارة الثقافة، عمّان، ص 57.
(2) انظر، الموت الجميل: جمال أبو حمدان، ط1 ـ 1998، أزمنة للنشر، عمّان.
(3) انظر، جمال أبو حمدان (أديبًا): نسرين أبو سعيد، رسالة ماجستير، 2004، الجامعة الأردنية، ص 5.
(4) انظر، جمال أبو حمدان، قريب من الذاكرة بعيد عن النسيان، ط1 ـ 2017، دار ورد للنشر والتوزيع، عمّان، ص 9 ـ 10.
(5) انظر، جمال أبو حمدان أديبًا، مرجع سابق، ص 25.
(6) جمال أبو حمدان، قريب من الذاكرة بعيد عن النسيان، مرجع سابق، ص 11.
(7) انظر، فنية الرمز ودلالات الخطاب في القصة القصيرة، ط1 ـ 2019، ناشرون وموزعون، عمان، ص 85.

 
التعليقات (1)
morad alamdar
الجمعة، 17-07-2020 04:06 م
^^ مدرسة الحياة ^^ 1 : يعملون بدافع الشغف و ليس المال .. 2 : التضحية .. 3 : يستمتعون بالعزلة .. 4 : ينتقدون عملهم بأنفسهم .. 5 : محبون للمعرفة .. 6 : يتميزون بالإبداع .. 7 : الإلتزام .. نحن على موعد مع قصة جديدة تبث النور في قلوب اليائسين الذين فقدو الأمل نتجة المشاكل أو ضغوط الحياة ، قصة أعادت إلى الأذهان قصص العظماء أمثل العلماء ( توماس أديسون ) و ( إسحق نيوتن ) و ( إينشتاين ) الذين نعتوا بالغباء و فقر الأفكار .. و من الفنانين أمثال الرسام العالمي و صاحب أغلى لوحات في تاريخ الفن العالمي ( فان جوخ ) ، و الممثل ( تشارلي تشابلن ) الذين رفضوا عرضه العديد من المرات بحجة أن لا يستطيع العقل البشري استيعابه ، و الموسيقار ( بيتهوفن ) الذي فقد حاسة السمع و مع ذلك تدرس مقطوعاته حتى الآن و الكثير من الفن العظماء .. و على صعيد الرياضة أفضل لاعب كرة سلة في التاريخ ( مايكل جوردن ) الذي ثم استبعاده من فريق المدرسة لكرة السلة و عاد إلى منزله و أغلق عليه باب غرفته و غرق في البكاء .. و لاعب فريق برشلونة لكرة القدم الأرجنتني ( ليونيل ميسي ) أحد أفضل لاعبي الكرة على مدار التاريخ أصيب بضعف في النمو منذ الصغر هدد مستقبله .. و الكثير و الكثير من تلك الأمثلة و النمادج الرائعة التي تدفع من يسمع قصتها للمزيد من المجهود و التحدي .. لامبورغيني ، من مكانيكي بسيط إلى صنع أفخم السيارات فالعالم .. رجل حول الإهانة إلى نجاح .