قضايا وآراء

حرائق بحجم الوطن

هاني بشر
1300x600
1300x600

معظم النار من مستصغر الشرر. ونار السياسة والحروب لا تختلف عن النار الحقيقية. وفي لبنان كانت النار الحقيقية والسياسية والاقتصادية حاضرة مع تفجيرات بيروت.

لم يتفق الفرقاء اللبنانيون وحلفاؤهم الدوليين في السنوات الماضية على شيء قدر اتفاقهم على تجنب وصول البلاد لحافة الانفجار. أعينهم جميعا كانت على بارود السلاح، ونسوا تماما بارود الفساد الذي تحول إلى انفجار حقيقي وكبير بحجم الوطن.

ستظل أعين العالم معلقة على بيروت إنسانيا وسياسيا واقتصاديا.. الجميع يدركون حجم الكارثة، لكن أيديهم مغلولة عن فعل شيء ملموس؛ سوى بعض المساعدات الإنسانية.

هناك تعادل سلبي لكل موازين القوى؛ تعادل يصل لدرجة الشلل. الشعب اللبناني قال كلمته مبكرا منذ عام: "كلن يعني كلن". تعب الشعب.. أتت كورونا ولم يعد في قوس الصبر منزع، ووصلت الأمور إلى نقطة الصفر وما دون الصفر.

في كل أزمات لبنان الماضية كان ثمة متنفس. في حرب تموز/ يوليو 2006 كانت هناك دمشق وأبوابها المشرعة سياسيا وشعبيا.، وقتها كانت بيروت تتنفس الصعداء عند جارتها قبل أن يجور الزمن عليهما.. لم تعد دمشق كما كانت، تعلو أسوار بين العاصمتين شيئا فشيئا، ومؤخرا أغلقت الحدود تماما بسبب الوباء.

يعلو الدخان واللبنانيون محاصرون، البحر من أمامهم وحروب فلسطين وسوريا من خلفهم.

 

أثناء كتابة هذه السطور كان المتظاهرون في بيروت يقتحمون مبنى وزارة الخارجية، وقبلها اقتحم متظاهرون آخرون مقر القنصلية اللبنانية بلوس أنجلوس في الولايات المتحدة. نختلف حول توصيف ما حدث.. غضب مكبوت أو استكمال لثورة ناقصة أو شغب منفلت، لن يغير الوصف من قيمة الحدث ودلالته شيئا، وهو أن هناك غضبا شعبيا عارما يتزايد ككرة اللهب.. غضبا يعطي إنذارا تلو آخر. كانت الإنذارات الأولى محلية، الآن أصبحت إنذارات دولية خارج الحدود.

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. أخشى أن يكون حريق بيروت هو الإنذار الأخير.

وتزامنا مع هذه الاحتجاجات تتوافد الوفود الدولية على العاصمة الجريحة، يحمل كل منها حقيبة دولارات متخمة. منذ متى ولبنان تنقصه الأموال؟ يصيح متظاهر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء جولته البيروتية: "لا تعطوا المساعدات للحكومة" يرد ماكرون: "سنعطيها للشعب مباشرة".

هل هناك سياسية دولية جديدة تجاه لبنان؟ ربما.. سيظهر المؤتمر الدولي للمانحين الذي أعلنت عنه فرنسا مدى جدية هذه الأطراف في إقالة لبنان من عثرته. فارق كبير بين نموذج مشروع مارشال، ومؤتمرات المانحين على غرار مؤتمر مانحي سوريا ومؤتمر مانحي العراق.

قد يحتاج لبنان لعقد سياسي جديد.. عمليا انتهى اتفاق الطائف رغم رفع الجميع رايته والتواري خلف بنوده التي أفرغت من مضمونها. أصبح هناك واقع جديد بمعادلات جديدة يفهمها الجميع ويعملون وفقها، لكن لا يريد أحد الإفصاح عنها. إكرام الميت دفنه، وإكرام اتفاق الطائف انتهاؤه. وليس معنى انتهاء الاتفاق هو عودة الحرب الأهلية، فثمة بدائل كثيرة. أضعف الإيمان أن يتم الإعلان عن المعادلات الحاكمة الحالية وليس التواري خلف أقنعة متنوعة.

بالمنطق البراغماتي البحت، من مصلحة كل الأطراف الدولية الفاعلة في لبنان ألا يسقط البلد سياسيا أو اقتصاديا. منطق بسيط لكنه غير واقعي للأسف. آفة النظام الدولي الحالي الأنانية الشديدة، وكأن حرائق الجيران لن تمتد إلى بقية البيوت. تقول القاعدة البديهية: "ما لا يفيد السرب لا يفيد النحلة"، كما يقول الدكتور عادل مصطفى في مقدمة ترجمته لكتاب التأملات للفيلسوف الإغريقي ماركوس أوريليوس. أهدى المترجم الكتاب لجيل الأخطاء والخطايا، جيل "أهل الثقة" و"ذي القربي" والولاء والرياء.


twitter.com/hanybeshr

التعليقات (0)