قضايا وآراء

في ذكرى مذابح العسكر.. ماذا تبقى للنظام والمعارضة من أتباع؟

عزة مختار
1300x600
1300x600
بصرف النظر عن الاختراق المخزي الذي قام به قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي لمؤسسة الرئاسة في فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، بعد إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، ليصير وزيرا للدفاع، وبصرف النظر عن كون هذا الاختراق معدا مسبقا وليس آنيا كنوع من الفخاخ لجماعة الإخوان المسلمين والمؤسسة الرئاسية المدنية؛ بالإعداد للانقلاب بكافة السبل المتاحة، من محاولات إفشال الرئيس بالتلاعب باحتياجات المواطن الأساسية من كافة السلع، غير الحملات الإعلامية المنظمة والتي بدأت بالنيل من شخصية الرئيس لكسر هيبته أمام شعبه وأمام كافة وسائل الإعلام المحلية، ثم النيل من كل ما يمس هويته ليكون الرفض ليس لكل ما هو إسلامي فقط، وإنما لكل ما هو مدني..

وبصرف النظر كذلك عن أداء أتباع الرئيس ومناصريه ومعارضي الحكم العسكري بعد الانقلاب وحتى عام 2015 في إدارة المشهد الثوري العظيم بفشل أعظم، حتى اتخذ قرار من مجهول بوقف كافة أشكال الحراك الثوري السلمي، وكأن شيئا لم يكن، ليتم القبض على الثوار واحدا تلو الآخر ليتخطى عددهم المئة ألف خلف القضبان، في أجواء لا تمت للإنسانية بصلة خاصة في وقت جائحة كورونا ووفاة بعضهم جراء الإصابة والظروف الشديدة التي يحيون فيها، وتظل البقية ما بين مطارد ومهاجر وشريد بلا أدنى حقوق، ودون أي أمل قريب أو بصيص نور في الأفق، هذا فضلا عن ظهور المعارضة بعد هذا التاريخ بشكل مخز، حيث الصمت المطبق وخذلان الجميع بمن فيهم المعتقلون والرئيس الذي تُرك للموت دون متحدث باسمه في المحافل الدولية لإنقاذه من موت محقق كما حدث بالفعل، ليمر موته أو قتله كالمرور على القبور، ليتم ظلم الرئيس من أتباعه قبل أعدائه..

وبصرف النظر عن البيانات التي تخرج على فترات متباعدة وآخرها البيان الذي نشرته الحركة الإسلامية بخصوص سد النهضة، والذي لا يحمل أي معالم أو نقاط محددة غير الاعتراض النظري، دون أن يشير البيان للسبب الأساسي في بناء السد وإتمامه ودون اتهام النظام المصري بشكل مباشر، حيث وقع قائد الانقلاب بنفسه على بنود لم يطلع عليها الشعب حتى الآن، لكنه يرى نتائجها ببدء الملء الفعلي للسد، غير اللغة المستفزة والمتعالية للنظام الإثيوبي على مصر، ودون إشارة كذلك لآليات تنفيذ تهديد الحركة لإثيوبيا إن هي استمرت في حرمان مصر من حصتها في المياه، فكان البيان عبارة عن ورقة أدبية كتبها أحدهم من باب أداء الواجب لا أكثر..

فبصرف النظر عن كل ما فات، هل تعلمت المعارضة المصرية بالخارج الدروس الكافية لعدم تكرار ما وقعت فيه مسبقا؟ هل وجودها في تركيا ولندن أضاف لها خبرات الفشل الذريع في إدارة المشهد الثوري والذي مات تقريبا؟ هل وعت الحركة أنها غفلت عامدة عن تحذيرات كثيرة لم تلق لها بالا وقتها؟ أم أن الصمت الغريب لقادتها في الخارج يوحي بغير ذلك؟ ثم السؤال الأخير، هل هناك بديل للوجوه القديمة يمكن أن يغير المشهد الحالي؟

وقت التعلم ووقت الحساب


من النادر أن تجد من قيادات الحركة الإسلامية اليوم في الخارج من يمكن أن يقبل إجراء أية مراجعات لتقييم الفترة المنصرمة.. ماذا قدمت الحركة، وماذا كان من الممكن أن تقدم؟ وهل كان من الممكن تلافي الانقلاب من الأساس؟ وما هي الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها وكان من الممكن تجنبها خاصة في فترة الاعتصام بميداني رابعة والنهضة، أيضا بعد الرسالة العسكرية الأولى بضرب المعتصمين أمام الحرس الجمهوري (حيث كان يتم احتجاز الرئيس مرسي كما اتضح فيما) بعدما قُتل ما يزيد عن المئة إنسان، ليتم الاستمرار في الاعتصام الأعزل، وتتوالى رسائل العسكر الذين لا يعرفون سوى القتل لتكون كل رسالة أشد ضراوة من سابقتها، فتأتي مجزرة المنصة، ثم مجزرة القرن، أو مجزرة الفض يوم الرابع عشر من آب/ أغسطس الشهير؟

وهذا رغم أهمية تلك المراجعات التي يتعللون فيها دوما بأنه "ليس وقته"، وأهمية إيجاد أجوبة لكل تلك التساؤلات وغيرها والتي طرحت منذ اليوم الأول للانقلاب ولا تجد جوابا سوى "الظرف لا يسمح"، ولم يتحدد يوما ما هو الوقت المناسب والذي نعرف فيه من المتسبب في كل تلك الفوضي، ولمصلحة من يؤجل (الوقت المناسب) بينما الكارثة يدفع ثمنها الشعب المصري بأكمله، بل وربما الشعوب المجاورة أيضا تدفع ثمن نجاح الانقلاب في مصر.

والمحن العامة التي تمر بها الأمم تنقسم إلى مراحل، ففي بدايتها، حيث ذلك الوقت الذي يمكن فيه استدراك الأمر تكون المراجعات واجبة، فشركة بلا مراجعات هي نهبة للإفلاس في أي وقت، وجماعة بلا مراجعات، هي الأقرب للفشل، ودولة بلا مراجعات هي القتل والتشريد والفشل والفقر والجهل، هي شعب في مهب الريح تتقاذفه بنادق العسكر في كل عصر وحين.

ومن الموجع حقا منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي أن الأحداث تتكرر علي الحركة الإسلامية بنفس الكيفية، فيتم خداعها بنفس الطريقة في كل مرة، لتكون النتيجة بكائيات وآلاف من الضحايا يدفعون الثمن من حياتهم دون مقابل؛ سوى غرق البلاد في المزيد من الدماء والفساد وحكم الدبابة وانهيارها علي كافة المستويات كما هو حادث اليوم.

أما في المراحل التالية من المحن العامة، فلا تصح فيها مراجعة، ولا ينفع في الثوب الخرق رتق، وإنما هو الحساب العسير لكل من قصّر، حساب تقوم به الشعوب، وحسابها في كل مرة يكون شديدا.

ماذا تبقى للمعارضة من رصيد؟

تمر سبع سنوات على الانقلاب الأسود، وكل يوم يفقد من رصيده حتى نفد هذا الرصيد لدى الشعب تماما، بينما يأتي السيسي في ذكرى المذابح التي طالت الآلاف من الأسر المصرية بجملة من القرارات الاقتصادية تقصم ظهور الملايين من المصريين، في الوقت الذي تتلاعب فيه إثيوبيا بمستقبل البلاد؛ بتوقيع السيسي المشؤوم والذي يتوجب بمقتضاه رضوخ مصر وتنازلها عن حقوقها التاريخية في مياه النيل..

يقف قائد الانقلاب يستعرض قراراته بلا أي صوت معارض في الإعلام المصري بعدما أسكت كافة الأصوات، وأخضع الآخرين في محنة لم تشهدها البلاد قبلا..

يفقد النظام رصيده بأنين المواطنين وعجزهم عن الاستمرار في ظل ذلك التعاطي الذي لا يضع لمصالحهم اعتبارا، وكذلك تفقد المعارضة رصيدها بالسكوت المخزي، والأداء المريب الذي لا يمكن وصفه إلا بالرضوخ لإرادة العسكر في تصفير وتجميد الوضع والرضى به.

رضيت معارضة الخارج بالصمت، وظن البعض أن مجرد وجوده بالخارج بعيدا عن دائرة انتقام الانقلاب هو مهمة في حد ذاتها يجب أن يكتفي بها، فانشغل الكبار بأعمالهم، والشباب بالبحث عن لقمة عيشهم، وضاعت القضية على موائد الانتظار تحت شعار الصبر والثبات. فأي شرع يبيح الوضع القائم؟ وعلى أي وضع يجب الصبر أو الثبات؟

إن الصبر والثبات يستوجبان العمل، فهناك مستويات عدة يجب العمل عليها تستطيع من خلالها المعارضة (إن هي أرادت) أن تقض مقام الانقلاب، منها المستوى الحقوقي. وقد استطاع شاب صغير وحده يعيش في أمريكا أن يسبب حالة من الرعب حين حرك قضية ضد حازم الببلاوي، رئيس وزراء مصر الأسبق، يتهمه بالتسبب في تعذيبه أثناء وجوده في المعتقل. وتلك قضية واحدة، فما بالنا بتحريك آلاف القضايا الدولية لآلاف المظلومين والمختفين قسريا والمعتقلين والشهداء، وذلك في ملف واحد.

وهناك المسار الإعلامي الناجح، وغيره من الإجراءات التي يمكن من خلالها حصار الانقلاب دوليا رغم الرعاية الدولية له. إن الحقوق لا تسقط بالتقادم، لكنها تسقط بالسكوت عليها وتجاهلها والاكتفاء بالصمت والانتظار.

لقد خسر الانقلاب أتباعه، ويبدو أن المعارضة تخسر كذلك أتباعها. إن للشعوب حسابات أخرى، حيث تصنع هي بطولاتها الخاصة، وقياداتها الخاصة، لكنها لا تنسى أبدا من خذلوها وقت محنتها.
التعليقات (0)